رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القرن الإفريقى.. اللعب فوق رقعة شطرنج

غداة اجتماع لـ«الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان»، تناولت بحث الجانبين المصرى والسودانى عددًا من القضايا ذات الصلة بمياه حوض النيل، فى إطار اختصاصها بموجب اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه نهر النيل الموقعة بين مصر والسودان فى نوفمبر 1959، ومستجدات موقف تصديقات بعض دول الحوض على مشروع الاتفاق الإطارى لدول حوض النيل.. خرج رئيس الوزراء الإثيوبى، أبى أحمد، متلصصًا، كمن يسرق شيئًا لا يمتلك، وكتب على منصة «X»: دخول اتفاقية دول حوض نهر النيل المعروفة بـ«عنتيبى» حيز التنفيذ، والتى انضمت إليها ست دول من دول الحوض، البالغ عددها إحدى عشرة دولة، واصفًا إياها بأنها لحظة تاريخية، وتمثل تتويجًا لرحلة طويلة نحو الاستخدام العادل والمعقول لمياه النيل.. بينما اعتبرت مصر والسودان الاتفاقية «غير ملزمة»، وطالبتا بمراجعتها لتحقيق مزيد من التعاون والأمن المائى.
قالت القاهرة والخرطوم، فى بيان مشترك، إنهما «بذلتا جهودًا مكثفة ومستمرة على مدار الأعوام السابقة، لاستعادة اللُّحمة ورأب الصدع الذى تسبب فيه تبنى بعض دول الحوض، لمسودة غير مستوفاة للتوافق لوثيقة ما يسمى بالاتفاق الإطارى، ولا تتسق مع قواعد القانون الدولى ذات الصلة والممارسات الدولية المُثلى، بما فى ذلك فى التجارب الإفريقية الرائدة، مثل حوض نهر الزامبيزى والسنغال، التى تضمن استمرارية التعاون واستدامة التنمية للجميع».. وجددت الدولتان «التزامهما الكامل بالتعاون مع دول حوض النيل، فى إطار المبادئ المتعارف عليها دوليًا، التى تحقق المنفعة للجميع، دون إحداث ضرر لأى من الدول»، مؤكدتين أن ما يسمى بـ«الاتفاق الإطارى للتعاون فى حوض النيل» غير ملزم لأى منهما، ليس فقط لعدم انضمامهما إليه، وإنما أيضًا لمخالفته مبادئ القانون الدولى العرفى والتعاقدى.. واعتبرت مصر والسودان «مفوضية الدول الست الناشئة عن الاتفاق الإطارى غير المكتمل، لا تمثل حوض النيل فى أى حال من الأحوال»، ودعتا دول الحوض إلى إعادة اللُّحمة إلى مبادرة حوض النيل، وعدم اتخاذ إجراءات أحادية، تسهم فى الانقسام بين دول المنابع ودول المصب بحوض نهر النيل.
قال الرئيس عبدالفتاح السيسى، إن مصر تضع المياه على رأس أولوياتها، حيث يعتبر نهر النيل تحديدًا، قضية ترتبط بحياة الشعب المصرى وبقائه، كونه يشكل المصدر الرئيسى للمياه فى بلادنا، بنسبة تتجاوز 98%، ولذلك فإن الحفاظ على هذا المورد الحيوى هو مسألة وجود، تتطلب التزامًا سياسيًا دءوبًا وجهودًا دبلوماسية، وتعاونًا مع الدول الشقيقة لضمان تحقيق الأهداف المشتركة.. وبدوره، قال رئيس الوزراء، د. مصطفى مدبولى، إن «التشغيل الأحادى لسد النهضة قد يؤدى إلى عواقب وخيمة»، كما أكد وزير الخارجية، بدر عبدالعاطى، تمسك مصر بقواعد القانون الدولى الملزمة لإدارة الأنهار الدولية، مشددًا على رفض القاهرة أى أفعال أحادية مخالفة لقواعد القانون الدولى لإدارة الأنهار الدولية.
إن مطالبة مصر دول حوض النيل الموقعة على الاتفاقية الإطارية، بمراجعة موقفها والعودة مرة أخرى للنقاش حول التعاون بين الدول، بما لا يحقق ضررًا لأى من دول النهر، والإعراب عن استعدادها للمشاركة فى النقاش حول الاتفاقية، يعنى أن موقف مصر عادل ويتسق مع اتفاقيات الأنهار الدولية المعمول بها دوليًا.. نقاشًا يشمل جميع الدول ولا يستثنى مصالح دولة على أخرى، بما يوقع عليها الضرر، حيث إن مصر لديها استخدامات حقيقية، والمياه الحالية لا تكفى، وبالتالى لا تسمح مصر بالتنازل عن متر واحد من مياه النيل، وترفض بشكل قاطع اتفاقية عنتيبى بوضعها الحالى.
