رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سارة حواس لـ"الدستور": أبحث عن روح تجعل للنصّ معنى وشكلا جديدا (خاص)

د. سارة حواس
د. سارة حواس

انتهت الكاتبة والمترجمة الدكتورة سارة حواس، مدرس الأدب الإنجليزي بكلية الآداب جامعة المنصورة، من ترجمتها الأحدث، والتي تصدر قريبًا عن بيت الحكمة للثقافة، تحت عنوان "ولاؤهم للروح.. عشرون شاعرًا أمريكيًّا حازوا جائزة بوليتزر"، تحرير وتقديم الشاعر الكبير أحمد الشهاوي.

سارة حواس: أبحث عن رُوحٌ تجعل للنصِّ معنى وشكلًا جديدًا

وفي تصريحات خاصة لـ"الدستور"، كشفت الدكتورة سارة حواس، تفاصيل وملامح ترجمتها الأحدث، مشيرة إلى: أُترجِمُ ما يلمَسُ رُوحي وأكتُبُ عمَّا أُحبُّه، رحلةٌ ممتعةٌ وشائقةٌ قطعتها في ترجمة ستين قصيدةً لعشرين شاعرًا أمريكيًّا مُتحقِّقين وحائزين على أرفع الجوائز الأدبية الكبرى ومنها جائزة ''بوليتزر''.

لم أُترجم قصائدَهم فقط، بل عِشتُ وتوحَّدتُ معهم من خلال قراءتي المُستفيضة عن حيواتهم وأشعارهم ومراحل تطورهم خلال رحلاتهم الشعرية، والصعوبات والانتقادات التي واجهوها، وكيف استمروا وكافحوا للوصُول إلى القمة، كيف كانوا يواجهون نواقصهم وكيف عالجوها، كيف تصدُّوا للانتقادات التي كانت من الممكن أن تثبِّط عزيمتهم،لكنَّهم أصرُّوا على النجاح والاستمرار والتكيُّف مع الظروف؛ حتى يصلوا إلى مُبتغاهم في رحلاتهم الشعريَّة الثريَّة الملأى بالنجاحات والجوائز وأيضًا الكثير من الإخفاقات.

ولفتت "حواس" إلى: فأنا لا أُقْبِلُ على ترجمة قصائد من دُون قراءة كل ما يخصُّ الشَّاعر من خلفياتٍ اجتماعيةٍ وثقافيةٍ؛ لأفقهَ ما بين السُّطور وأقرأ ما يهمُّه، وما كان يشغله وما هدفه من كتابة الشعر، وما دوافعه الحقيقية لها.

سارة حواس: أُؤمنُ أنَّ القصيدة كالخزانةِ 

وأوضحت سارة حواس: كل هذه الأشياء تُسهِّلُ عليَّ بوصفي مُترجمةً فهم قصائده بشكل أفضل وأوضح، حتَّى أنها تجعلني أتوحَّد مع أفكاره ومشاعره، وأندمجُ أكثر مع ما يشغله، وذلك يجعلني أيضًا أُجيدُ فكَّ شفرات كل شاعرٍ عندما يكتُبُ كلماتٍ أو سُطورًا أو حتى قصيدة كاملة بشكلٍ غير مباشرٍ، فأنا أُؤمنُ أنَّ القصيدة كالخزانةِ التي نملؤُها بالأشياءِ الثمينةِ لنقتنيها، والإنسان يُشبهُ دومًا ما يحبُّ، وأيضًا من يحب، وكيف لنا أن نعرفَ ما بداخل تلك الخزانة، من دُون أن نتعرَّفَ بالشَّاعر ونفهمه ونتقرَّب منه؛ حتى يفتحَ لنا خزانته ونرى ما بداخلها من جواهرَ وكنوزٍ خاصة به، ظل يجمعها طوال حياته؟ يتفقُ معي البعض أويختلفُ معي البعض الآخر، ولكن ذلك ما أُؤمنُ به وأتبنَّاه في ترجمة الشِّعر.

وشددت "حواس" على: لا أبحثُ عن الاختلافِ في ترجمةِ الشِّعر بقدر ما أبحثُ عن خلقِ رُوحٍ جديدةٍ للنص الشِّعري، رُوحٌ تجعل للنصِّ معنى وشكلًا جديدًا قريبًا من المعنى بقدر الإمكان ومن دُون خيانةٍ للنصِّ الأصلي، وبعيدًا كل البعد عن التقليديةِ واستخدام المفردات القديمة التي تجعلُ شاعرًا أمريكيًّا في العصر الحديث يبدو كأنه '' المتنبي'' أو ''البحتري''، أبعد عن ''النقل الحرفي'' و''الإضافات الزائدة بإفراطٍ ''، فكلاهما خيانةٌ كبرى في حقِّ النصِّ الأصلي، أحبُ أن أنقلَ رسالة الشَّاعر كما هي من دُون زيادةٍ أو نقصانٍ، لا أُؤلف تشبيهًا لم يذكره شاعرٌ ولا أُنْقِصُ تشبيهًا ذكره.

كنتُ أحاولُ طوالَ الوقت أن أجمعَ بين المعنى والمقصد والأمانة والإبداع، وأن أتركَ بصمةَ رُوحي في أيِّ نصٍّ أُترجمُه كما آثرتُ استخدامَ مُفرداتٍ بسيطةٍ وعميقةٍ وحديثةٍ في الوقت نفسه، حتى تصلَ إلى الإنسان العادي والمثقَّف معًا، حتى تقرأَني كلُّ الفئات ولا يشعرُ بالملل أو الكلل من ترجمتي ولا حتى من قراءة مقدماتي لكل الشُّعراء.

واختتمت سارة حواس مؤكدة علي: حاولتُ أن أقتربَ من رُوح المُتلقِّي حتى يشعرَ بأنه لا يقرأ شعرًا مُترجمًا فقط، بل حيوات وعوالم شُعراء، تقترب بعض تفاصيل حيواتهم من الكثير منهم، حتى أنني اعتبرتُها درُوسًا حياتيةً مجَّانيةً ومُلهِمَةً تحثُّنا على الاستمرار والاجتهاد والكفاح للوصُول، كأنها رسائلُ آتيةٌ لنا من عوالمَ بعيدةٍ، لكنها قريبةٌ على المستوى الإنساني فجميعُنا قد يتعرَّضُ إلى مثل ما تعرَّضوا إليه هؤلاء، فالترجمة ليست جسرًا فقط بين الثقافات، لكنها نقطةٌ تلتقي فيها إنسانيتنا ومشاعرُنا،وما تحويه قلوبنا من أسرارٍ قد تظهرُ في صورة نصٍّ كُتبَ في لحظةِ تجلٍّ لشاعرٍ من بلادٍ بعيدة.