بثور الورم الإخوانى
... فحين أرادت جماعة الإخوان أن تستعيد الحكم، لم تسلك طريق الاستعادة الرشيد بأن تعترف بأخطائها وتعتذر عن هذه الأخطاء، ثم تنخرط فى المشروع الوطنى المصرى وتحاول أن تصحح صورتها وتعالج أخطاءها، فتستعيد ثقة الشارع، ولكنها عمدت إلى محاولة استعادة الحكم ليس عن طريق إرضاء الشعب ولكن عن طريق الركون إلى أمريكا، هى على استعداد أن تستدعى جيوش العالم لمحاربة مصر وأهلها، بل طلب عصام الحداد هذا بشكل رسمى من العديد من الدول الأوروبية، وهى على استعداد أن تريق الدماء من أجل الكرسى، بل هى تقوم بذلك فعلاً، وحين رأيت مرشدهم بديع فى رابعة العدوية يحرض على القتل أدركت أنه وجماعته فقدوا عقولهم، ولكننى كنت أعلم من قبل أنهم تكفيريون يجيزون استخدام العنف والقتل ضد الآمنين، وكتبت هذا فى كتبى وفى العديد من مقالاتى، وكان البعض يظننى أبالغ فى حين أننى كنت أخفف القول حتى يحسن الناس استقبال كلامى إذ الصورة كانت أفجع، وحين قلت إن لديهم ميليشيات وسيستخدمونها ذات يوم، وسيسعون إلى حرب أهلية إذا خرجوا من الحكم، قال بعضهم إننى أبالغ لأخوف الشعب من الإخوان، مع أننى كنت أحذر ليأخذ الجميع حذره ويتعامل مع هذه الجماعة على أنها جماعة إرهابية إجرامية.
والحقيقة أنه كانت هناك فرصة ذهبية للإخوان، كان من الممكن أن يستجلبوا لأنفسهم حب الشعب، ولكن لأول مرة فى تاريخ الجماعة منذ أن أنشأها حسن البنا يقف الشعب كله ضد الإخوان كارهاً وناقماً وغاضباً، وكل شئ انكشف وظهر، المشاعر الغاضبة باتت تعبر عن نفسها، والإخوان لا يفهمون، حركتهم بطيئة وبليدة، ويبدو أن الكرسى الذى يجلس عليه الحاكم يصيبه بقدر كبير من البلادة والجمود، وعلى الأرجح أن كرسى الحكم يعزل الحاكم وأهله وعشيرته عن الشعب، فلا يحسون به ولا يشعرون بآماله فلا يعبرون عن طموحاته، فقط يعبرون عن طموحاتهم هم، فيسعون لتمكين أنفسهم، لا من خلال الشعب، ولكن من خلال إعلانات دستورية حابطة، وأخونة مبتذلة، ومجموعة من المنتفعين الذين خلعوا مبائهم كما يخلعون أحذيتهم، فضلاً عن الاستعانة بأمريكا وإسرائيل وتقبيل أقدامهم وتقديم مصر لهما قرباناً للحكم لعل آلهتهم أمريكا تقبل قربانهم.
لذلك فإننا فى مصر عندما كنا تحت الاحتلال الإخوانى فكنت تستطيع القول إن «فى مصر يموت الناس ويهان الناس ويجوع الناس ويتم حبس الناس» عندما جاء الإخوان إلى الحكم قالوا «سيعيش الشعب فى الإسلام» فكان أن قطعوا الكهرباء فعاش الناس فى الإظلام، قالوا: سنحقق لكم النهضة، فصدقوا، إذ تواطئوا فأقيم سد النهضة ليمنع عنا الماء والكهرباء ويصبح خطراً كبيراً على أمن مصر القومى، قالوا لنا نريد سيادة العالم، فجعلونا تحت سيادة إثيوبيا، قالوا سنقيم الخلافة فأقاموا الخلافات، فى عهدهم أصبح واقنا واقعاً من الوقوع والتردى.
