ثنائية الأمنوتنموية والتكنوتنموية بعد الثورة
تحدثنا فى مقالات سابقة عن التنافسية المؤسسية وأهم متطلباتها فى الوقت الراهن كأحد طموحات ثورة 25 يناير، وتمت الإشارة إلى أن أهم مطلب يجب أن يتحقق فى سبيل ذلك هو عملية التمكين لهذه المؤسسات كى ما تقوم بوظائفها فى خدمة المجتمع، والمشكلة أن هذا التمكين ذاته لم يتحقق وذلك للعديد من الأسباب لعل من أهمها كثرة الاعتصامات والإضرابات والمطالبات ببعض الاستحقاقات لبعض الفئات وغيرها من الأسباب التى تفوق عملية التمكين.
وإذا كانت هذه المؤسسات تعمل فى ظل الوضع السابق على الثورة تحت مظلة القهر الذى أوقف الأسباب السابقة لإعاقة التمكين، وذلك مثل الاعتصامات والإضرابات وغيرها، غير أن هذا التمكين لم يتعد حدود الوظائف التقليدية للمؤسسة التى تضمن مجرد وجود المؤسسة دون الطموح لإحداث تغييرات حقيقية مؤثرة فى عملية التنمية أو تطوير جاد يسمح بعد ذلك بتحقيق التنافسية بين المؤسسات لإحداث تنمية حقيقية، ومن ثم فقد أسهم النظام السابق فى بقاء وضع هذه المؤسسات بما يشبه الموت البطىء وترتب على ذلك أن تكون عملية الإنقاذ ذات وجه مزدوج وأن تكون مقترنة بثنائية لا يمكن الاستغناء عن واحد من أعمدتها وهى ثنائية ما أطلق عليها «الأمنوتنموية والتكنوتنموية».
ويقصد بالمصطلح السابق أن ضلعى الثنائية هما أولا تحقيق الأمن للمؤسسات بما يتضمنه هذا اللفظ من أبعاد اجتماعية واقتصادية، ثانياً تفعيل التفكير التكنولوجى من أجل تحقيق الابتكار والإبداع وذلك بما يتضمنه اللفظ أيضاً من أبعاد خاصة بعمليات الابتكار والإبداع.
جدير بالذكر أن الإحالة متبادلة بين هذه الثنائية بمعنى أن تحقيق الأمن ضرورى لتحقيق الابتكار والإبداع وسابق عليه، ويمثل حتمية بالنسبة لهذا الضلع الأخير، حيث لن يتحقق الابتكار والإبداع دون أن يسبقه تحقيق الأمن، فلا يمكن أن ينشأ ابتكار أو إبداع فى ظل خوف وترقب وانعدام الطمأنينة والعكس صحيح.
وإذا شئنا التفصيل فى مناقشة موضوع هذه الثنائية، فإنه تجب الإشارة إلى أن عملية تحقيق الأمن ليست مجرد فكرة لتحقيق الأمن بالمعنى البوليسى ومجرد عمليه تمنع ظاهرة الجريمة، بل إن لهذا المفهوم أبعاد اجتماعية واقتصادية، بمعنى أن يسود المجتمع شعور عام بأن أفكار وآراء لن تتم مصادرتها، ومن ثم فإننى آمن إذا أبديت رأيى فى مشكلة ما أو عرضت أفكارى حول موضوع معين، فإننى أتقدم بهذه الآراء وتلك الأفكار بلا خوف أو دون الشعور بأن ثمة إرهاباً فكرياً قد يمارس ضدى من ناحية أخرى، ومن ثم فإن مفهوم الأمن له بعد اجتماعى من هذا المنطلق، كما أنه له بعد اقتصادى أيضا بمعنى أننى يجب أن أعمل ولست مهدداً فى رزقى ودخلى ومعيشتى، ولذا فإننى أعمل بلا خوف من هذا الجانب، وفى حالة من الاطمئان أن معيشتى لن تمس.
ولذلك فإذا نظرنا إلى مفهوم الأمن فإننا يجب أن نتناوله من خلال أبعاده الشاملة التى تكفل للإنسان العمل دون ارتباك أو توتر أو قلق ويترتب على ذلك أن عملية التمكين للإنسان للمؤسسات لابد أن يسبقها الأمن بمفهومه وأبعاده المتعددة السابق الإشارة إليها، لأن معنى التمكين أن تكون المؤسسة قادرة على تحقيق وظائفها بأسلوب خلاق يسهم فى تحقيق نهضتها وطموحاتها، فالتمكين لا يعنى مجرد الإمساك بالأسباب التى تساعد المؤسسة- من خلال قيامها بوظائفها وعلاقاتها بالمؤسسات الأخرى فى المجتمع- على تحقيق طموحاتها فى صناعة التنمية.
ويترتب على ما سبق أن التمكين أيضا مرتبط بضرورة توافر الأمن لتحقيقه، وإذا استطاعت المؤسسة أن تمسك بأسباب التمكين أثناء قيامها بوظائفها فإنها -بلا شك - سوف تسهم فى صنع التنمية وتحقيق معدلات مستهدفة فى خطة التنمية.
وإذا سلكت المؤسسة الطريق الصحيح نحو تحقيق أهداف التنمية الشاملة التى يتطلبها المجتمع فإنها فى هذه الحالة سوف تكون قادرة على تحقيق مبدأ المنافسة.
ويتطلب موضوع المنافسة أن تمتلك المؤسسة القدرة على الابتكار والإبداع فى مجال متطلبات تكنولوجيا التنمية، فالمنافسة الجامة هى من خلال قدرة المؤسسة على تحديث وظائفها والاستفادة من مخرجات التكنولوجيا المعاصرة فى تحقيق هذه المنافسة، وخلاصة القول إن الارتباط بين هذه الثنائية هو ارتباط الانفصام أو التجزئة فالأمن وتحقيق آليات التكنولوجيا الحديثة هما محورا تحقيق أهداف التنمية بأنماطها وتصنيفاتها المختلفة سواء أكان ذلك فى مجال التنمية البشرية، أو مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية الأخرى .
إن المطلوب الآن الإسراع فى تدعيم هذه الثنائية المشار إليها، ولكن هل تسهم الأوضاع الحالية فى تحقيق ذلك؟ وهل تكون الظروف مواتية لتدعيم هذه الثنائية كمتطلب أساسى من متطلبات الثورة.
■ العميد الأسبق لكلية التربية بجامعة الأزهر
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.