رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناريوهات رد إسرائيل على هجوم إيران

تواجه القيادة السياسية الإسرائيلية عدة معضلات فيما يتصل بطبيعة رد جيشها على الهجوم الصاروخى الباليستى الذى شنته طهران عليها.. فى انتظار احتمال رد طهران على الرد التى ستقوم به تل أبيب، ربما تكون القيادة السياسية وقيادة الجيش الإسرائيلى فى طور «تحريك وسائله» بالفعل.. ولكن ما هى الأهداف الإيرانية التى قد تضربها إسرائيل؟.. وهل من المناسب أكثر مهاجمة الأهداف العسكرية، أو الأهداف الاقتصادية مثل النفط الإيرانى، أو هياكل الحكم، أو الأهداف المرتبطة بالمشروع النووى الإيرانى، الذى يهدد إسرائيل وربما المنطقة برمتها؟.. وربما أهداف أخرى، مثل اغتيال القادة؟
فى ضربة تركز على الأهداف العسكرية للنظام، فإن الإيرانيين يمتلكون عددًا من الأصول الاستراتيجية المهمة، التى قد تختار إسرائيل مهاجمتها.. يمكن أن تستهدف، على سبيل المثال، مواقع صواريخ أرض أرض.. وبعض هذه الصواريخ منصوب فوق سطح الأرض، فى حين أن بعضها الآخر متحرك وغيَّر موقعه، وبعضها الآخر منصوب فى مواقع تحت الأرض مُصممة لتحمل القصف الجوى.. بالإضافة إلى ذلك، فإن قواعد إطلاق الطائرات دون طيار ومواقع الدفاع الجوى تقع أيضًا على رادار سلاح الجو الإسرائيلى هذه المرة على نطاق أوسع التى تغطى طهران وأصفهان والموانئ على الخليج الفارسى. أو قد يستهدف هجوم أكثر تعقيدًا الإنتاج الصناعى العسكرى، مثل تكرار أكثر وضوحًا للهجوم بطائرات دون طيار على مصنع للأسلحة فى أصفهان فى يناير الماضى.. وتملك إيران أنظمة دفاع صاروخى أرض جو، مثل صواريخ S-300 روسية الصنع، وصواريخ HQ9 صينية الصنع، وحتى أنظمة دفاع إيرانية الصنع، يصل مداها إلى مئات الكيلومترات.. ومع ذلك، فإن كل هذه الهجمات تنطوى على احتمال سوء التقدير والمخاطرة بوقوع خسائر غير متوقعة.
وإذا افترضنا يقول أمير بوهبوت، فى صحيفة «جيروزاليم بوست»، إن المستوى السياسى قرر ضرب البنية التحتية الاقتصادية الإيرانية، فإن المنشآت النفطية ستكون أهدافًا رئيسية.. وقد تم الترويج لهجوم على البنية التحتية النفطية الإيرانية باعتباره ردًا محتملًا.. والهدف الأكثر ذكرًا، هو محطة نفط «خارج»، التى تتعامل، وفقًا لبعض التقديرات، مع 90٪ من صادرات النفط الخام، ومعظمها متجه إلى الصين.. تشمل المرافق الرئيسية الأخرى مصفاة عبادان، بالقرب من الحدود مع العراق، التى تتعامل مع نسبة كبيرة من احتياجات إيران المحلية من النفط.. وفى مثل هذا السيناريو، فإن آبار النفط وعمليات الإنتاج والنقل والتخزين والموانئ البحرية التى تصدر إيران من خلالها النفط إلى العالم ستكون كلها معرضة للخطر.. ومن ناحية أخرى، فإن مهاجمة البنية التحتية وعمليات الإنتاج تنطوى على مخاطر إشراك مصالح دول أخرى، مثل الصين وروسيا وغيرهما من الدول التى قد لا تدعم إسرائيل بالضرورة، الأمر الذى يزيد من فرص التورط غير المرغوب فيه.. لكن مهاجمة الأهداف الاقتصادية قد يكون لها تأثير طويل الأمد، خصوصًا أن الاقتصاد الإيرانى يعانى، والنظام هناك يريد تخفيف العقوبات.
والسؤال الآن هو، ما إذا كان الهجوم الاقتصادى ردًا مباشرًا متناسبًا على الهجوم الإيرانى؟.. فقد قالت إيران إنها اختارت أهدافًا عسكرية، واستهدفت صواريخها القواعد الجوية الإسرائيلية، ما تسبب فى أضرار طفيفة لمنشأة نيفاتيم ومقر الموساد.. ولكن مدرسة شرقى عسقلان تعرضت للقصف.. ومن المرجح أيضًا أن يؤدى ذلك إلى رد إيرانى أكثر من شن إسرائيل هجومًا عسكريًا أكثر تركيزًا.. وقال اللواء محمد باقرى، رئيس الأركان العسكرية الإيرانية، إنه إذا تعرضت طهران لهجوم، فسترد بسلسلة أخرى من الصواريخ أكبر وأوسع نطاقًا، وإن هجوم الثلاثاء «سيتكرر بكثافة أكبر وسيتم استهداف جميع البنية التحتية للنظام الإسرائيلى».
