رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى بيتنا بطل.. أُسَر أبطال أكتوبر لـ«الدستور»: حياتهم ملهمة لكل الأجيال

أبطال أكتوبر
أبطال أكتوبر

فى قلب كل أسرة مصرية، وداخل كل بيت بمختلف ربوع الوطن، تعيش حكاية بطل من أبطال حرب أكتوبر المجيدة، من الذين حفروا أسماءهم بأحرف من نور فى سجلات التاريخ، بعد أن ضحوا بأغلى ما يملكون من أجل مصر وعزتها وكرامتها، لاستعادة الأرض ورد شرف الأمة.

فى الذكرى الحادية والخمسين لانتصار السادس من أكتوبر، تحدثت «الدستور» مع أسر عدد من أبطال هذه الحرب الخالدة، التى عاشت مع الأبطال لحظات الفخر والانتصار، وعانت من آلام الحزن والفراق.

ونرصد من خلال هذا الملف جزءًا من سيرة رجال غيّروا مجرى التاريخ بالنصر العظيم، وسطروا بالدم حكايات لا تنسى من دفتر الوطن، ظلت وستظل ملهمة للأجيال، لتعلمهم قيم الفداء والصبر وحب الوطن، وأن النصر لا يكون إلا بالعمل الجاد والتخطيط الدقيق والتضحيات الكبيرة، لتظل راية الوطن خفاقة على مر الزمان.

نجل المشير أحمد إسماعيل:لم ير نفسه بطلًا.. وكان يقول دائمًا «أنا مجرد جندى مصرى»

الحكاية الأولى يرويها السفير محمد إسماعيل، نجل المشير أحمد إسماعيل على، عن قصة حياة والده، القائد العسكرى الذى خاض حرب أكتوبر ١٩٧٣، ليس فقط كقائد بارع بل كإنسان متواضع وقريب من الجنود والشعب على حد سواء، فرغم الانتصارات العسكرية والتكريمات التى نالها، بقى دائمًا متمسكًا بتواضعه واحترامه الجميع.

ولد المشير أحمد إسماعيل فى عام ١٩١٧، وانضم إلى الكلية الحربية فى ثلاثينيات القرن الماضى، ليزامل كلًا من أنور السادات وجمال عبدالناصر، وبعد تخرجه خاض معارك عدة، من الحرب العالمية الثانية إلى حرب فلسطين عام ١٩٤٨، ثم العدوان الثلاثى عام ١٩٥٦، لكن كانت نكسة ١٩٦٧ نقطة تحول محورية فى حياته، إذ اعتبرها هزيمة لا تمثل الجيش المصرى، ورأى أنها جاءت بسبب قرارات سياسية وليس نتيجة لضعف الجيش.

وحكى السفير محمد إسماعيل لـ«الدستور» كيف أن والده كان دائمًا مهمومًا بتحسين صورة الجيش المصرى بعد نكسة ١٩٦٧، فكان يرى أن الجنود المصريين لم تُتح لهم الفرصة لخوض معركة عادلة، وأنه يجب عليهم أن يثبتوا قدراتهم الحقيقية فى معركة أخرى، وهذا التفكير كان الدافع الأساسى وراء التخطيط لحرب أكتوبر ١٩٧٣، مع إيمانه بأنه لا يمكن التوصل إلى سلام حقيقى إلا بعد استعادة الكرامة المصرية، من خلال معركة تستعيد الأرض والشرف.

وأضاف السفير «إسماعيل»: «لم يكن والدى يعتبر نفسه جنرالًا يخطط من بعيد، بل كان دائمًا قريبًا من الجنود، فكان يعرفهم بأسمائهم، ويهتم بعائلاتهم، وأتذكر حينما كان يفتتح معرض الغنائم بعد الحرب، فطلب من أحد الجنود، ويدعى عبدالعاطى، أن يفتتح المعرض بنفسه، تكريمًا لدوره فى تدمير العديد من الدبابات الإسرائيلية، وهذه اللفتة كانت تعبيرًا عن تقديره للبسطاء الذين صنعوا النصر».

وواصل: «رغم التحديات الهائلة التى واجهتها القوات المسلحة المصرية، مثل التفوق التكنولوجى لإسرائيل بدعم الولايات المتحدة الأمريكية، والعوائق الطبيعية مثل قناة السويس وخط بارليف، استطاع المشير أحمد إسماعيل قيادة القوات المسلحة بخطة دقيقة، بدأت بعبور قناة السويس وتدمير خط بارليف، ومن ثم تحرير جزء من الأرض المصرية».

