رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الذكاء الاصطناعى يكتب نهاية المسرح!.. مسرحيون يتحدثون لـ«الدستور»

جريدة الدستور

يظل الذكاء الاصطناعى أكبر التحديات التى تواجه البشر فى العصر الحديث فى ظل قدرته على أنسنة الآلات وتحويلها إلى كائنات تفكر وتتعامل مثل البشر تمامًا، بشكل يفقد الإنسان قيمته وحضوره ووجوده المادى والمعنوى.

ويطرح توحش الذكاء الصطناعى سؤالًا مهمًا حول مستقبل الفنون وفى القلب منها المسرح، وحول ما الذى يمكن أن يقدمه الـAi للفن سواء بالسلب أو بالإيجاب، خاصة فى ظل قدرته الحالية على كتابة النصوص الروائية والمسرحية، وفى ظل أننا قد نرى فى المستقبل القريب ممثلين هم فى الأساس عبارة عن «روبوتات» يتم التحكم فيها إلكترونيًا.

فى السطور التالية، يتحدث عدد من المسرحيين لـ«الدستور» عن قضية الذكاء الاصطناعى وتأثيرها على الفنون والمسرح بشكل خاص.

 

محمد الروبى: السرعة فى إنتاج المحتوى تؤثر سلبًا على التأمل والابتكار

 

رأى الناقد المسرحى محمد الروبى، أنه «لا بد من أن نقر بأن هذا المسمى بالذكاء الاصطناعى هو أمر جديد مجبرون عليه وبأنه ككل جديد يثير فينا فرحًا وخوفًا، نهابه ونحبه ونخشاه ولا نستطيع منعه». 

وأضاف: «من هنا بات السؤال ليس هو كيف نمنع الذكاء الاصطناعى؟ بل كيف نتعامل معه؟ وككل جديد سيظل الذكاء الاصطناعى صاحب وجهين، ضار إن أسأنا استخدامه، ونافع إن أحسنا التعامل معه. ومن هنا وجب التعريف بمخاوفنا منه لنعرف كيف نتعامل معها».

وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعى سيؤثر حتمًا على الإبداع لا بمنطق أنه سيلغى البشر، لكن بمنطق أنه سيأخذنا إلى مجالات وآفاق ما كنا نظن أننا سنرتادها، وهو يلقى بنا إلى ما يمكن وصفه بالتشابه والتكرار، فهو سيعيد إنتاج الأنماط الفنية بطريقة سريعة ومكررة، مما قد يضعف من قيمة الإبداع الإنسانى الفريد الذى يعتمد على الخبرات الشخصية والعاطفة والتجارب البشرية. كما أنه قد يقلل من الحدود بين ما هو إبداعى وما هو مكرر.

وتابع: «سيحقق الذكاء الاصطناعى ما يمكن تسميته بـالسرعة فى الإنتاج، فالأدوات القائمة عليه تسهل الإنتاج السريع للمحتوى الفنى، ما يعطى توقعات أعلى من المبدعين البشريين فى تقديم أعمال بسرعة مماثلة، ما قد يؤثر على جودة العمل الإبداعى ويجعل الوقت المخصص للتأمل والابتكار يقل».

وأردف: «سيمنحنا أيضًا أعمالًا فنية جديدة بناء على بيانات موجودة لديه من قبل، وهو ما قد حدث فى تجربتى الشخصية مع كتابة نص بعنوان (ماكبث المصنع) لأعرف إلى أى مدى استفاد هو من عمل سابق، مما يطرح تساؤلات حول حقوق الملكية الفكرية ومن يمتلك العمل الإبداعى الذى ولده الذكاء الاصطناعى».

 

باسم صادق: الـAI يقدم حلولًا مبهرة وجاذبة لتطوير أدوات الفنانين

 

قال الناقد باسم صادق، إن الذكاء الاصطناعى موجود فى المسرح شئنا أم أبينا، والعالم كله يستعين به ويلجأ له، وأعتقد أن خطوة المخرج الشاب ومصمم الإضاءة محمود الحسينى حين لجأ للذكاء الاصطناعى فى عرض «ماكبث المصنع» مهمة وبها جرأة شديدة وواضحة تجاه تلك التقنية.