ورفض مصر والسودان يعنى أن الاتفاقية لن تُفرَض عليهما بالقوة، لأن الرفض المصرى يأتى لتلافى أى مخاطر تتوقعها مصر والسودان من أعمال مستقبلية أو حالية، قد تصيب حصتيهما المائيتين اللتين لا تكفيان بالأساس.. كما أنه يأتى من تمسك مصر باتفاقية عام 1959 التى وقعت عليها مصر، والتى تعتبرها القاهرة أنها وضعت الإطار القانونى اللازم، الذى يقضى بعدم السماح بإقامة مشروعات على حوض النيل، إلا بعد الرجوع إلى دولتى المصب.. كذلك، فإن رفض الاتفاقية يتماشى مع روح القانون الدولى نفسه، ولا يتناقض معه، حيث قضت محكمة العدل الدولية عام 1989، بأن اتفاقيات المياه شأنها شأن اتفاقيات الحدود، ولا يجوز تعديلها.
وتضم دول حوض نهر النيل إحدى عشرة دولة إفريقية، بين دول منبع النهر، هى: بوروندى، والكونغو، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، والسودان، وتنزانيا، وأوغندا، وإريتريا، فضلًا عن دولتى المصب، مصر والسودان، إلا أن أديس أبابا تقود تجاذبات تجاه اتفاقيات المياه التاريخية، وظهر ذلك بصورة جلية بعد بناء النهضة، قبل نحو عقد، وحديثها عن اتفاقيات ما تسميها «الحقب الاستعمارية» والدعوة لتعديلها.. وما تعجل إثيوبيا بتفعيل الاتفاقية، إلا لأن تدرك حساسية التوقيت جيدًا، لأن هناك كثيرًا من المتغيرات الخاصة بموازين القوى الإقليمية والدولية، تضرب المنطقة الإفريقية، خصوصًا تلك التى يتمدد فى خريطتها حوض النيل، وسط تمسك مصر والسودان باتفاقيات 1902 و1929 و1959، التى ترفض الإضرار بدول المصب، كما تقر نسبة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان، وترفض أى مشروع مائى بمجرى النيل يلحق أضرارًا بالأمن المائى لدول المصب.
وكانت هناك بعض المقترحات لمعالجة هذه المخاطر، سواء بأن تكون مصر والسودان من الأغلبية، أو يكون القرار بالأغلبية، وأن يكون هناك إخطار مسبق، وما تفعيل القرار دون إخطار مسبق إلا لأن إثيوبيا لديها نوايا عدوانية على النيل تتعلق بحقوق مصر والسودان، سواء المائية أو السياسية أو الأمنية.. وكان تفعيل هذا القرار يقتضى ألا يكون هناك تعارض بينه وبين أى اتفاقات دولية، خصوصًا إذا كانت تتعلق بالحدود والاتفاقيات الموقعة فى عامى 1902 و1903، وهى تتعلق بالمياه والحدود، لا يمكن تجاوزهما إلا بموافقة أطراف الاتفاقية، وبالتالى فإن تفعيلها أمام المنظمات الإقليمية والدولية سيجد صعوبة، إلا بموافقة دولتى المصب، مصر والسودان.
وتبقى المسارات المتوقعة لمصر والسودان لمواجهة الخطوة الإثيوبية، هى الاعتراض أمام الاتحاد الإفريقى أو الأمم المتحدة أو المحاكم الدولية، لأنهما لهما الحق فى اتخاذ أى إجراءات تحول دون وقوع أى ضرر جسيم، بما فى ذلك حق الدفاع الشرعى، أيًا كان مصدر الخطر، وأيًا كان من يؤيده أو يدعمه.. لأن الموقف المصرى تؤيده المنظمات الإقليمية والدولية؛ كونه فى إطار الاتفاقيات والقوانين الدولية ذات الصلة، على خلاف الموقف الإثيوبى الذى يخالف القوانين والمواثيق الدولية، خصوصًا أن الاتفاق نفسه صاحبه جدل واسع بشأن شرط التصديق، وهو موافقة الثلثين، الذى كان يستلزم موافقة ست دول، ودخول دولة جنوب السودان، يعنى أنها باتت سبعة، وهو ما يعنى «وجود تحايل متعمد».. ولا يُستبعد أن يُعاد النقاش من جديد بشأن الاتفاقية، والنظر فى تعديلها بما يتفق ومطالب مصر والسودان.