وأكمل: «كان والدى يؤمن بأن تحرير سيناء لن يتم فى يوم واحد، وكان يرى أن الخطوة الأولى هى تحرير جزء من الأرض، ثم التفاوض، وإذا لم تنجح المفاوضات، نكمل الحرب، وهذه الاستراتيجية أتت ثمارها».

وأكد أن والده، وبعيدًا عن التخطيط العسكرى، كان إنسانًا متواضعًا للغاية، فرغم الانتصار فى حرب أكتوبر، لم يكن يسعى إلى مجد شخصى، وعندما طُلب منه كتابة مذكراته عن الحرب كتب ببساطة أنه كان واحدًا من ضمن زملائه الذين وفقهم الله لأداء المهمة الموكلة إليهم، فهو لم يعتبر نفسه بطلًا، بل رأى أن الانتصار كان نتيجة جهود مشتركة من جميع الجنود والضباط.

وأضاف أنه حتى بعد ترقيته إلى رتبة المشير، ورغم التكريم الشعبى الذى كان يحظى به، ظل متواضعًا للغاية، مشيرًا إلى أن «أبى دائمًا كان يقول إنه مجرد جندى مصرى آخر، وإن الله قد وضعه فى موقع القيادة ليقوم بمهمة معينة، وإنه بفضل الله وبفضل زملائه قد تمكن من تحقيق النصر، وهذه الكلمات كانت تعكس تواضعه وإيمانه العميق بأن النصر كان بفضل الله والشعب والجيش، وليس مجهود فرد واحد».

واختتم السفير محمد إسماعيل حديثه بتأكيد أن والده كان رمزًا للتواضع والشجاعة، وأن الشعب المصرى كان يدرك هذا الأمر، فشعب مصر، رغم كل الظروف الصعبة، يعرف من يحب البلد حقًا، ورأى فى والده إنسانًا قبل أن يكون قائدًا، وهذا ما جعله محبوبًا ومحترمًا لدى الجميع.

يذكر أن المشير أحمد إسماعيل على كان له دور كبير خلّده التاريخ، بعد أن تم تعيينه قائدًا عامًا للقوات المسلحة ووزيرًا للحربية فى أكتوبر ١٩٧٢، لينجح فى إعادة تنظيم القوات المسلحة، وتحديث خطط العمليات العسكرية، وتنسيق الجهود مع الجبهة السورية لضمان تنفيذ هجمات متزامنة على الجبهتين المصرية والسورية، ما أربك القوات الإسرائيلية وأجبرها على القتال على جبهتين فى وقت واحد، فضلًا عن قيادة العمليات العسكرية بمهارة، ما ساعد فى تحقيق تقدم سريع على الأرض، واستعادة السيطرة على أجزاء من سيناء.

وتوفى المشير أحمد إسماعيل فى ٢٥ ديسمبر عام ١٩٧٤، بعد أشهر قليلة من انتصاره فى حرب أكتوبر، إثر إصابته بسرطان فى الرئة، عن عمر يناهز ٥٧ عامًا، فى أحد مستشفيات لندن، وبعد أيام من اختيار مجلة الجيش الأمريكى له كواحد من ضمن ٥٠ شخصية عسكرية عالمية أضافت للحرب تكتيكًا جديدًا، تاركًا وراءه إرثًا عظيمًا من القيادة العسكرية الحكيمة، والتواضع الذى لا يُنسى.

زوجة اللواء أحمد حمدى: علمت بخبر استشهاده فى أول أيام عيد الفطر

الحكاية الثانية مع السيدة تفيدة الأيوبى، زوجة الشهيد اللواء أحمد حمدى، التى روت محطات من رحلة حياة البطل الراحل، وذكرياتها المليئة بالعواطف والتضحيات معه، مؤكدة أن هذه الرحلة اتسمت بمشاعر الفخر والحب فى كل تفاصيلها.

وتذكرت السيدة «تفيدة» بداية حياتهما الزوجية معًا، حين سافر زوجها إلى روسيا لدراسة أركان الحرب لمدة ٤ سنوات، مشيرة إلى أنه خلال هذه الفترة كانت لقاءاتهما نادرة، وهو ما جعل كل لحظة يقضيانها معًا ثمينة للغاية.

وتحدثت زوجة الشهيد أحمد حمدى عن الذكريات الجميلة التى قضتها معه، أثناء وجودهما فى معسكر الجلاء بالإسماعيلية، مؤكدة أن هذه السنوات كانت من أجمل أيام حياتها، إذ كان البطل دائمًا يظهر لها حبه واهتمامه، ويشجعها فى كل ما تقوم به، ما جعلها تشعر بقيمة دورها، كزوجة وأم.

