مشروع الثورة للعمل التضامنى
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.
لقد قامت الثورة المباركة فى 25 يناير 2011 من أجل هدف رئيسى هو رغبة كل مواطن فى المشاركة فى إعادة بناء الوطن من جديد والإسهام الجاد فى تصحيح الأخطاء التى سادت خلال فترة حكم النظام السابق.
غير أنه يجب الإشارة إلى أنه لم تكن هناك ثمة استراتيجية واضحة مدروسة لما ينبغى أن يكون، أو ما يمكن القيام به آنذاك إنما كان اتفاقاً على مبدأ المشاركة كمبدأ أساسى من المبادئ التى هدفت إليها الثورة، واستند مبدأ المشاركة إلى مبررات أن جميع المواطنين أفراداً وجماعات أصابهم الضرر من استئثار النظام السابق بكل مقدرات المجتمع ومقوماته وبلغ مدى هذا الاستئثار إلى إحدى آليات التنفيذ، فالذى يملك القرار منذ التخطيط له وكذلك متابعته وتنفيذه هم مجموعة من الناس محددة ومن أهم خصائص هذه المجموعة أنها مصونة محصنة ولا يمكن المساس بما تذهب إليه من قرارات أو حتى آليات التنفيذ.
ومن ثم فقد صار المجتمع كله مهمشاً، وبلغ التهميش حد الإقصاء فى أغلب الأحيان، الذى تمثل فى توقيع العقوبات التى تحقق الإقصاء الحقيقى عن طريق الحبس والسجن لفترات قد تطول أو تقصر بحسب مدى الرغبة فى عملية الإقصاء ذاتها، وقد أدى هذا الوضع إلى تكريس الحقد الاجتماعى لدى الناس.
ونذكر مثالاً لهذا الوضع حينما كتب بعض الصحفيين عن الحالة الصحية للرئيس وما وصلت إليه هذه الحالة، فتمت محاكمتهم من خلال دوائر قضائية معينة أصدرت آنذاك قرارات بحبس هؤلاء الصحفيين الذين تجرأوا وكتبوا عن موضوع الحالة الصحية للرئيس، وذلك على اعتبار أنه ليس من حقهم الكتابة فى هذا الشأن، لأن قصر الرئاسة من المحرمات التى لا يجوز الكتابة عنها أو عن رمزهــــــا «رئيس الجمهورية».
غير أن الصحفيين الذين كانوا قد تجرأوا على الكتابة فى هذا الشأن إنما أقدموا على ذلك باعتبارهم جزءاً من نسيج المجتمع ومن حقهم المشاركة فى تبصير وتنوير الرأى العام بما يجرى فى المجتمع من أحداث، وكان مصيرهم قرارات السجن والحبس نكالاً بما كسبت أيديهم وتجرأت على الكتابة حتى وصلت إلى ذات الرئيس.
وقد أدت عمليات القهر المرتبطة بالاقصاء والاستبعاد والسجن إلى زيادة الشعور بالمهانة بل والذل الذى أدى إلى زيادة المكبوت حتى بلغ حد الفيضان فيما آلت إليه الأمور وتحققت من خلال ثورة يناير.
ويتطلب الأمر الآن قراءة واعية لمجريات الأحداث فى الماضى وتداعياتها، وكيف تدرجت هذه الأحداث وتطورت خلال سلاسل زمنية متصلة.
الواضح أن السلاسل المتصلة لم تنقطع واحدة منها أو تنفصل فى ذاكرة الشعب، بل إن هذه السلاسل المتصلة قد تأكدت فى ذاكرة الشعب وتم تركيبها تركيباً تراكمياً فوق بعضها البعض إلى درجة التعقيد الذى لا يمكن الخلاص منه، ومن ثم لا يمكن أن تمحى وأن تنسى هذه الأحداث التى ارتبطت فى ذاكرة الشعب من خلال هذه السلاسل، بل إنها تظل حية ويقظة فى ذاكرة الشعب ومؤثرة فى توجهاته.
ومن جهة ثانية تحاول هذه الذاكرة أن تطابق بين تطورات هذه السلاسل الزمنية للأحداث وما يتم الآن، وأهم الفروق والاختلافات بين القديم والحديث وما الذى استجد وتغير فى الساحة الآن، وما لم يتغير، ومستوى التغير ومداه وحدته، فإن ذلك كله سوف يكون واضحاً ويقينياً فى ذاكرة الشعب.
ومهما بلغت قدرة الراغبين فى تضليل الناس وتبريراتهم، فإن ذاكرة الناس أكبر وأقوى من أى قدرة على التضليل والإيهام بأن الواقع هو ما ينبغى أن يكون وأنه متفق ومتطابق مع الأساس الذى قامت من أجله الثورة المباركة، حيث قام مشروع الثورة راغباً فى تحقيق مشاركة حقيقية فعالة، مشاركة مجتمعية متنوعة ومكتملة لأقصى حد وتستمع إلى كل الاتجاهات حتى المخالفة منها والمعارضة وكذلك المقاومة، وتكون الرغبة فى الاستماع إلى الآخر وتهدف هذه الرغبة فى الاستماع إلى إعادة التكيف والتوافق مع طموح الشعب الجديد المنبثق عن الثورة والإنصات إليه أقوى من أى رغبة أخرى، وذلك تمهيداً لتحقيق مشاركة حقيقية واقعية فعالة تحقق التضامن الذى يسعى إلى تحقيق مشروع التضامن الذى يؤدى إلى إعادة بناء المجتمع من جديد.
إن المشاركة الشكلية التى تسعى إلى الإتيان بأفراد قد لا يمثلون إلا أنفسهم وبالتالى فإنهم مهما بلغ حد قدراتهم واختلافهم أو توافقهم فإن مشاركتهم لن تجدى شيئاً ولن تقدم أو تؤخر طالما أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم، وتكون الاستعانة بهم لمجرد استيفاء الشكل لا المضمون الحقيقى الذى تهدف إليه المشاركة والشراكة الكاملة.
إن المشاركة الحقيقية هى التى تضم رموزاً تمثل تيارات متنوعة داخل المجتمع وهذه التيارات لها وجود اجتماعى واقعى فى الواقع الاجتماعى الفعلى لا التصورى.
ولذلك فإن المشروع التضامنى للمشاركة هو الهدف الأصيل من قيام الثورة المباركة، وذلك تفادياً واستبعاداً لإعادة إنتاج جدولة النظام القديم برمته وسياقاته المتعددة، حيث كان يهدف النظام القديم إلى تعزيز وتأكيد الشكل دون المضمون ومن ثم كانت آفة انهياره وضياعه.
وقد تكون إعادة صياغة النظام القديم تمضى وفق آلية غير مقصودة فإن الخطر يكون عظيماً إذا لم يتم تدارك ذلك والتركيز على أن وعى الشعب هو المحور الدائم والمستمر، وإذا كان وفق آلية مقصودة فإن الخطر سوف يكون خطراً أعظم ندعو الله أن يقى مصر شر الوقوع فى مثل هذه الأخطار، وأن يتحقق المشروع التضامنى للثورة المباركة.
■ العميد الأسبق لكلية التربية بجامعة الأزهر