ويرى البعض أن مصر مطالبة بعمل عاجل على الأرض مع بقية دول حوض النيل، وليس التمسك فقط بهوامش القانون الدولى، لأنه بالنظر لبقية الدول الموجودة ضمن نطاق حوض النيل، مثل الكونغو الديمقراطية، وتنزانيا، وبوروندى، ورواندا، وأوغندا، وكينيا، وإريتريا، تستطيع مصر التحرك العاجل والفورى لبناء علاقات متينة مع هذه الدول، بمعنى أنه ينبغى على مصر تأسيس علاقات قائمة على التعاون العسكرى والاستخباراتى، مثلما حدث مع الصومال وإريتريا، ودون ذلك يصبح من الصعب جدًا استمالة دول حوض النيل، بعيدًا عن التكتل الذى تنشط فى هندسته إثيوبيا الآن.. أما السودان، فعليه بناء وجهة نظر مستقلة فى هذا التوقيت، لا تتعارض مع مصر، ولا تقوم على التضحية بأمن مصر المائى.. ولا بد للسودان من التحرك أيضًا دبلوماسيًا، بالاستفادة من نوعية الظروف الأمنية التى يواجهها حاليًا، ليجعلها خط دفاع أول عن مصالحه فى تعزيز أمنه القومى، بعيدًا عن أى مجاملات سياسية ودبلوماسية.
●●●
يقولون إن كل شىء فى الحاضر هو امتداد من التاريخ.. وبقراءة بسيطة لدفتر أحوال المنطقة، نستطيع أن نرى أنه خلال الأسبوع الأخير من شهر أغسطس الماضى، كان الصومال على موعد مع حدث غير مسبوق فى العقود الأربعة الفائتة.. طائرتان مصريتان محملتان بالمساعدات العسكرية من الأسلحة والذخائر، إضافة إلى أفراد ذوى مهام محددة، هبطتا فى مطار مقديشو، فى أول تطبيق فورى لاتفاقية التعاون الأمنى بين البلدين، التى وُقعت فى وقت سابق من الشهر نفسه، خلال زيارة الرئيس الصومالى، حسن شيخ محمود، إلى القاهرة، وتسمح بنشر ما يصل إلى عشرة آلاف جندى مصرى على الأراضى الصومالية، فضلًا عن توفير المشورة العسكرية المصرية والأسلحة للصومال.
فى ظاهرها، تهدف الاتفاقية المصرية- الصومالية إلى تعزيز التعاون الأمنى بين الطرفين، فى مجالات مكافحة الإرهاب وأمن الملاحة، وتبادل الخبرات حول الأمن الإقليمى والعالمى، ولكنها كانت تستبطن خصمًا مشتركًا، أثارت تحركاته القلق فى القاهرة ومقديشو على السواء، ألا وهو إثيوبيا، بعدما استهلت أديس أبابا العام الحالى، بتوقيع اتفاقية مع إقليم أرض الصومال- وهو إقليم انفصالى يطالب بالاستقلال عن الصومال- تمنحها حق الوصول إلى ميناء بربرة التجارى على البحر الأحمر وقاعدة عسكرية إثيوبية، مقابل حصة فى شركة الخطوط الجوية الإثيوبية، والأهم اعتراف سياسى باستقلال أرض الصومال.
من وجهة نظر الصومال، تنتهك الاتفاقية الإثيوبية سيادة الصومال، وتتجاهل حكومته المركزية، وتعزز من قوة إقليم ذى نزعات انفصالية، وهو ما يفسر استياء مقديشو من جارتها الإفريقية وحليفتها المؤقتة حتى وقت قريب.. أما القاهرة، فعلى الرغم من أن مسرح الاتفاقية يبعد آلاف الكيلومترات عن أراضيها، فإنه يرتبط بأهم قضيتين فى منظومة الأمن القومى المصرى، وهما أمن المياه، وحماية الملاحة فى البحر الأحمر وقناة السويس، إذ يعنى وجود قاعدة عسكرية إثيوبية محتملة فى ميناء بربرة، امتلاك إثيوبيا القدرة على رقابة وتحجيم التحركات المصرية فى البحر الأحمر، والأهم أن أديس أبابا ستضع قواتها بشكل دائم على مدخل البحر قرب مضيق باب المندب، مما يجعلها قادرة على تهديد الملاحة فى قناة السويس.. عند هذه النقطة، أيقنت القاهرة أخيرًا أن عليها التصدى بجدية أكبر لنوايا أديس أبابا التوسعية فى المنطقة، من خلال تطوير العلاقات وتكوين رؤية إقليمية مشتركة، مع دول القوى الفاعلة فى منطقة القرن الإفريقى.
يستبطن هذا التوجه المصرى الناشئ عمقًا تاريخيًا لا يمكن تجاهله، حتى لو كانت القاهرة نفسها نسيته لفترة طويلة.. كما جاء فى تقرير للجزيرة.. ففى ذروة الحرب الباردة، خلال ستينيات القرن الماضى، وبالتزامن مع حصول معظم الدول الإفريقية على استقلالها من الاستعمار، تحوَّلت منطقة القرن إلى واحدة من أهم ساحات التنافس العالمى بين الشرق والغرب.. وقتها، كانت القاهرة فى مقدمة الداعمين لمشروعات التحرر الوطنى فى القارة، تحت قيادة الرئيس السابق جمال عبدالناصر، وقتها، صرح هيلا سيلاسى، آخر الأباطرة الإثيوبيين بأن فكرة «الصومال الكبير» التى تعنى ضم الأقاليم الخمسة للصومال- الذى قُسم بفعل الاستعمار- فى دولة موحدة، هى فكرة مصرية زُرعت فى نفوس الصوماليين، لزعزعة استقرار إثيوبيا، الحليف القوى للغرب، وحائط الصد للتمدد السوفييتى فى المنطقة.
