رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

متى تنتهى حرب التدمير؟

لم تتعرض منطقة فى العالم لما تعرضت له غزة ولبنان من قوة التدمير وبشاعة القتل، لقد تمت تسوية قطاع غزة بالكامل بالأرض، وتم تشريد كل سكانه الى الخيام والمخيمات، كما تم قتل أكثر 42 ألف فلسطينى فى غزة وجرح وإصابة أكثر من 90 ألفًا، وفى لبنان يكاد يقترب الوضع مع ما يحدث فى غزة. 
كما مُنى حزب الله، ممثل المقاومة بخسائر فادحة، سواء على مستوى قياداته التى تم اغتيالها بالكامل، ظهر حزب الله أمام اللبنانيين وأنصاره فى إيران وسوريا وبعض الدول العربية كبالون عملاق منتفخ ومملوء بالهواء، وعندما اقتربت منه إسرائيل بإبرة، انفجر فى الهواء تاركًا غلافًا فارغًا لا يحوى شيئًا. وظهرت الحقيقة أن إسرائيل اخترقت الحزب وقياداته وقواعده كلها.
ورغم أن إسرائيل قتلت معظم كبار قادة حزب الله ودمرت جزءًا كبيرًا من مخزونه من الذخيرة والصواريخ، فإن الميليشيا الشيعية اللبنانية لا تزال تمتلك ترسانة كبيرة وعشرات الآلاف من المقاتلين المدربين وتواصل إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل وترفض التفكير فى وقف إطلاق النار حتى تنهى إسرائيل حربها فى غزة.
الغريب أن إسرائيل تحارب فى ثلاث جبهات، هى لبنان وغزة وإيران، والأخيرة أطلقت صواريخها إلى إسرائيل للرد على مقتل الأمين العام لحزب الله اللبنانى. 
الصواريخ الإيرانية التى أطلقت على إسرائيل كان تأثيرها بسيطًا، يمكن أن نطلق عليها الصواريخ الصوتية، وهى صواريخ تطير مع انفصال الرأس الحربى، وهو عبارة عن الوحدة القتالية بأكملها تنفجر وتدمر. ومن الواضح أن الصاروخ الذى سقط هو صاروخ فارغ يهدف فقط إلى إظهار التصميم على توجيه الضربة، وهو بسيط وقديم، يرى بعض الخبراء أن صواريخ الدفاع الجوى الإسرائيلية أكثر منه تكاليف وتدميرًا.  
وهو يعنى أن إيران لم تكن تنوى إلحاق ضرر جسيم بإسرائيل، لكنها سعت إلى تحقيق هدفين آخرين. 
الأول هو إثبات أن الضربة جدية. وهكذا حفظت طهران ماء وجهها فى العالم العربى؛ ثانيًا، أظهرت إيران أنها لم تعط إسرائيل والولايات المتحدة سببًا لشن عملية عسكرية ضدها. وهى لعبة دقيقة وجميلة للغاية. 
لا تريد إيران بدء حرب واسعة النطاق، لأن ذلك من شأنه أن يجر العديد من الدول الأخرى إلى الصراع ويزعزع استقرار المنطقة بأكملها. 
المعروف أن اجتياح إسرائيل للبنان فى سبتمبر الماضى لم يكن للمرة الأولى، فقد اجتاحتها قبل ذلك ثلاث مرات متتالية.