وأضاف: «الخطوة تفتح أبوابًا كثيرة لمناقشة فكرة الاعتماد على الذكاء الاصطناعى ومدى مصداقية العمل المقدم من خلاله»، مردفًا: «نحتاج خلال الفترة المقبلة أن نفتح أبوابًا كثيرة للمناقشة مع شباب المسرح الجامعى، كما أن المهرجانات الجامعية هذا العام سيكون بها عدد كبير جدًا من العروض التى تعتمد على الـAI، وهذا الأمر سيكون سلاحًا ذا حدين لأنه سيحتاج إلى فلترة كبيرة».

وتابع: «أمامنا عدة سنوات حتى نستطيع الوصول إلى التعامل الفعال والمثمر مع الذكاء الاصطناعى، وأعتقد أنه لن يكون مهددًا للإبداع البشرى، طالما نتعامل معه بوعى من خلال قدراتنا البشرية سنستطيع توظيفه بشكل جيد لصالح الإبداع المسرحى».

وبيّن أن التطور البصرى للعروض فى ظل وجود الـAI يمكن أن ينقلنا نقلة كبيرة على مستوى الصورة، لأن الذكاء الاصطناعى يستطيع تقديم حلول مبهرة وجاذبة جدًا لخدمة الإبداع البشرى وتطوير أدوات المبدعين، بشرط أن تكون هناك مصداقية وضمير مهنى وقدرة على الابتكار فى التعامل معه».

 

رشا عبدالمنعم: السماعة والنظارة ثلاثية الأبعاد لن تغنيا المتفرج عن ملامسة الواقع الحقيقى النابض

 

أكدت الكاتبة والناقدة رشا عبدالمنعم، أن المسرح من بين كل الفنون يتميز بكونه فنًا حيًا وتفاعليًا، والمستويات التفسيرية الجدلية الناتجة عن هذا التفاعل الحى يمكن أن تخلق من النص الواحد آلاف النصوص فى تفاعله مع سياقات مكانية واجتماعية وفكرية.

وأضافت: «الميزة التفاعلية الحية للمسرح هى نقطة تهديده وهى ذاتها ضمان بقائه، وسبق وضعه فى مقارنات مع وسائط إلكترونية مثل السينما والتليفزيون، وبقاء المسرح يعنى أنه لا غنى عنه عند من يحبونه ويميلون إليه، حتى مع وضعه فى مواجهة تحدى الذكاء الاصطناعى والميتافيرس الذى يقدم بدائل يسيرة وسهلة وربما سيميل لها البعض خاصة من الأجيال الجديدة، خاصة ممن يميلون إلى التفرد بالوسيلة (موبايل ولاب) ومشاهدة ما يريدونه».

وتابعت: «سيظل الإنسان اجتماعيًا بطبعه والمسرح بالنسبة له فعل طقسى يبدأ من طقس اختيار الملابس لحجز التذكرة واختيار مكان الجلوس، للتفاعل أثناء العرض ومنح اللقطة والممثل السوكسيه المناسب، والوقوف عقب انتهاء العرض ليصفق بحماس لعرض أعجبه أو ينسحب بهدوء من القاعة».

وأكملت: «حتى إمكانية الحوار مع الممثلين وصناع العرض عقب انتهائه هى جزء من تلك الطقسية، والذهاب إلى مكان للعشاء بعد العرض أو الوقوف على النيل قليلًا مع الأسرة هما جزء من تلك الطقسية. حتى العودة إلى المنزل بعدها لن تكون هى نفسها عودتك فى اليوم السابق، ستدخل محملًا بطاقة وفكر مختلف، سلبى أو إيجابى سيان، فلا ممثل سينتهى ولا كاتب ولا مخرج، والذكاء الاصطناعى هو ذاته من إبداع الإنسان ويبدع عبر مدخلات يغذيه بها الإنسان». 

وواصلت: «أما على مستوى التأثير والتأثر بالميتافيرس فبالتأكيد سيحدث هذا التأثر، وربما استلهم البعض أو استخدم البعض تقنيات الميتافيرس فى المسرح، لكن هو ذاته تأثير التكنولوجيا لا أكثر ولا أقل والتى توظف وفقًا لطبيعة العروض».

ورأت أن العروض الافتراضية بالكامل لن تجذب جمهور المسرح الحقيقى إلا بدافع الفضول لاكتشافها كما قلت سابقًا: «حضورك عبر سماعة ونظارة ثلاثية الأبعاد وتفاعلك مع ممثلين وجمهور وسياق مكانى افتراضى لا يشبعانك ولا يغنيانك كمتفرج عن ملامسة الواقع الحقيقى النابض حتى فى جماداته، فمصافحة الجسد الحى وحرارته ليست كملامسة افتراضية لأشياء باردة فى واقع افتراضى».