ولكن قد تتخذ إسرائيل مسارًا مختلفًا، فتوسع برنامجها للاغتيالات المستهدفة فى إيران.. فقد أثبتت بالفعل قدرتها على تنفيذ عمليات اغتيال فى طهران، بعد أن قتلت الزعيم السياسى لحركة حماس، إسماعيل هنية، نهاية شهر يوليو الماضى، بعبوة ناسفة زُرعت سرًا قبل شهرين فى دار الضيافة التى كان يقيم فيها، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز».. ويعتقد أن إسرائيل قتلت عددًا من كبار العلماء النوويين الإيرانيين، بما فى ذلك محسن فخرى زاده، الذى قيل إنه قُتل فى نوفمبر 2020، بمدفع رشاش يتم التحكم فيه عن بعد.. ومع ذلك، لا يبدو أن إسرائيل تفكر فى الرد بشكل متواضع على ما كان هجومًا صاروخيًا صريحًا، حيث أصر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على أن إيران «ستدفع ثمن ذلك».
وتشمل الأهداف المتعلقة بالحوكمة أيضًا فى الرد الإسرائيلى المحتمل على أى هجوم إيرانى.. وعلى الطاولة مؤسسات حكومية ومواقع وطنية ورموز قد تُلحق الضرر بنظام آية الله، وتزعزع الروح المعنوية الوطنية إذا تعرضت للتدمير.. ويأتى المشروع النووى، الأكثر أهمية بالنسبة لنظام آية الله فى طهران، وقد تم تصميم البنية التحتية العسكرية للمشروع بطريقة تحمى مواقعه المختلفة، التى تم توزيعها فى جميع أنحاء إيران.. بعضها فوق الأرض وبعضها تحت الأرض.. ومن شأن ضرب المشروع الرائد فى إيران، أن يقضى على أكبر تهديد لإسرائيل، ويوجه ضربة قاسية لنظام يعمل على المشروع منذ عقود عديدة.
●●●
لكن.. هل تستطيع إسرائيل مهاجمة المشروع النووى الإيرانى بمفردها؟
بداية، أكد مسئول فى وزارة الخارجية الأمريكية، لشبكة CNN، أن إسرائيل لم تتعهد بعد لإدارة بايدن بأنها لن تستهدف المنشآت النووية الإيرانية، ردًا على الهجوم الصاروخى الباليستى.. ويقول، إنه من الصعب تقييم موعد رد إسرائيل، لكنه قدَّر أن الضربة المضادة من المرجح أن تحدث بعد السابع من أكتوبر، الذكرى السنوية لهجوم حماس عبر الحدود فى جنوب إسرائيل، وليس فى اليوم نفسه.. وعلاوة على ذلك، فيما يتعلق بما إذا كانت إسرائيل أكدت للولايات المتحدة أن المواقع النووية الإيرانية أهداف قابلة للتطبيق، قال المسئول إن إدارة بايدن تأمل فى رؤية «بعض الحكمة وكذلك القوة.. ولكن كما تعلمون، لا توجد ضمانات».. فى حين قال بايدن إنه لن يدعم توجيه ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية.
ويعتقد الخبراء العسكريون أنه من المستحيل أن تشن إسرائيل هجومًا مُعطِلًا على شبكة المواقع النووية الإيرانية، دون مساعدة عسكرية مباشرة من الولايات المتحدة.. والمواقع الرئيسية التى تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم فيها بنسبة نقاء تصل إلى 60%، وهى نطنز وفوردو، تقع تحت الأرض، أسفل عشرات الأمتار من الصخور والخرسانة.. وتقول ورقة بحثية كتبها داريا دولزيكوفا وماثيو سافيل، ونشرت بنشرة «العلماء الذريين» خلال أبريل الماضى: «إن السلاح التقليدى الوحيد الذى يمكنه تحقيق ذلك وبشكل معقول، هو القنبلة الخارقة للدروع الأمريكية GBU-57A/B، التى يزيد وزنها على اثنى عشر طنًا وطولها ستة أمتار، ولا يمكن حملها إلا بواسطة قاذفات أمريكية كبيرة مثل B-2 Spirit».