الأولى كانت فى 1982، حيث شنت إسرائيل غزوًا موسعًا باسم «عملية سلام الجليل»، وكان غرضها المُعلن هو تدمير أجهزة منظمة التحرير الفلسطينية العسكرية والسياسية فى لبنان. تسبب الاجتياح الإسرائيلى فى مقتل آلاف المدنيين مع حصار القوات الإسرائيلية لبيروت. وأصدر مجلس الأمن بالأمم المتحدة قرارًا ينادى بالانسحاب الشامل والعادل وغير المشروط للقوات الإسرائيلية من لبنان. أدى الاحتلال الإسرائيلى إلى خلق مقاومة شيعية مقرها الأساسى ضواحى بيروت الجنوبية، ووادى البقاع، وقرى الجنوب اللبنانى. وفى عام 1985، أعلنت جماعة أطلقت على نفسها اسم حزب الله، عن نفسها، وأعلنت عن قيام كفاح مسلح بغرض القضاء على الاحتلال الإسرائيلى فى لبنان. وحين انتهت الحرب الأهلية فى لبنان عام 1990 ووافقت الفصائل المتحاربة الأخرى على نزع السلاح، رفض كل من حزب الله وجيش جنوب لبنان، وهى ميليشيا مناصرة لإسرائيل. وأعلن حزب الله عن أسبابه بأنها استمرار إسرائيل فى احتلال الأراضى اللبنانية واحتفاظها بسجناء لبنانيين.
وسمحت حكومة لبنان لحزب الله بالاحتفاظ بأسلحته. وفى عام 1992 شارك حزب الله فى الانتخابات الوطنية اللبنانية، وربحت قائمة المرشحين التى كان يدعمها 12 مقعدًا فى البرلمان. وفى عام 2005 دخل الحكومة للمرة الأولى وحصل على حقائب وزارية. وبعدها تبادل حزب الله وإسرائيل القتال وإطلاق القذائف، من داخل لبنان منذ الثمانينيات. وحارب حزب الله ضد جيش الاحتلال، وأطلق الصواريخ وقذائف الهاون على إسرائيل، وشن هجمات انتحارية عبر الحدود بقوات الكوماندوز. وقام جيش الدفاع الإسرائيلى بإجراء عمليات برية فى لبنان، وأطلق قذائف المدفعية وأجرى هجمات جوية والغرض المعلن منها كان القضاء على الخطر الذى يتهدد إسرائيل من جانب حزب الله والميليشيات المسلحة الأخرى فى لبنان.
المرة الثانية كانت فى أواخر يوليو 1993، حيث بادرت إسرائيل بعمليات برية وجوية كبرى، وكانت الأهداف المعلنة هى القضاء على صواريخ حزب الله التى تقصف إسرائيل وأن تصعب من قدرة حزب الله على الاستمرار فى استخدام الجنوب اللبنانى كقاعدة لمهاجمة القوات الإسرائيلية.
واستغرقت أولى هذه العمليتين، سبعة أيام، وكانت باسم «عملية المحاسبة». ونجم عن العمليتين الإسرائيليتين وفاة حوالى 120 مدنيًا لبنانيًا، وإصابة قرابة الخمسمائة، والتشريد المؤقت لما يقدر بحوالى 300000 قروى ولاجئ فلسطينى تشردوا من بيوتهم. وفى ذلك الأسبوع أطلق حزب الله 151 صاروخًا عبر الحدود، طبقًا للسلطات الإسرائيلية، وتسبب فى مقتل اثنين من المدنيين وإصابة 24 آخرين. 
وانتهى قتال عام 1993 بالتوصل إلى مجموعة قواعد غير رسمية وغير مكتوبة بين إسرائيل وحزب الله، مفادها حظر الهجمات ضد المدنيين. إلا أنه فى عام 1996، انهارت هذه القواعد تمامًا، مع اتهام كل من الطرفين الطرف الآخر بارتكاب انتهاكات متكررة.
بدأ الحزب إطلاق الصواريخ على إسرائيل فى الثامن من أكتوبر 2023. بعد يوم واحد من هجوم حركة حماس، على الأراضى الإسرائيلية.
ومع مرور الوقت، تصاعدت العمليات العسكرية بين الجانبين، لتبدأ إسرائيل فى 23 سبتمبر حملة قصف جوى مكثفة استهدفت مواقع تقول إنها ضد أهداف لحزب الله فى لبنان. وفى 30 سبتمبر، أعلنت عن بدء عمليات برية «محدودة ومركزة» عند الحدود. ثم بدأت إسرائيل فى اغتيال قادة حزب الله، وقبلها اغتالت إسماعيل هنية أمين عام منظمة حماس، وثم اغتالت حسن نصرالله أمين حزب الله، وبدأت اقتحامًا بريًا للبنان.