واختتمت بقولها: «حتى كراسى المتفرجين فى صالة المسرح تمنح طاقة من سبق أن مروا من هنا، ولن تمنحك إياها أبدًا سماعتك ونظارتك ثلاثية الأبعاد وأنت تتجول عبرها فى أماكن افتراضية بلا ذاكرة».

 

منار خالد: علينا مواكبة التجربة بالقراءة عنها أو الحصول على «كورسات»

 

شددت الناقدة المسرحية منار خالد، على أن الذكاء الاصطناعى سيُحدث اختلافًا فى كل المجالات، وليست الفنون وحدها، ولكن بما أننا بصدد الفكرة الآن، فبالتأكيد سيُحدث أثرًا مدويًا، كأى حدث طارئ من قبل.

وأضافت: «سبق وجاءت جائحة كورونا وأظهرت جوانب فنية جديدة شكلًا وموضوعًا من قالب الحجر الصحى والإقامة فى البيوت، بالتأكيد لا مقارنة بين وضع وباء مؤقت، واجتياح تكنولوجى جديد، لكن جاء الذكر بقصدية رصد أى تغيير للفنون سواء من الأمراض، أو الثورات، أو الحروب، أو غيرها».

أما عن مقارنة الذكاء الاصطناعى بالإبداع البشرى، فقالت: «لا يمكن الجزم بانتصار أى منهما على الآخر، حيث إنها ليست حربًا بين أنداد، بل هى آلية مساعدة، وهذا شىء طبيعى ومنطقى وفقًا لكل التطورات السابقة فى عالم التكنولوجيا، واستخداماتها الدائمة بالفنون، بداية من تطور الخام للديجيتال فى السينما، وصولًا لاستخدام الفيديو فى المسرح وغيرهما من تطور لا حصر له، لا بد من تطويعه واستغلاله».

وأضافت: «فى رأيى أن من لم يستخدم الذكاء الاصطناعى فى عمله أيًا كان تخصصه سيخسر معاصرة وقته، بل هى تجربة جديرة بالخوض وقادمة بقوة وعلينا جميعًا فهمها بشكل أكثر دقة، سواء بالقراءة عنها، أو أخذ كورسات وورش فيها، وبالتأكيد مشاهدة أعمال تعتمد على هذه التقنية، حتى يتأتى لنا فهمها وطريقة التعامل معها حتى على مستوى النقد».

وتابعت: «بالتأكيد سيُحدث الذكاء الاصطناعى تغييرًا على كل مستويات الفنون والنقد، بل وسيشترك فى كتابة النصوص والمقالات النقدية، وسيضيف للرؤية ربما بالإيجاب وربما بالسلب، وهذا كله كلام مرسل، والتجربة هى خير دليل، آمل أنا بنفسى فى خوض تجربة استخدامه حتى أتمكن من فهمه وطريقة التعامل معه فى الفنون والنقد بصورة أفضل، ولربما يضيف إلى معاجم الدراما مصطلحات جديدة، ويجدد من الثيمات الدرامية، وبالتأكيد فيما بعد سيضاف لمناهج دراسة الفنون والنقد».

 

محمد فوزى: الوسائط الإلكترونية يمكنها خلق تأثيرات جذابة على مستوى الأضواء والأصوات

 

اعتبر المخرج المسرحى محمد فوزى، أن «التكنولوجيا الحديثة تقدم أدوات جديدة تغير العالم من حولنا، ومع ذلك فمن المهم استخدام التكنولوجيا بحكمة، وبينما ننتقل إلى المستقبل يجب علينا أن نجد طرقًا للجمع بين الابتكار والإبداع البشرى للحفاظ على أصالة تجاربنا».

وأضاف «فوزى» أنه «على الرغم من أن التكنولوجيا جعلت فن الدمى فى متناول عدد أكبر من الناس، إلا أننا يمكن أن نقول إنه منذ آلاف السنين لم تتغير تكنولوجيا الدمى بشكل كبير، لكن فى العقود الأخيرة يمكن للتكنولوجيا أن تخلق تأثيرات معقدة ومثيرة للإعجاب على المسرح باستخدام الوسائط الإلكترونية منها الأضواء والأصوات المبهرة، والدمى والدعائم التى يمكن تحريكها عن طريق التحكم عن بعد، والروبوتات، وأجهزة الكمبيوتر، والذكاء الاصطناعى وغيرها، التى تثير إعجاب الجمهور وتأسره».