منذ ذلك التاريخ، حدثت تحولات مأساوية تبدلت فيها مواقع اللاعبين، وجرت مياه جديدة فى نهر السياسة، وحتى فى مجرى النيل نفسه الذى اعتاد أن يصل بفيضانه كل عام إلى دولتى المصب، قبل أن تعترضه مؤخرًا كتلة خرسانية هائلة، وضعتها إثيوبيا فى مسار جريانه، تعتبرها أديس أبابا اليوم حجر الأساس فى مشروع طموح للهيمنة الإقليمية، يتضمن- للمفارقة- امتلاك موطئ قدم على البحر الأحمر، الذى لا تمتلك إثيوبيا وصولًا جغرافيًا إليه، منذ انفصال إريتريا عنها مطلع التسعينيات.. وخلال العقدين الماضيين، لم تلعب الديناميات السياسية فى المنطقة لصالح مصر التى كانت انعزلت عن عمقها الإفريقى، تاركةً الساحة لإثيوبيا للعب منفردة.. لكنّ ما حدث هو أن طموحات أديس أبابا الواسعة وسياستها، بدأت تثير مخاوف جيرانها وحلفائها السابقين، وهو ما يمنح القاهرة فرصة جديدة لإعادة تشكيل سياستها فى هذه المنطقة الحيوية.
●●●
كان اتفاق إثيوبيا مع أرض الصومال فى يناير الماضى على الأغلب هو النقطة التى تبعثرت معها أوراق اللعب فوق الطاولة تمامًا.. كان رد الفعل الصومالى على مذكرة التفاهم سريعًا وحاسمًا ومتعدد الاتجاهات.. فلم تكد تمر أربعة وعشرون ساعة على توقيع مذكرة التفاهم، حتى أجرى الرئيس الصومالى، حسن شيخ محمود، اتصالًا هاتفيًا بالرئيس عبدالفتاح السيسى، أعقبه وصول وفد مصرى رفيع المستوى إلى مقديشو، حاملًا دعوة رسمية إلى الرئيس الصومالى لزيارة القاهرة.. وهو ما تحقق بعد ذلك بأيام، حيث عُقد مؤتمر صحفى، بحضور الرئيس الصومالى، وجّه فيه الرئيس السيسى  رسائل شديدة اللهجة إلى إثيوبيا، محذرًا إياها من خطورة «القفز» على أراضى جيرانها، ومؤكدًا وقوف مصر بجانب الصومال، فى رفضه اتفاقية أرض الصومال، ومشيرًا إلى تمتع مقديشو- بوصفها عضوًا فى جامعة الدول العربية- بحقوق الدفاع العربى المشترك.
قبل زيارة القاهرة، كانت طائرة الرئاسة الصومالية قد هبطت فى مطار أسمرة الدولى، حيث كان الرئيس الإريترى، أسياس أفورقى، فى استقبال نظيره الصومالى، ضمن أول زيارة خارجية للأخير بعد توقيع مذكرة التفاهم، حيث أكد أفورقى على الدعم الكامل لوحدة الصومال وسيادته ورفضه التحرك الإثيوبى.. وتزامنًا مع زيارة الرئيس الصومالى إريتريا، وصل وزير الخارجية السابق، سامح شكرى، إلى أسمرة، حاملًا رسالة خطية من الرئيس السيسى إلى الرئيس الإريترى، تناولت سبل دعم العلاقات بين البلدين، فى ضوء تطورات الأوضاع فى القرن الإفريقى  حسب بيان وزارة الخارجية المصرية- مع دعوة أفورقى إلى زيارة القاهرة، ليصدر بعدها بيان من وزارة الإعلام الإريترية، يفيد بوصول أفورقى إلى مصر، فى زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام، لتتوالى بعدها الزيارات واللقاءات بين مسئولى الدول الثلاث.
وضعت هذه التحركات- على ما يبدو- المسمار الأخير فى نعش تحالف إثيوبى صومالى  إريترى، تكوّن قبل ست سنوات، حينما توافق قادة الدول الثلاث آنذاك، رئيس الوزراء الإثيوبى، أبى أحمد، والرئيس الصومالى السابق، محمد عبدالله فرماجو، والرئيس الإريترى، أسياس أفورقى، على رؤية إقليمية موحدة بينهم، تتأسس على مركزية الدولة بديلًا عن الفيدرالية العرقية.. ومن خلال توقيعه على مذكرة التفاهم مع أرض الصومال، قدم رئيس الوزراء الإثيوبى، أبى أحمد، فرصة ذهبية للقاهرة، لإعادة تموضعها فى القرن الإفريقى وتحديث شبكة تحالفاتها فى المنطقة، بعد سنوات من فتور مواقفها وتراجع سياسات المبادرة، لصالح سياسات ردود الفعل التى خصمت من رصيدها ونفوذها قدرًا لا يستهان به.. هذا التعاطى المصرى النشط والفعال مع الأزمة الصومالية، الذى بلغ ذروته بتوقيع الاتفاقية الأمنية وشحنات الأسلحة، يعززه انسداد أفق محادثاتها مع إثيوبيا بخصوص ملف سد النهضة، والتى امتدت لعقد كامل من الزمن، أكملت فيه أديس أبابا تقريبًا ملء بحيرة السد بشكل منفرد، أى تقريبًا ثلاثة عشر ضعف استهلاك إثيوبيا السنوى من المياه، على عدة مراحل، ودون أدنى نظر لمطالبات القاهرة بالتوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد يضمن حقوقها المائية.