وعادت السيدة «تفيدة» بذكرياتها إلى اللحظات التى تأثرت فيها نفسيًا، عندما اندلعت حرب ١٩٦٧، متذكرة أن زوجها اتصل بها وقتها ليطلب منها أن تغادر المعسكر مع الأطفال، وهو ما جعلها تشعر بالكثير من القلق والحب فى نفس الوقت، قائلة إن هذه اللحظة كانت بداية جديدة تحمل معها مشاعر الخوف والقلق على مستقبل أسرتها.

وتطرقت فى حديثها إلى مدى صعوبة تحمل الغياب المتكرر لزوجها البطل، بسبب التزاماته العسكرية، مؤكدة أنها كانت فى الوقت نفسه تدعمه فى كل لحظة، معترفة بأنها كانت تتمنى أن يكون بجانبها أكثر، وأنه على الرغم من صعوبة الحياة خلال تلك الفترات فإن حبهما كان يجعل كل شىء ممكنًا.

وتحدثت عن ذكرياتها خلال حرب أكتوبر، إذ كان زوجها يُظهر حماسًا غير عادى، وفى آخر مكالمة بينهما طلب منها الاعتناء بنفسها وبالأطفال، وهو الأمر الذى جعل قلبها يشعر بشىء غير مألوف، إذ كان يبدو وكأنه يدرك أن شيئًا مهمًا سيحدث، ما زاد من قلقها.

وبأعين دامعة رغم مرور سنوات طويلة، وصفت زوجة البطل حالها بعد علمها باستشهاد زوجها، قائلة إنها تلقت الخبر بعد ١٠ أيام من حدوثه، وفى أول أيام عيد الفطر ما زاد من ألم الفراق، وألقى عليها بعبء كبير يتضمن تربية ٣ أطفال صغار، كان زوجها يزرع فيهم حب الوطن، ودائمًا ما يروى لهم قصص بطولاته.

وأكدت السيدة تفيدة الأيوبى أن استشهاد زوجها لم يكن فقط فقدانًا لشخص عزيز، بل كان فقدانًا للأمان والحنان، مشيرة إلى أنها سعت جاهدة لتعليم أبنائها قيم الوطنية والتضحية، بعد أن ترك لهم أبوهم ما يشعرهم بالفخر العميق، وإرثًا لا ينضب من الحب والشجاعة.

وعن تكريم البطل الشهيد أحمد حمدى من قِبل الدولة بعد استشهاده عدة مرات، قالت: «كان أول هذه التكريمات تخريج دفعة من طلبة الكلية الحربية باسمه، ومنحه سيف الشرف، واختيار الرئيس أنور السادات له من بين الأبطال الذين خُلدت ذكراهم للأجيال المقبلة، مع إطلاق اسمه على نفق شهير، يُعرف بنفق الشهيد أحمد حمدى، وبالإضافة إلى ذلك، قرار الرئيس السيسى تسمية الفرع الثانى للنفق باسمه أيضًا، وكذا إعلان نقابة المهندسين أن يكون يوم المهندس هو يوم استشهاد البطل، إلى جانب حصوله على نجمة سيناء من الطبقة الأولى».

وشددت زوجة الشهيد البطل على أنها تعتبر أن التكريم الحقيقى للبطل هو أن تبقى ذكراه خالدة، ومصدر إلهام للأجيال القادمة، لتعزز فيهم قيم التضحية والفخر.

يُذكر أن الشهيد أحمد حمدى هو شخصية محورية فى نصر أكتوبر ١٩٧٣، إذ إنه قاد لواء المهندسين فى الجيش الثانى الميدانى، وشارك فى تصميم وتنفيذ المعابر الرئيسية التى عبرت منها القوات المصرية إلى الضفة الشرقية من قناة السويس، وتحت إشرافه، تم تصنيع وحدات لواء الكبارى وتطوير الكبارى الروسية لتناسب ظروف القناة، ما قلل من زمن تركيبها من ٧٤ ساعة إلى ٦ ساعات فقط، كما أنه صمم أحد الكبارى العلوية، التى تعتمد على أسس حديدية لاستخدامه عند الحاجة.

ابنة الشهيد إبراهيم الرفاعى:كان يؤمن بأن الحرب مدرسة لتعليم الأجيال الجديدة

الحكاية الثالثة والأخيرة لدى السيدة ليلى الرفاعى، ابنة البطل الشهيد إبراهيم الرفاعى، أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، التى تحدثت عن ذكرياتها المبكرة مع أبيها بنبرة دافئة وحنين عميق، متذكرة أيام طفولتها فى منزل غمرته روح الالتزام والانضباط العسكرى.