وتابع: «أيًا كانت السبل التى يفتحها استخدام التكنولوجيا بهذه الطريقة، فإنها تدعم التعبير الفنى والاتصال بين الجمهور والفنان، ولا ينبغى أن يكون هدفنا مجرد إنشاء عروض تجمع بين التقاليد والابتكار وتلامس المشاعر والخيال، لكن الهدف الأعمق هو الربط مع الواقع وتطوير التقنيات».

ولفت إلى أن «النماذج الأولية والعناصر البدائية مثل صراع الخير ضد الشر، والبحث عن الهوية والخوف من المجهول وما إلى ذلك، موجودة فى جميع أشكال الفن، بما فى ذلك فن الدمى، وترتبط هذه العناصر ارتباطًا وثيقًا بمشاعرنا وتجاربنا، أى بطبيعتنا البشرية الأوسع».

 

منى شاهين: لا يحمل العادات المصرية والمجتمعية وبالتالى لن تنعكس على النص أو الأداء

 

ذكرت منى شاهين، الخبيرة فى الإعلام التفاعلى والتكنولوجيا: «أن الذكاء الاصطناعى يمكنه أن يقدم أشياء خرافية لا يتخيلها العقل البشرى، حيث نعطى له أفكارًا ويتولى تطويرها على هيئة فيديو خلال ثوانٍ معدودة، أو أن يساعدنا فى توفير الوقت وتحليل النصوص، وأيضًا فى مرحلة البحث السابق للكتابة، رغم أنه يفقد الفنان بصمته الخاصة».

وأضافت: «يمكن استخدامه فى المسرح الموسيقى والتفاعلى، ويمكن استخدامه فى الأدوار التقنية فى تشكيل الخلفيات التى تظهر على المسرح، أو طريقة تحريك الإضاءة مع الحركة الموجودة على المسرح، كما يمكن استخدامه فى التصميمات (ديكور وأزياء ودعايا)، فالمصممون على مستوى العالم يستخدمونه الآن، وبعيدًا عن الفن لديه أدوات رهيبة لإدارة الفنون، فى ترتيب الأولويات ووضع خطط زمنية وكتابة الميزانيات، وصياغة المكاتبات».

وعن مخاوف الإفراط فى استخدام الذكاء الاصطناعى، قالت: «الـAi لا يحمل العادات المصرية والمجتمعية وبالتالى لن تنعكس على النص أو الأداء، وهنا يُحدث عملية ذوبان للقيم المجتمعية المصرية، ما يؤثر على الهوية وهى مشكلة كبيرة خاصة فى الكتابة الإبداعية».

واستطردت: «هناك تطور هائل فى تدخل الذكاء الاصطناعى فى الإبداع، وإذا حدث هذا الأمر سأكون قلقة جدًا، وهذا يعنى أن الشركات التى تدير هذه العملية هى التى ستتحكم فى الطريقة التى يفكر ويبدع فيها البشر، وأيضًا الإنتاج الفنى والإبداعى على مستوى العالم، وبالتالى سيتأثر عنصر الهوية والخصوصية، ونحن فى مجال العلوم الاجتماعية والإعلام ندرك مخططات الغزو الثقافى والمعرفى منذ أيام هوليوود وبوليوود، لذا يتوجب أن تكون لدينا رؤية للحفاظ على خصوصيتنا الثقافية والقوى الناعمة بالمنطقة حتى لا نصبح مثل المسخ، لا يوجد مبدع حقيقى سيقبل هذا».

واختتمت حديثها قائلة: «هناك أكثر من شخص يستخدم الذكاء الاصطناعى وبالتالى سيكون المنتج متشابهًا، واللغة الإبداعية ركيكة، وهذا ضد أى صناعة إبداعية، وأنصح أن يتم استخدامه فى التحضير والتنظيم والمراجعة، وأن يتم عقد ورش للمسرحيين لكيفية استخدام الذكاء الاصطناعى فى إدارة العملية الإبداعية لتوفير الوقت والجهد».ش