ورغم أنه قد يكون من الممكن لإسرائيل مهاجمة مواقع أصغر حجمًا، وتعطيل البرنامج النووى الإيرانى، من خلال استهداف منشآت إنتاج أجهزة الطرد المركزى، المستخدمة فى عملية التخصيب، أو مواقع أخرى من هذا القبيل، فإن هناك خطرًا يتمثل فى أن الهجوم على برنامجها النووى قد يدفع طهران إلى تسريع جهودها للحصول على القنبلة الذرية.. ويخلص المؤلفان إلى أن «طهران قد ترى فى تسريع برنامجها النووى، الخيار الوحيد المتبقى الذى يمكن أن يضمن أمن النظام الإيرانى».
●●●
تتمتع القوات الجوية الإسرائيلية بالقدرة على إطلاق الصواريخ من مسافة مئات الكيلومترات، ما يقلل الحاجة إلى التزود بالوقود، ويزيد عدد الطائرات التى يمكنها المشاركة فى الهجوم، فضلًا عن تقليل تعرض الطائرات للرادارات والصواريخ الإيرانية.. وبالإضافة إلى ذلك فإن قدرات القوات الجوية على التزود بالوقود لمسافات تصل إلى ألف وثمانمائة كيلومتر تُمكن الطائرات المقاتلة المختلفة من التحليق لمسافات طويلة، ما يعزز فعالية الضربة الأولى على إيران.. ومن المهم أن نلاحظ أنه بالإضافة إلى طائرات إف- 35، فإن طائرات إف- 15 وإف- 16، قادرة على التعامل مع أنظمة الدفاع الجوى المتقدمة، بما فى ذلك تدميرها.. علاوة على ذلك، توفر قدرات القوات الجوية فى مجال السيطرة الجوية وجمع المعلومات الاستخباراتية والحرب الإلكترونية بعيدة المدى، دفاعًا عالى المستوى وهجمات دقيقة والاستعداد لسيناريوهات قصوى.. تمتلك القوات الجوية طائرات دون طيار، مثل «إيتان»، التى يمكنها العمل لأكثر من ثلاثين ساعة متواصلة ومجهزة بأسلحة وأنظمة استخباراتية.. هذه الأصول، تُمكن من تنفيذ موجات متعددة من الضربات، وليس مجرد هجوم لمرة واحدة.
لكن أى هجوم إسرائيلى واسع النطاق على إيران يحمل فى طياته مخاطر لا بد من أخذها فى الحسبان.. ومن الممكن أن نفترض أن الإيرانيين لن يقفوا مكتوفى الأيدى، فى مواجهة هجوم جوى إسرائيلى واسع النطاق، ومن المرجح أن يردوا بقوة أكبر.. وبالتالى، فإن الضربة الأولى إذا كانت واسعة النطاق وغير محددة الهدف فسوف تحتاج إلى شل قدرات إيران الاستراتيجية، لمنع أى رد واسع وتلقائى على القواعد العسكرية والجبهة الداخلية الإسرائيلية.. ويلاحظ أن إسرائيل، وفقًا لتقارير أجنبية تمتلك قدرات الضربة الثانية بالصواريخ الباليستية، وخيارًا ثالثًا، من خلال الغواصات.
●●●
فى «الجارديان» البريطانية، يرى دان صباغ، محرر شئون الدفاع والأمن، أن دفاعات إيران الجوية ضعيفة نسبيًا، ومن المتوقع أن تجد صعوبة فى منع الصواريخ الإسرائيلية أو الغارات الجوية، كما تم الكشف عن ذلك فى أبريل الماضى، عندما ردت إسرائيل على هجوم الصواريخ الإيرانى السابق، فألحقت أضرارًا بجزء من أفضل نظام دفاع جوى إيرانى، وهو نظام S-300 الروسى، فى مدينة أصفهان الصناعية العسكرية، وكانت الضربة تهدف إلى إظهار قدرات إسرائيل لإيران.. فيما يرى فابيان هينز، الخبير فى شئون الشرق الأوسط فى المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية، أنه «إذا كانت مهاجمة المواقع النووية غير واردة، فإن الخيارين الكبيرين أمام إسرائيل هما مهاجمة أهداف عسكرية أو اقتصادية».. إن الرد الأكثر مباشرة سيكون محاولة إسرائيل ضرب مجموعة القواعد الصاروخية والطائرات دون طيار الإيرانية، التى تقع، وفقًا لهينز، تحت الأرض وفى بعض الحالات «فى أعماق الجبال».. وعلى الرغم من أنه قد يكون من الممكن قصف القواعد وإغلاق مداخلها، إلا أن القواعد مصممة لمقاومة جميع المتفجرات التقليدية الأكبر حجمًا، وقد لا يمنع ضربها هجمات مستقبلية من إيران على تل أبيب.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.