ولكى أتحدث عن مصر عندما كانت تحت يدى مرسى وشاطره ومرشده، يجب أن أتحدث عن تجارتهم بالدين، ولعلك تلحظ أن الله ستر مبارك ثلاثين عاماً، صبر عليه، ومد له، ثم بطش به، ولكنه مع الإخوان فضحهم منذ الدقيقة الأولى لحكمهم، وما ذلك إلا لأنهم تاجروا باسم الله ليصلوا إلى الحكم، هدفهم هو الحكم وحده لا الدين، ولا الأخلاق،تسللوا إلى عقول البسطاء وقالوا :نريد أن نقيم الإسلام فى بلادنا، فصدقهم الشباب الغر الساذج، ولكى يُقام الإسلام يجب أن يصلوا بأعينهم وأفكارهم إلى الحكم، حينها سيكون الإسلام قد حكم وتكون الخلافة الراشدة قد عادت من جديد بعد ذلك المُلك العضوض، دعك من موضوعات التعبير والإنشاء التى حفلت بها أدبيات جماعة الإخوان المسلمين مثلاً والتى تقول فى بعضها: «إننا نريد أن نُحكم بالإسلام لا أن نَحكم بالإسلام» أو «إننا فريق من المسلمين ولم نقل إننا جماعة المسلمين وحدنا دون غيرنا»، فالشعارات المعلنة سرعان ما كانت تختفى وتنزوى وتتلاشى عند التطبيق العملى، ومن صدَّق الشعارات وقع فى فخ التنظير البارد.
ولكن طريق الحكم طويل، ومشاقه كثيرة، ودونه السجون والمعتقلات، ولأنه طويل فيجب أن يبدأ من الفرد، بحث المرشد الأول حسن البنا عن تكوين الفرد، الذى سيؤدى إلى تكوين أسرة إخوانية، ثم نصل إلى مجتمع إخوانى، ثم دولة، مثل الدولة المصرية الحالية التى يقف الإخوان الآن على صدرها، ثم الحلم الكبير، حلم الخلافة، انتهاءً بالحلم الأكبر، حلم أن يتسيدوا العالم، تحت عنوان «أستاذية العالم» هذه هى معادلة جماعة الإخوان الواضحة، ومن أجلها دخلوا السجون ودخلوا القصور، تحالفوا مع رؤساء وملوك ونقضوا تحالفات واتفاقات، دبروا مؤامرات ودُبرت ضدهم مؤامرات، أحبهم الناس وكرهوهم، رفضوهم وانتخبوهم، تقدموا للأمام وتراجعوا للخلف، جلسوا فى العلالى وجلسوا فى القاع، هذا هــــو الملخص الوافى لتاريخ جماعة الإخوان مــــن الاستضعاف إلى حلم التمكين الذى يقولون إنهم يريدون تحقيقه، ولكنهم فى ذلك كله كذبوا، ووعدوا فأخلفوا، وائتمنوا فخانوا، وأشهد أنهم استطاعوا التغرير بأفراد جماعتهم وخديعتهم، فعاش وما زال يعيش هؤلاء الأفراد فى وهم كبير، ولكنهم وإن خدعوا رجالهم فلم يستطيعوا خديعة الشعب، اكتشف الناس معدنهم، فأصدروا قراراً هو الأول من نوعه عبر التاريخ، قرروا أن يثوروا عليهم وحددوا موعد الثورة مسبقاً، وهذه أول مرة يحدد شعب موعد ثورته بالساعة والدقيقة، ولم يحدد الشعب موعده إلا ليتيح لهم فرصة أخيرة، فرصتهم الأخيرة هى فى الهرب من مصر، ولكنهم لم يفهموا الرسالة، واستهانوا بها، واستخفوا بالشعب المصرى كعادة ملوك الاستبداد، وكمثل فرعون الذى قال الله تعالى عنه «استخف قومه فأطاعوه»، ولكن شعب مصر الآن غير شعب مصر أيام الفرعون المستبد، فى زمنهم أطاعوه أما فى زمننا فقطعوه.