بالنسبة إلى مصر، يُعد التحكم الإثيوبى المطلق فى النيل الأزرق- الرافد الرئيسى المُغذى لنهر النيل الذى يؤمن 98% من الاحتياجات المائية الراهنة لمصر- تهديدًا جسيمًا لأمنها القومى، حسب تقدير القاهرة التى ترى أنه قد تفاقم بعد محاولة أديس أبابا- عبر اتفاقها مع أرض الصومال- امتلاك موطئ قدم وقاعدة عسكرية لقواتها البحرية على مدخل البحر الأحمر وقناة السويس.. ومن هنا، كان سعى القاهرة الحثيث للتصدى لما تعتبرها توجهات توسعية لأديس أبابا فى المنطقة؛ من خلال تطوير العلاقات مع الصومال، التى باتت اليوم الحليف الأقرب للقاهرة فى منطقة القرن الإفريقى، ومعها إريتريا التى ألقتها تقلبات السياسة هى الأخرى إلى أحضان القاهرة.
●●●.
غير بعيد عن الصومال، وعلى مقربة شديدة من إثيوبيا نفسها، أهدت تصاريف القدر مصر ورقة مناورة جديدة فى القرن الإفريقى.. لقد شعر أسياس أفورقى، الرجل الذى يحكم إريتريا منذ تسعينيات القرن الماضى، بأنه تلقى طعنة فى الظهر من حليفه الإثيوبى، أبى أحمد، بعدما وقّع الأخير ودون تنسيق أو تشاور معه؛ اتفاقية سلام بريتوريا فى يونيو 2022، أنهت حرب إقليم تيجراى الدموية، التى دارت رحاها على مدى عامين، وراح ضحيتها ما يقارب ستمائة ألف إنسان وأكثر من مليون نازح، وفقًا لتقديرات أممية، بعدما قاتلت قوات الجيش الإريترى فى هذه الحرب إلى جانب الجيش الإثيوبى لإخضاع الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى.. ومنذ ذلك التاريخ، زادت حدة التوتر بين الرجلين، ورفض أفورقى سحب قواته من مواضعها القتالية داخل إقليم تيجراى، بينما سمحت أديس أبابا لجماعات معارضة لحكم أفورقى بالنشاط داخل الإقليم، إلى جانب تكثيف حشد قوات البلدين على جانبى الحدود.
بلغ الخلاف بين الطرفين ذروته، بعد تصريحات أبى أحمد فى أكتوبر 2023، عن الضرورة الوجودية لوصول بلاده الحبيسة جغرافيًا إلى البحر الأحمر، وعززه إعلان أديس أبابا فى بيان رسمى، تعليقًا على مذكرة التفاهم الموقعة مع أرض الصومال؛ أن فقدان إثيوبيا منفذها البحرى كان خطأ تاريخيًا وقانونيًا، فى إشارة واضحة إلى انفصال إريتريا عنها عام 1993، والذى كان سببًا مباشرًا فى فقدان أدبس أبابا ميزة الوصول إلى المياه الدافئة، منذ ذلك التاريخ، وهو ما اعتُبر إيذانًا بعودة نيران الخلاف بين الجارين، بعد فترة قصيرة من الهدوء فى عهد أبى أحمد.
يُعرف أسياس أفورقى بأنه رجل يجيد فن المناورات، ولطالما أجاد العمل كميسّر للتحالفات والوساطات والإمدادات العسكرية وغيرها من الإجراءات، مستغلًا الموقع الجيوسياسى المتميز لبلاده على البحر الأحمر، لتعزيز قبضته على مقاليد الحكم ولعب دور محورى، لا غنى عنه فى المنطقة لكل الأطراف.. وفى مناورته الأخيرة، يبدو أنه قرر إعادة الاصطفاف إلى جانب القاهرة ومقديشو، فى مواجهة حليفه السابق، بعد أن تصادمت مصالحه مع طموحات أبى أحمد لقيادة القرن الإفريقى، وعلى الأغلب فإن أفورقى أخفق لوهلة فى رؤية حقيقة الخطط الإقليمية التوسعية لحليفه الإثيوبى.
