رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدستور والمواطنة وتهجير الأقباط


الأهم هل تلك الممارسات يمكن بعدها الحديث عن مصر الجديدة الديمقراطية المدنية الحديثة؟ هل يمكن بهذا أن نواجه الإرهاب والتحديات الخطيرة التى نواجهها؟ هل بهذا يمكن أن يكون هناك بالفعل توحد مصرى حقيقى يواجه مؤامرات تقسم المنطقة على أسس طائفية.

لا شك أن الفروق الكثيرة بين حياة وسلوكيات الإنسان الأول وبين الحياة الآن إذا تأملناها نجد الفروق الواضحة والبون الشاسع بين هذه وتلك.. وذلك نتيجة لتراكم التجربة واتساع المعرفة وتعدد الثقافات ناهيك عن دور العلم والفن والدين. كل هذه الأشياء وغيرها كثير حولت حياة الإنسان من حياة أقرب إلى السلوك الحيوانى الذى يعتمد على القوة العضلية ولا يجد فى الحياة أى قيمة للحرية والكرامة غير اقتناص ما يجعل الحياة تستمر إلى إنسان متحضر يعرف الأخلاق ويتمسك بالقيم ويضحى من أجل المبادئ ويعلى من قيمة الحرية ويتمسك بالكرامة الإنسانية ويؤمن بالمساواة بين البشر دون تمييز لأى سبب.

وعلى ذلك نجد الآن أن الفرق بين مجتمع وآخر أو بين دولة وأخرى هو تمسك هذا المجتمع وتلك الدولة بالدستور والقانون والمساواة وحقوق المواطنة، نجد الفرق بين مجتمع مازال يهاجر بفكره وسلوكه إلى الماضى السحيق ماضى الإنسان الأول وبين آخر يحترم الدستور ويطبق القانون، نعم فالدساتير ودولة القانون هما أحد المخرجات السياسية والنتائج المقدرة لفكر وبحث وعمل الإنسان على مر الزمان. ولكن مازالت العبرة حتى الآن وعلى مستوى الواقع العملى ليست هذه الدساتير وتلك القوانين المسطرة على الورق ولكن العبرة هى بتطبيق هذه النصوص الدستورية وتجسيدها إلى واقع معاش حقيقى.

العبرة باحترام هذه النصوص القانونية وإخضاع الجميع لها دون استثناء بين غفير ووزير بين غنى وفقير بين مسلم ومسيحى. نعم فنحن لدنيا دستور يجرم التهجير القسرى ويعطى حق وحرية الانتقال والسفر وحرية الاعتقاد والرأى، دستور يساوى بين الجميع فى الحقوق والواجبات ويعلى من قيم المواطنة. ولكن - وآه من ولكن هذه - هل نحن بالفعل نعيش فى هذه الدولة التى تطبق القانون وتساوى بين المصريين؟

فالدستور يحتاج تشريعات قانونية تجسد نصوصه والقانون يحتاج إلى حكومة وسلطة تنفيذية تؤمن به وتقوم على تطبيقه بعدالة مطلقة. فهل نحن بالفعل نحترم الدستور ونطبق القانون ونحقق المساواة ونحترم الكرامة؟ هل نحن دولة لديها حكومة تعرف القانون وتطبقه على نفسها وهل لدينا شرطة تحترم القانون وتعرف الدستور أم نحن مازلنا نتباهى بدستور لم تغادر نصوصه دفتيه ولدينا قوانين لا نهاية لها ولا تطبق إلا عندما يراد لها التطبيق على من يريدون؟ كيف نوصف الدولة والنظام والحكومة والشرطة بعد ٢٥/٣٠ وبعد الدستور والتشدق بدولة القانون والمساواة وتأكيد السيسى على مصرية كل المصريين وزيارته للكاتدرائية فى أول سابقة فى التاريخ المصرى ثم نرى أن عمليات التهجير القسرى للأقباط مازالت تُمارس حسب قانون الغاب حتى الآن دون اعتبار لأى شىء وكل شىء حسب ما حدث فى الفشن ببنى سويف بتهجير خمس أسر مسيحية بتهمة الإساءة للرسول الكريم؟

نعم الإساءة مرفوضة شكلاً وموضوعاً وبكل المقاييس وعلى جميع المستويات ولكن يوجد قانون وقضاء هو الذى يفصل ويحكم وينفذ، فما تم فى الفشن أكد بما لا يدع مجالاً لأى شك أننا مازلنا نعيش دولة الغاب، دولة الإنسان الأول، دولة العرف القبلى المتخلف بديلاً للقانون، دولة فيها الحق مع القوى وليذهب الضعيف إلى جهنم، دولة لا علاقة لها بدستور أو قانون، فكلام السيسى وشعاراته لا تصل إلى آذان حكومته.

دولة شرطتها لم تدرس القانون بل تحفظ العرف القبلى، فالتهجير تم على أيدى مدير الأمن والمحافظ ونعم المسئولين المدركين للقانون والباحثين عن العدل، ما حدث لأقباط الفشن هو حادث كاشف لما نحن فيه. فإذا كانت الأحداث والحوادث الطائفية تؤكد أننا لا علاقة لنا بدولة القانون فيصبح من الطبيعى أن نلغى الدستور ونسقط القانون ونأتى بما يسمى المحكمين العرفيين ليصبحوا هم القضاء والقضاة.

الأهم هل تلك الممارسات يمكن بعدها الحديث عن مصر الجديدة الديمقراطية المدنية الحديثة؟ هل يمكن بهذا أن نواجه الإرهاب والتحديات الخطيرة التى نواجهها؟ هل بهذا يمكن أن يكون هناك بالفعل توحد مصرى حقيقى يواجه مؤامرات تقسم المنطقة على أسس طائفية وفى القلب مصر «مسلمين ومسيحيين»؟ أم أن هناك فى جهاز الدولة من يساعد على تقسيم الوطن وتفتيته؟ فيجب محاسبة المسئولين فوراً الذين أسقطوا القانون حتى نحافظ على مصر العزيزة الغالية والأهم من الجميع بلا استثناء مصر لكل المصريين.