وقالت السيدة ليلى إنها نشأت فى بيئة عسكرية صارمة، إذ كان والدها الشهيد إبراهيم الرفاعى أحد أعظم أبطال الجيش المصرى، وهذه البيئة زرعت فيها، منذ صغرها، معانى الانضباط والشجاعة والتفانى، منذ نعومة أظافرها، رغم أن والدها كان يحيطها وأشقاءها بعناية فائقة و«تدريب مستمر»، لأنه لم يكن بطلًا فى ساحات المعارك فقط بل كان بطلًا أيضًا فى حياتهم اليومية، فتعلموا منه دروسًا فى الرماية والسباحة، وحتى فى كرة القدم والملاكمة. 

وتذكرت كيف كان والدها يقضى وقتًا طويلًا مع أسرته وأبنائه، رغم مسئولياته العسكرية، إذ كان لا يدخر جهدًا فى تدريبهم، ليس فقط على المهارات الجسدية بل أيضًا على القيم والمبادئ، كما أنه رغم الجدية التى كانت تميز شخصيته فى ساحات القتال فإنه كان متواضعًا ومحبًا، ودائمًا ما يظهر ذلك فى جوانب من شخصيته، المرحة والحنونة.

وأكدت أن الحكاية الصعبة فى حياة الشهيد البطل كانت فى مرحلة ما بعد نكسة ١٩٦٧، ففى تلك الفترة التى عرفت بآلامها وصعوباتها، كانت تبلغ من العمر ٧ سنوات فقط، وإن كانت تتذكر بوضوح كيف أن والدها تأثر بشدة من الهزيمة.

وقالت عن هذه الفترة: «كان أبى يعانى نفسيًا بشدة بسبب النكسة، لدرجة أنها أثرت على صحته البدنية، وأدت إلى إصابته بقرحة فى المعدة بسبب الضغوط، ولكن، رغم ذلك، لم يستسلم لليأس، وبعد شفائه، عاد ليؤسس المجموعة ٣٩ قتال، تلك الوحدة التى أصبحت واحدة من أبرز المجموعات القتالية التى شاركت فى حرب الاستنزاف ضد العدو».

وروت كيف كان والدها يصطحبها مع أخيها إلى التدريبات العسكرية، ويرشدهما إلى التعامل مع الأسلحة والرماية، فرغم أنها كانت لا تزال طفلة، فإن تلك التجارب صنعت منها شخصًا قويًا ومتفهمًا معانى النضال والكفاح من أجل الوطن، خاصة أن والدها كان يؤمن بأن الحرب ليست فقط فى ساحة للمقاتلين، بل هى أيضًا مدرسة لتعليم الأجيال الجديدة كيف يدافعون عن أوطانهم.

وأضافت: «عندما جاءت حرب أكتوبر ١٩٧٣ لم أشعر بفرق كبير عن الحروب السابقة، لأن والدى كان دائمًا فى قلب المعارك، لكنى أتذكر أن هذه الحرب كانت أكثر شراسة، إذ كان أبى يقوم بمهام صعبة وخطيرة، لكنه لم يفقد ابتسامته وروحه المرحة». 

وأشارت إلى أن البطل إبراهيم الرفاعى كان يعود إلى المنزل بعد كل مهمة عسكرية ليقضى وقتًا قصيرًا مع عائلته، وكأن الحرب لم تسرق منه لحظات الفرح معهم، وكان يظهر دائمًا القدرة على الفصل بين القتال والحياة العائلية.

وعن اللحظة المؤلمة واستشهاد والدها فى آخر أيام حرب أكتوبر، قالت إن العائلة بأكملها عاشت هذه اللحظات بصدمة وحزن كبيرين، متذكرة كيف حاولت والدتها إخفاء الخبر عنها وعن أخيها فى البداية، لكن اضطرت بعد ذلك لمواجهتهما بالحقيقة.

وأكدت أن الحزن على الشهيد البطل كان كبيرًا للغاية، رغم فخر الأسرة ومصر كلها الدائم بتضحياته، لأن مشاعر الفقد لا يمكن أن تزول بسهولة. وأشارت إلى أن الأجيال الجديدة عليها أن تكون على دراية كاملة بحجم التضحيات التى قدمها الآباء والأجداد من أجل أن يعيشوا فى أمان اليوم، قائلة إنه من واجب الجميع، سواء العائلات أو المدارس، أن يغرس فى الأطفال والشباب روح الوطنية والانتماء للوطن، مثلما فعل والدها معها، حتى تستمر روح البطولة ويحافظ الشباب على مكتسبات أوطانهم، وتبقى قصص الشجاعة والتضحية حية فى ذاكرتهم.