على جانب أديس أبابا.. من المرجح أن أبى أحمد لم يتوقع أن قطع الشطرنج التى سقطت فى أعقاب اتفاقية أرض الصومال، ستتداعى إلى تقارب ثلاثى بين القاهرة ومقديشو وأسمرة، مع فرصة للتحول إلى محور إقليمى.. لقد واجه السياسى  صاحب نوبل للسلام- أزمات عديدة خلال العام المنصرم، الذى اعتبره مراقبون الأسوأ فى تاريخ البلاد، منذ الإطاحة بنظام منجيستو أوائل تسعينيات القرن الماضى.. فعلى الجبهة الداخلية، لا تزال تداعيات الأزمة فى تيجراى مستمرة، مع اشتباكات تشتعل على فترات فى الإقليم، فضلًا عن التحديات المرتبطة باستئناف العملية السياسية فى إقليم، ارتكبت الحكومة فيه عملية إبادة جماعية، حسب وصف الأمم المتحدة.
وبعيدًا عن تيجراى، تشتغل دعوات الانفصال وسط عدد من الدوائر السياسية الأمهرية، وفى إقليم أوروميا- أكبر المجموعات العرقية فى البلاد- تتصاعد مشاعر الغضب، فى أعقاب تقرير أشار إلى تورط لجنة أمنية سرية أنشئت عام 2018، بعد وصول أبى أحمد إلى الحكم، بقيادة رئيس إقليم أوروميا، شيمليس عبديسا، إلى جانب مسئولين حكوميين بارزين؛ فى حملة قمع وتصفية وحشية- خارج نطاق القانون- لشيوخ قبائل وسكان من الإقليم، بدعوى تعاطفهم مع جيش تحرير أورومو، الذى يخوض تمردًا مسلحًا ضد أديس أبابا.. وحتى اتفاقية بريتوريا نفسها، التى يعتبرها أبى أحمد إنجازه الأهم فى الفترة الأخيرة، لا توجد ضمانة بأن تصمد تحت وطأة المجاعة المتزايدة هناك، وسوء الأحوال الإنسانية بشكل غير مسبوق، بعد أن جمّدت المنظمات الإغاثية الدولية والولايات المتحدة لفترةٍ مساعداتها الغذائية، عقب اكتشاف الاستيلاء على المساعدات عبر السلطات الحكومية وبيعها فى السوق المحلية.. ويُغلف هذا المشهد المعقد كله أزمةً اقتصادية طاحنة، نتج عنها تخلف أديس أبابا رسميًا عن سداد سندات حكومية مستحقة لدائنين خارجيين بعملة اليورو نهاية العام الماضى، وتراجعُ مؤشرات الاقتصاد الكلى من معدلات تضخم مرتفعة، وانخفاضٍ فى قيمة العملة المحلية، وزيادة لمعدلات الدين العام، وتدهور فى معدل تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، فى اقتصاد كان يُصنف ضمن أسرع الاقتصادات نموًا فى العالم حتى وقت قريب.
خارجيًا.. وبينما كان أبى أحمد يطمح للقفز فوق مشاكله الداخلية، من خلال إشباع طموحاته الإقليمية بالوصول إلى البحر الأحمر، يبدو أنه قفز فقط إلى المجهول، وأعاد فتح صناديق الخلافات القديمة مع الجيران، التى ادّعى سابقًا أنه جاء لإخمادها بلا رجعة، وهو ما وصَّفه الرئيس الصومالى، حسن شيخ محمود، فى مارس الماضى قائلًا: «رغم التاريخ السلبى بين بلاده وإثيوبيا، فإن الصومال اختار المضى قدمًا فى علاقات سلام، ولكن يبدو أن إثيوبيا تحاول صرف الانتباه عن مشاكلها الخاصة، من خلال التدخل فى سيادة الصومال».
●●●
فى مواجهة التطورات على الجبهة المصرية- الصومالية، قررت إثيوبيا- فيما يبدو- المضى قدمًا فى نهجها التصعيدى، وشرعت فى وضع مسألة اعترافها باستقلال أرض الصومال موضع التنفيذ.. وفى 30 أغسطس الماضى، أرسلت إثيوبيا مندوبًا بدرجة سفير إلى هرجيسا، عاصمة أرض الصومال، للمرة الأولى فى تاريخ العلاقات بين الطرفين، التى تعود إلى عام 1996، حين افتتحت أديس أبابا مكتب اتصال لها فى هرجيسا، يتولى شئون التعاون الاقتصادى والسياسى، لكن هذا المكتب لم يحمل طوال ذلك الوقت الصفة الدبلوماسية الكاملة التى تحملها سفارات الدول، بسبب عدم اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال.
