رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استثارة العواطف الدينية وتحقيق المكاسب السياسية


لقد نجحت أساليب استثارة العواطف الدينية قبل ذلك فى تحقيق بعض المكاسب السياسية، وذلك إبان الانتخابات التشريعية السابقة، وذلك حين لجأ البعض إلى ترجيح كفة بعض المرشحين من خلال استثارة المشاعر الدينية لدى الناس، وبخاصة البسطاء،

كما تم دعم هذا الاتجاه بتقديم الخدمات المباشرة إلى الناخبين، والتى تمثلت فى تقديم سلع وخدمات وأدوات تلبى حاجة الفقراء، وذلك انطلاقاً من منطلق دينى يسعى لتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعى الذى نادى به الدين الإسلامى الحنيف وذلك من أجل إيجاد رابطة تحقق تماسك المجتمع تماسكا حقيقيا وذلك من خلال مساعدة المحتاج والوقوف بجواره والاهتمام به، ونزع مداخل الحقد التى قد تتولد لديه تجاه الأغنياء، ومن ثم يتحقق تماسك المجتمع وتآزره على أساس عملى وواقعى.

غير أن مبدأ التكافل الاجتماعى قد تم اتخاذه كإطار وغطاء لتحقيق غايات سياسية هدفها جذب المزيد من المؤيدين للوصول إلى مآرب وأهداف ذات صبغة سياسية مطلقة، وتم الاستعانة بهذا المبدأ الدينى بهدف استمالة عواطف الجماهير وبخاصة البسطاء. وكان منطق نجاح هذه الأساليب أنها ربطت إعلاناتها ونداءاتها بالشعارات الدينية بعمليات تقديم مساعدات عينية تلبى حاجات المحتاجين من المواد المعيشية الضرورية مثل الدقيق والأرز والزيت والسكر وغيرها من المواد التى تمثل حاجة أساسية من الحاجات المعيشية والتى يحتاجها الناس ويفتقدها الفقراء بصفة خاصة.

إن الارتباط القائم بين الضغط بالشعارات الدينية وتقديم حاجات مادية معيشية مثل التى سبق الإشارة إليها، وفى الوقت تكون مصاحبة للضغط على المشاعر الدينية يمكن أن تسهم إسهاما مباشراً من الناحية العلمية فى عملية تغيير الاتجاه، حتى لو كان هذا التغيير مؤقتاً.

ويمكن القول إن اتخاذ هذه الأساليب كوسيلة للجذب أو الاستمالة وتغيير الاتجاهات كانت أساليب ناجحة فى الفترات السابقة ، وحققت الهدف منها إلى حد كبير، وسادت لدى الناس أفكار مؤداها «إحنا خلينا مع بتوع ربنا» وتم تكوين الاتجاه على أساس أنها أولى الخبرات التى يتعرض لها الناس بعد تنشقهم نسيم الحرية، حيث تعتبر بمثابة الخبرة التمهيدية فى عمليات الانتقاء والاختبار.

ولو شئنا تقديم مثال بسيط لعملية توجيه ودعم تكوين الاتجاه بمثال الأم التى تقوم بمداعبة وملاطفة طفلها مدة زمنية قبل أن تقدم له الرضاعة ، بمعنى ارتباط عملية المداعبة بعملية الرضاعة، حيث تقوم الأم قبل البدء فى عملية الرضاعة بمداعبة طفلها لتحقيق الاستثارة ثم تتبع ذلك مباشرة بعملية الرضاعة لتعزيز الموقف الأول المرتبط بالرضاعة مما يساعد على تحقيق الهدف الأصلى هو تكوين اتجاه الحب والانتماء للأم، ويظل هذا الاتجاه قائما لدى الطفل من حيث القرب من الأم من خلال الارتباط القديم بين تقديم الرضاعة وما يرتبط بها من مداعبة، غير أن وعى الطفل عندما يشب ويكبر وينمو ما يلبث أن يتغير بحكم ارتباط هذا النمو بدخول متغيرات وخبرات جديدة فى حياته، ويترتب على تغيير هذا الوعى أن الاستثارة قد لا تعد تحقق بمجرد تقديم المداعبة حتى لو اقترنت هذه المداعبة بتقديم وجبة طعام لأن متغيرات وخبرات جديدة قد لعبت دوراً فى حياته وأثرت فى بناءاته وتكوينه بعد ذلك ، فلم تعد مجرد الاستثارة كافية وحدها فى تحديد الاتجاه لأن عوامل عديدة أخرى تكون قد تدخلت وساهمت فى إعادة تشكيل الوعى.

والمثال نفسه السابق ينطبق على حالات الشعوب، حيث إن عمليات استثارة المشاعر الدينية المرتبطة بتقديم حاجات مادية وعينية لن يعد كافيا فى المستقبل لتغيير اتجاهات الناس، وذلك لأن خبرات جديدة قد تم إضافتها لدى الناس ساهمت فى تغيير مستوى الوعى لدى الناس.

ومن خلال قراءة الأحداث الخاصة باستثارة المشاعر الدينية فى إيجاد اتجاهات إيجابية نحو بعض الجماعات وارتباط هذه المشاعر ببعض الأدوات التى سبق الإشارة إليها، فإن الخبرات التى أضيفت للناس قد ساهمت فى إعادة تجديد وعى الناس وفى إدراكاتها وبخاصة المدركات المبنية على مشاعر دينية من خلال الضغوط بالشعارات الدينية، لأن هذا الوعى قد ارتبط بخبرات قائمة على مدى صدق الشعارات السابقة من خلال بعض المحكات، حيث إن محك المصداقية هو أهم المحكات، فالناس لم تعد تنظر إلى الهتافات والشعارات الدينية لمجرد أنها شعارات تستنير مشاعرهم الدينية وإنما تنظر إليها من خلال مدى صدق من يقدم هذه الشعارات فى التناول والتطبيق، ومدى التزام من يقدمها بتطبيقها على نفسه، إن محك المصداقية هو أكثر المحكات التى أسهمت فى تعديل وتغيير وعى الناس من خلال الأحداث والوقائع التى تمر بهم وتؤثر فى تكويناتهم.

ومن ثم فإن تحقيق المكاسب السياسية عن طريق استثارة العواطف الدينية لن يستمر طويلا ولن يبقى سائدا لدى الناس، لأن وعى الناس لن يخفت ولن يموت حتى لو استمرت هذه الشعارات فى سياق الترغيب أو الترهيب والتخويف.

■ العميد الأسبق لكلية التربية بجامعة الأزهر

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.