رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التنافسية المؤسسية وطموحات الثورة


اتجه طموح الثورة إلى تحقيق دولة التحرر من كل قيد من حيث حرية التفكـير والتعبير وإبداء الرأى لكل فرد من أفراد المجتمع، وألا تكون هذه الحرية مقصورة على فرد معين أو مجموعة أفراد بعينها أو بعض الجماعات داخل المجتمع، بل إن الطموح اتجه إلى أن تكون مظلة بناء الحرية من أجل تحقيق إبداء الرأى والتعبير تمتد حتى يستظل المجتمع كله بظلها.

غير أن هذه الحرية المكفولة كحق لكل فرد يمكن التعبير عنها من خلال مؤسسات الدولة المختلفة، وذلك حتى يمكن تجنب الفوضى من حيث حرية إبداء الراى وتفادى التناقض بين ما يتم طرحه من خلال الأفراد. ولعل ماساء من فوضى وتضارب فى الآراء والاتجاهات تحت غطاء الحرية التى سعت لتحقيقها الثورة، كان مصدره انعدام التخطيط والتنسيق بين أصحاب الرؤى والاتجاهات والأفكار من جهة، ومن جهة ثانية أن هذه الرؤى والاتجاهات اتسمت بالفردية المطلقة، لأنها لم تصدر من نظام مؤسسى يمكن أن يعبر بأسلوب أكثر شمولية، لأن هدف النظام المؤسسى الوصول لما يساعد فى العبور من الأزمة بعد الثورة، هذه المعايير العامة يقودها اتجاه أساسى هو مصلحة الوطن ككل الذى قامت من أجله الثورة.

غير أن المشكلة قد تكمن فى الضعف العام الذى أصاب مؤسسات الدولة عقب الثورة، وما واجهته بعض هذه المؤسسات من هجوم غير محسوب اتسم فى بعض الأحيان بتصفية الحسابات مما أضعف طموحاتها فى إنقاذ الوضع الراهن، ولنضرب مثلاً لأحد هذه المؤسسات، وهى المؤسسة الأمنية الشرطية التى يقع على عاتقها تحقيق الأمن الداخلى للوطن. ولقد تعرضت هذه المؤسسة لأنماط شتى من الهجوم والانعقاد، بل والإهانة وذلك بسبب الفهم الذى يقضى بانتمائها إلى النظام القديم، وحتى لو افترضنا أن هذه المؤسسة أو غيرها كانت من إفرازات النظام القديم البائد، فإن هذا العيب ذاته موسوم به، جميع مؤسسات الدولة الأخرى، وإذا ساد الشك فى جميع المؤسسات فلن نتقدم خطوة واحدة. وغنى عن البيان حتمية تعزيز وتقوية هذه المؤسسة بصفة أساسية ومساندتها والوقوف بجوارها حتى تتعافى وتحقق هيبة الدولة، حيث يقع على عاتق هذه المؤسسة تحقيق هيبة الدولة واحترام النظام، فاذا أضعفت هذه المؤسسة واستكانت ضعف أمامها النظام كله ومن ثم يتحتم ضرورة تعزيزها وتقويتها واحترامها وإتاحة فرص التمكين لها من أداء وظائفها فى حماية الأمن الداخلى للبلاد بما يحقق هيبتها فى إطار القانون والدستور، وضرورة التوقف عن الهجوم والتطاول عليها تحت غطاء الحرية التى كفلتها الثورة. ولقد تداعت أسباب الضعف التى أصابت هذه المؤسسة وانتقلت إلى المؤسسات الأخرى فى الدولة، ومن ثم فإن الموقف يتطلب إعادة التمكين لهذه المؤسسات لأداء وظائفها وتحقيق طموحاتها فى ظل الوضع الجديد بعد الثورة. بيد أن هذا التمكين لن يتحقق إلا إذا توافر شرطان: أولهما توقف الهجوم الدائم على جميع المؤسسات بالدولة باعتبارها مخلفات النظام القديم هذا الهجوم الدائم الذى سبق وصفه بتصفية الحسابات، وليس بهدف تطهير الفساد القديم فى ذاته، حيث تتجه تصفية الحسابات فى كثير من الأحيان إلى أشخاص بعينها كخصوم فيتم الفهم بهدف التنكيل بهم كأشخاص وذلك دون هدف القضاء على الفساد ذاته وتطهيره، ولعل هذا هو أخطر ما يواجه النظام المؤسسى الآن بعد الثورة. وأما الشرط الثانى: حتمية النظر إلى مؤسسات الدولة بشكل مجرد، باعتبارها مؤسسات نظمت من أجل تحقيق أهداف وطموحات الدولة دون النظر إلى الأشخاص الذين يأتون يذهبون ويمرون على كراسى المؤسسات من أجل الحفاظ على كياناتها وصيانتها وحمايتها وليس من أجل الاقتناع بتحقيق المصالح من خلال هذه المؤسسات، وإذا تحققت هذه النظرة فإننا نكون فى هذه اللحظة على بداية الطريق الصحيح فى بناء المؤسسات، تمهيداً لتحقيق التمكين لها من أجل الحفاظ على كيان الدولة وتحقيق طموحاتها.

وإذا بلغنا هدف التمكين لمؤسسات الدولة كان من الميسور أن تكون حرية التعبير مكفولة من خلال هذه المؤسسات، أى أنه فى هذه الحالة ستصبح المؤسسات هى منارات التعبير مكفولة من خلال هذه المؤسسات، أى أنه فى هذه الحالة ستصبح المؤسسات هى منارات التعبير عن الحرية المسئولة للأفراد فى المجتمع وتتسع طاقة هذه المؤسسات حتى تستوعب جميع أفراد وفئات المجتمع بمختلف توجهاتها وانتماءاتها، ومن ثم فإن هذا الأسلوب سوف يسفر عن تعزيز وتقوية هذه المؤسسات، لأنها ستحقق الشمولية والتكامل فى حرية التعبير وتنهى الفوضى والتناقض والتضارب. وإذا كان الحديث اليوم جاداً فى تحقيق مبدأ التنافسية بين المؤسسات، فإن هذا الحديث والكلام عن تحقيق مبدأ التنافسية سوف يظل معنى أجوف لا قيمة له ما لم يُعد النظر فى التأكيد على البناء السليم لهذه المؤسسات وذلك بهدف التمكين لها من ممارسة وظائفها فى المجتمع، وأن تكون تعبيراً صادقاً أميناً عن نبض المواطنين بجميع أطيافهم وفئاتهم. إن التنافسية هى مرحلة تالية للتمكين وما لم يتحقق التمكين، فلن تكون ثمة تنافسية، لأنه كيف سيحدث التنافس لمؤسسات لم تقف على أقدامها بعد، غير أن طموح الثورة يذهب إلى الرغبة فى بناء مؤسسات قوية تحتوى جميع أفراد المجتمع، وأن يتحقق لها التمكين ومن ثم التنافسية التى تؤكد استمرار الوجود للمؤسسة يمكن فى مدى صلاحيتها وقدرتها على تحقيق التنافس فى البلوغ إلى الأهداف والمعايير العامة التى يتطلع إليها الوطن.

■ العميد الأسبق لكلية التربية بجامعة الأزهر

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.