فى رحاب أكتوبر 73
نعيش هذه الأيام بين يدى الذكرى الـ51 لحرب أكتوبر المجيدة، الحرب التى هزمت المستحيل الذى روجه عدو لا يكون قويًا إلا بالشائعات والفتن والاستناد على الآخرين، الذين يمدونه دومًا بأسباب التفوق من أموال وآلات عسكرية، لا يفعلون ذلك لأنه يستحق الدعم والمؤازرة، إنما لأنه شوكتهم المزروعة فى منطقة لهم فيها مصالح شتى، نعم كان عدونا كذلك، وظل كذلك وسيظل كما هو سرمديًا، فليست له قوة من نفسه، هو يعلم، لكنه يصر على الخصومة الفاجرة مع الجيران والجميع، بل يتلاعب حتى بأولئك الذين منحوه مساعداتهم والوجود!
لقد انتصرنا فى حرب التحرير انتصارًا أعاد إلينا الأمل فى شروق الشمس الغاربة من جديد، شروقها على بلادنا محررة من دنس المحتل، وامتد الأثر الإيجابى إلى البلدان العربية بأسرها؛ فكلها ما بين مأخوذة أو مستهدفة، وكلها قلقة ما دام عدونا الواحد يركض فى الصحارى بلا رادع، ويمارس التقتيل والتدمير بدون توقف.
توفرت أسباب ضرورية طبعًا لذلك الانتصار الخالد، من بينها:
- الاستعداد التام ماديًا ومعنويًا.
- العزيمة الأكيدة على الخلاص.
- الاتحاد العظيم وطنيًا وقوميًا.
- السرية التامة والمباغتة الحاسمة.
كنا، كمصريين وعرب، نريد الخروج من الكابوس الأزلى الجاثم على صدورنا، كان كابوسًا بكل معنى الكلمة، وكان إحساسنا به أزليًا بكل معنى الكلمة، ولما أردنا الخروج خرجنا ظافرين سالمين، حطمنا خط بارليف الحصين، ورفعنا علمنا المصرى على الضفة الشرقية لقناة السويس «رفعه الجندى المصرى البطل محمد محمد عبدالسلام العباسى، المنتمى إلى محافظة الشرقية، والذى لقى ربه بعد ذلك بكثير، فى أول يوليو 2019».
بقيت أراض عربية تحت سطوة الإسرائيليين، كفلسطين والجولان، وبقيت فلسطين
بالذات تغلى بالأحداث المعقدة القاسية التى لا تنتهى إلا وتبدأ من جديد، وصولًا إلى أحداث غزة الحالية.. أما بقية أرضنا التى لم تحررها الحرب فقد حررها التفاوض الواثق المعتمد على الانتصار بعد ذلك، والمهم أن الروح الأكتوبرية سرت فى الخريطة العربية؛ فألهمت البلدان وجعلتها تشعر بحريتها واستقلالها، أى بقدرتها على الحرية والاستقلال إذا فكر غاصب لعين فى قهرها.
مصر كانت منيعة وما زالت منيعة، وكانت قائدة ورائدة وما زالت قائدة ورائدة، كل الذين حاولوا كسرها انكسروا، وكل الذين راموا نوال مكانتها خاب سعيهم، ولو جرؤ على اختراقها كيان فإن مقبرته تنتظره بداخلها، جيشها الأمين حارسها، وشعبها العملاق ظهير جيشها، وحضارتها الباذخة تلعن الظالمين والطامعين، وسمعتها العالمية أكبر من أن تسمح لذى مخلب منفلت أن ينشب فيها مخلبه.
صار العدو المكابر، بعد الحرب، يعاملنا معاملة الند، لا الصيد اليسير، ويعمل لخطوتنا ألف حساب، ويترقب موقفنا ورأينا وكلمتنا فى جميع الأمور الجارية.
أخيرًا بالرغم من كل الاجتهادات الفنية التى عبرت عن أكتوبر 73، والشكر للمجتهدين كلهم على مر السنين، إلا أن المعركة كانت دومًا أبلغ من أن يعبر عنها معبر وأن يكشف أسرارها كاشف!