حكايات مصرية.. تعديل الدستور ضرورة
أقر أنا كاتب هذه السطور بصفتى مواطنًا طبيعيًا أتمتع بكافة حقوقى الدستورية، وأنا بمنتهى الحرية، دون أن يطالبنى أحد، أو أرغب فى دعم موقف أحد، أو أن أكسب من وراء أحد.. أقر بأننى أوافق على تعديل الدستور، ولدىّ ما يبرر موقفى، وقبل الخوض فى أسباب سعىّ لتعديل الدستور الحالى أقر بأنه نجح فى المرور بمصر فى مرحلة مهمة وصعبة من تاريخها، وأدى مهمته فى تقنين الوضع المدنى للدولة.
أولًا: هذا الدستور وضع فى ظروف غير طبيعية، وكانت الأجواء المحيطة به عبارة عن رد فعل لفترة حكم جماعة الإخوان، بما حملته سنة 2013 من كوارث على مصر، وهو ما ظهر فى تشكيل لجنة وضع الدستور، التى شُكِلت بمواءمات سياسية لا تعبر عن طموح الشعب المصرى، فخلت حتى من فقهاء الدستور.
ثانيًا: ضمت لجنة الخمسين أعضاءً ممن لهم مصالح «من وجهة نظرى» قد تتعارض مع آمال الشعب المصرى، خاصة أولئك الذين سبق لهم تلقى تمويلات أجنبية كانت محل شك وريبة ومساءلة قانونية.
ثالثًا: ترأس لجنة وضع الدستور السيد عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، وهو كان أحد الطامحين لمنصب رئاسة الجمهورية، ما يفقدة ميزة التجرد، فضلًا عن تورطه فى إصدار قرار سمح لقوات التحالف الأوروبية بضرب دولة ليبيا الشقيقة قبل انتهاء فترة ولايته بالجامعة العربية بأسبوع واحد فقط، وهو القرار الذى تسبب فى تدمير واحدة من الأقطار العربية الشقيقة والغالية على الشعب المصرى، فضلًا عما تم تسريبه مؤخرًا عن دوافع السيد موسى فى التعجيل بهذا القرار قبل رحيله عن الجامعة، بعد لقاء جمعه مع أقطاب إخوانية طلبت منه إصدار القرار مقابل دعمه مرشحًا للرئاسة، وإن كانت تلك المواقف لا تقع عليها أى عقوبات جنائية، ولكنها سوف تحاكم تاريخيًا ولن تسقط بالتقادم.
رابعًا: تضمن هذا الدستور مواد أراها، من وجهة نظرى، قنابل موقوتة قد تسبب فى انفجار المجتمع المصرى الذى أنتمى إليه، وأسعى بصفتى مواطنًا أعيش أنا وأسرتى وأبنائى على أرضه لاستقراره، وأراها خطرًا يجب علىّ أن أواجهه، منها ما يلى:
* الموافقة على انتخاب المحافظين، وهو ما أعتبره خطرًا يهدد وحدة واستقرار الدولة، فيما يمكن أن يكون أداه لتقسيمها إذا ما تناحرت القبائل والعائلات الكبيرة على منصب المحافظ، أو أن تحد هذه الانتخابات من مركزية الدولة التى حافظت على وحدة مصر منذ أن وحدها القائد مينا قبل آلاف السنين، وهذه المخاطر يمكن أن تفتح الباب «من وجهة نظرى» لطلب الانفصال أو الاستقلال فى بعض المناطق عن الدولة المصرية.
* تحديد مدة الرئاسة بـ4 سنوات فقط بما لا يزيد على فترتين، وهى رفاهية تتمتع بها الدول الغنية والمستقرة التى لم تتغير دساتيرها منذ عقود وقرون، وهو ما يختلف مع ظروفنا التى نمر بها وأدت إلى عدم استقرار على دستور دائم منذ قرابة المائة عام، فضلًا عن تكلفة إجراء انتخابات رئاسية كل 4 سنوات فى دولتنا التى ما زالت تعانى من أزمات مالية كبيرة، ونسعى طوال الأعوام الماضية للنهوض بالاقتصاد القومى لها، أيضًا تتعارض مدة الأربع سنوات مع طبيعة عمل الرؤساء الذين يجرون خططًا تنموية قصيرة الأجل أو متوسطة الأجل أو طويلة الأجل، حيث إن الخطة قصيرة الأجل مدتها 5 سنوات وتصل الخطط طويلة الأجل إلى 25 عامًا، وإذا طلبنا من أى رئيس دولة تنفيذ خطة واحدة خمسية فلن يستطيع استكمالها إذا ما قضى مدة رئاسة واحدة محددة بأربع سنوات.
* هذا الدستور أغفل ذكر القطاع العام، وكأن الدولة ستستطيع إحداث التنمية الصناعية بالقطاع الخاص فقط، وهو ما يعنى أنه دستور لا يصلح للمجتمع المصرى، ولا يعرفه ولا يعبر عنه، خاصة مع ارتفاع نسبة الفقر فى المجتمع ،واحتياج الطبقة الأكثر عددًا فى المجتمع لدعم الدولة الذى يوفره القطاع العام فقط، خاصة مع فشل القطاع الخاص طوال الـ45 عامًا الماضية، منذ إقرار قانون الانفتاح الاقتصادى، فى تحقيق التنمية أو الحد من الفقر والفوارق الاجتماعية.
* أسقط هذا الدستور تعريف مهنة الصحافة بالسلطة الرابعة، وهى المؤامرة التى بدأها الإخوان فى دستورهم واستمرت فى هذا الدستور، علمًا بأن اعتبار الصحافة سلطة قيمة مضافة للحريات وليس العكس، فالصحافة هى سلطة الرقابة الشعبية، وصوت الشعب الذى يعبر عنه فى كل لحظة، وليست ميزة للعاملين فى هذه المهنة تميزهم عن غيرهم من فئات المجتمع، والله من وراء القصد، وهو على ما أقول شهيد