لطالما اعتبرت أديس أبابا أرض الصومال ورقة نفوذ مهمة فى صراعها الممتد لسبعة عقود مع مقديشو، منذ أعلنت أرض الصومال، استقلالها الأحادى الجانب، عن الصومال مطلع التسعينيات.. فى المقابل، اعتقدت الحكومة فى هرجيسا أن العلاقة مع فاعل إقليمى قوى مثل أديس أبابا؛ مسألة مهمة لإدارة صراعها الطويل مع الحكومات المركزية فى مقديشو.. واليوم، ومن خلال نيل اعتراف شبه رسمى من قبل إثيوبيا بالاستقلال، يأمل قادة أرض الصومال أن يشجع ذلك دولًا أخرى على اتخاذ الخطوة ذاتها، بما يؤدى فى النهاية إلى ضم أرض الصومال إلى الأمم المتحدة، وفتح اقتصادها أمام فرص اقتصادية وتجارية أكبر.
على نطاق أقرب، يأمل رئيس أرض الصومال، موسى بيهى عبدى، أن يعزز هذا الاعتراف السياسى الإثيوبى من مكانته السياسية فى الداخل، قبيل الانتخابات المقرر عقدها فى نوفمبر المقبل، رغم أن الاتفاقية مع أديس أبابا لديها معارضوها فى أرض الصومال نفسها، خصوصًا فى منطقة أودال، التى تحتضن الموقع البحرى الذى يُنوى تأجيره لأديس أبابا، حيث يساور القلق القبائل التى تسكن تلك المنطقة، من أن يتبع الاتفاق هجرة ملايين الإثيوبيين إلى أرض الصومال للتجارة.. وهو ما قد ينتج عنه تغيير ديموجرافى، بالنظر إلى أن عدد سكان الإقليم الذى لا يتجاوز ستة ملايين، فى حين يُتوقع أن يصل عدد الإثيوبيين إلى مائة وخمسين مليونًا، خلال أقل من عقد، وهو ما أدى إلى نشوب مظاهرات رافضة للاتفاق فى مدن مختلفة متاخمة للساحل، والتى ينتمى سكانها إلى قبائل لا تؤمن بالانفصال عن الصومال، فضلًا عن قبول تأجير أراضيهم لإثيوبيا.
هذا الموقف الداخلى المأزوم للرئيس موسى بيهى عبدى، يعززه الفشل العسكرى الكارثى فى منطقة سول، التى تتنازع عليها أرض الصومال مع بونتلاند «أرض النبط» المجاورة، حيث فشلت هرجيسا خلال فبراير 2023 فى قمع انتفاضة قامت بها عشيرة «دولبهانتى» فى «لاس عانود» عاصمة سول.. ويفضل أبناء دولبهانتى أن تصبح منطقة سول، التى يشكلون أغلبية سكانها؛ ولاية فى الاتحاد الصومالى، بدلًا من أن تقع تحت سلطة أرض الصومال أو حتى بونتلاند.
●●●
تخبرنا هذه التطورات المتسارعة، بأن منطقة القرن الإفريقى تستقبل عصرًا جديدًا من التحالفات والخلافات والصراعات الإقليمية، بين الصومال وإريتريا، وبين إثيوبيا، وستصبح بقية القوى المجاورة فى المنطقة وحولها- عاجلًا أو آجلًا- مضطرة لتحديد موقفها من هذا الصراع، وهى مواقف تتباين على الأرجح إلى فئات ثلاث: الفئة الأولى، تشمل المرحبين بالتقارب المصرى الصومالى، وفى مقدمتهم السودان، بقيادة عبدالفتاح البرهان، الذى ساءت علاقته كثيرًا مع أديس أبابا، بعد الدعم الظاهر الذى قدمته الأخيرة لقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو «حميدتى»، الذى يخوض قتالًا عنيًفا ضد قوات الجيش السودانى منذ قرابة عام ونصف، بينما يحظى البرهان بدعم مصرى منذ اليوم الأول لاندلاع الصراع السودانى.
وقد أعلن السودان موقفه الواضح برفض الإجراءات الإثيوبية، فى بيان رسمى صدر بعد يومين فقط من توقيع مذكرة التفاهم بين أديس أبابا وهرجيسا مطلع العام، ناهيك عن التقارب الأخير بين الخرطوم وأسمرة، الذى بلغ حد تدريب قوات متحالفة مع الجيش السودانى فى معسكرات خاصة، برعاية أفورقى فى إقليم القاش بركة الإريترى.. أما جيبوتى التى تشعر بارتياح نسبى تجاه التحولات الحالية، فتقف فى منطقة متوسطة إلى حد ما، إذ رغم الحياد الظاهرى ومحاولات الوساطة التى تحاول إدارة الرئيس إسماعيل عمر جيله أن تلعبها تجاه الأزمة الصومالية- الإثيوبية، خشية إغضاب الجارة إثيوبيا، ومن ثم التأثير سلبًا على المصالح المتشابكة للبلدين، فإن المضى قدمًا فى مذكرة التفاهم بين أديس أبابا وهرجيسا لن يكون فى صالح جيبوتى.
من الناحية الاقتصادية، تدفع إثيوبيا قرابة مليارى دولار سنويًا لجيبوتى نظير استخدام مينائها لأغراض التبادل التجارى، وقد تحملت جيبوتى مؤخرًا ديونًا صينية كبيرة، لتحسين الطريق الذى يربطها بإثيوبيا، على افتراض أن حجمًا كبيًرا من التجارة سيستمر فى العبور، حيث تشكل عائدات الموانئ إلى جانب القواعد العسكرية الأجنبية، المصدر الرئيسى للدخل فى البلاد.. إضافة إلى ذلك، جاء الإعلان عن مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال بعد أسبوعين فقط، من الترويج لمبادرة دبلوماسية كبرى بقيادة رئيس جيبوتى للوساطة والإصلاح بين الصومال وأرض الصومال، وهو ما مثل ضربة قاسية للمصداقية السياسية للرئيس جيله، الذى نجح فى عقد لقاء ثلاثى جمعه برئيسى البلدين، موسى بيهى عبدى، وحسن شيخ محمود، قبل أن تُجمّد مذكرة التفاهم هذه المبادرةَ تمامًا، وكان لذلك انعكاس سياسى سلبى داخل جيبوتى، يضاف إلى التجاذبات الساخنة حول خلافة جيله الذى يبلغ من العمر ستة وسبعين عامًا.
على مستوى أكثر عمقًا، تلعب الاتفاقية بين إثيوبيا وأرض الصومال على وتر الخلاف السياسى المحتدم فى جيبوتى بين فريقين: أحدهما تقوده زوجة الرئيس قادرة حايد، التى تنتمى إلى عشيرة آل إسحاق المنتمى لها رئيس أرض الصومال، وتربطها مع إثيوبيا علاقات قوية، وترغب فى تصعيد ابنها نجيب عبدالله كامل، من زوجها السابق، الذى ينتمى إلى عرقية العفر؛ لخلافة زوجها الحالى الرئيس جيله.. أما الفريق الثانى، فتقوده عشيرة عيسى، التى ينتمى إليها الرئيس جيله، والتى تحكم جيبوتى فعليًا.. ويضم هذا الفريق شخصيات بارزة فى جهاز الدولة، بمن فيهم وزير الداخلية، سعيد نوح حسن، ورئيس المخابرات، حسن سعيد خيره، وقائد الحرس الجمهورى، العقيد محمد جمعة دوالة، وهم ينظرون بعين الريبة إلى تحركات السيدة الأولى ولا يرحبون بالتحركات الإثيوبية.. ويُعتقد أن هذا الفريق كان له تأثير مباشر على قرار وزير الدفاع فى أرض الصومال بالاستقالة، بعد ساعات من إعلان مذكرة التفاهم، وذلك بحكم القرابة التى تربط الأخير برئيس جيبوتى وعائلته.
وأخيرًا، تقف تلك القوى التى تراقب التطورات بحذر؛ دون موقف واضح، وعلى رأسها كينيا، التى لديها مع أديس أبابا مصالحُ واضحة ذات بعد اقتصادى تنموى، يتمثل فى ميناء لامو وممر لابسيت، بالاشتراك مع جنوب السودان، لكنها فى الوقت نفسه لا ترغب فى إعادة التوتر إلى العلاقات مع الصومال، التى استمرت لأكثر من عقدين ووصلت حد قطع العلاقات واللجوء إلى ساحات محكمة العدل الدولية، على خلفية النزاع بين البلدين على ترسيم الحدود البحرية بينهما.. هذا فضلًا عن تشابك العلاقات والمصالح الأخرى بين الطرفين، حيث يوجد خمسمائة ألف لاجئ صومالى داخل الأراضى الكينية، كما أن لنيروبى نفوذًا سياسيًا كبيرًا فى الأوساط السياسية الصومالية، يعززه وجود زهاء أربعة آلاف جندى كينى، ضمن بعثة الاتحاد الإفريقى لحفظ السلام فى الصومال «أميسوم» منذ فبراير 2012.
فى غضون ذلك، تحافظ نيروبى على علاقات قوية مع القاهرة، لاسيما على الصعيد العسكرى، كما سبق لكينيا أن أخذت زمام المبادرة داخل الكتلة الإقليمية «إيجاد»، للتوسط فى الصومال وإثيوبيا، لكنها لم تحقق تقدمًا كبيرًا، فى ظل تزايد الهوة بين الطرفين.. وأيًا كانت المواقف التى ستتخذها دول المنطقة، فمن المؤكد أن خارطة جديدة للتحالفات والخصومات قيد الترسيم حاليًا، وأن الكثير من الدول سيتعين عليها القفز برشاقة بين مربعات رقعة الشطرنج المتشابكة.. وفى غضون ذلك، يبقى التحولان الأكثر أهمية فى المنطقة، وهما اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال، والتحالف المصرى الصومالى الإريترى قيد الاختبار، فى انتظار الأيام المقبلة لتخبرنا أيهما سيصمد أمام المزالق والمنعطفات.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.