رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"بلا عائل" في المحاكم.. قصص آباء دمروا أسرهم بـ"قنبلة النفقة"

صورة مولدة بالذكاء
صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي

في زمن تتغنى فيه القيم الأسرية والحب، تطفو على السطح حكايات مأساوية تثير الصدمة والأسى، حكايات لأطفال حُرموا من أبسط حقوقهم، العيش الكريم والحياة المستقرة، بفعل آباء اختاروا التهرب من مسؤولياتهم الأبوية.

يتفنن بعض الآباء في استخدام أساليب ملتوية ومخادعة للتهرب من دفع النفقة المقررة قانونًا لأبنائهم. يختفون، يزورون بياناتهم المالية، يتلاعبون بالأوراق الرسمية، وكل ذلك بهدف واحد هو التهرب من مسؤولية إعالة أولادهم الذين أنجبهم، ما يمثل جريمة بحق الأطفال، تترك آثارًا نفسية واجتماعية عميقة على هؤلاء الصغار، فيكونون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، والتأخر الدراسي، والانحراف السلوكي.

في السطور التالية، نروي عدد من القصص التي تمتلئ بها المحاكم، ويخالف فيها الآباء نص قانون الأحوال الشخصية، والذي بموجبه يستحق الأبناء النفقات وفقًا لنص المادة 18 مكرر ثانيًا من القانون 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985.

صورة بالذكاء الاصطناعي

"سارة".. أخفى زوجها أبنائها في الصعيد تهربًا من النفقة

القصة الأولى هي "سارة"، اسم مستعار، أم تعاني من تهرب زوجها من دفع نفقة أبنائها، حيث يمتلك زوجها شركة في أمريكا ويقيم حاليًا في سويسرا، وقد تهرب من دفع نفقة قدرها 1500 جنيه لثلاثة أطفال منذ عام 2010، ما أدى إلى تراكم مبلغ يتجاوز 200 ألف جنيه، ورغم قدرته المالية، يرفض الزوج دفع النفقة حتى الآن.

في عام 2012، بعد أن قضى الأطفال فترة مع والدتهم، قام الزوج بخطفهم وأرسلهم للعيش مع والدته في الصعيد، ما حرمهم من رعاية الأم والتعليم الجيد، وذلك بعد أن انتقلت من الإسكندرية وتزوجت في الفيوم، وعلى الرغم من ذلك مستمرة في إجراءات التقاضي بين ثلاث محافظات لاستعادة أطفالها.

صورة بالذكاء الاصطناعي

"ناهد".. هددها زوجها بصور فاضحة للتنازل عن النفقة

ننتقل بعد ذلك إلى "ناهد"، اسم مستعار، أم أيضًا تنضم إلى أروقة المحاكم للحصول على نفقة أبنائها من والدهم، فزوجها، الذي يعمل مهندس بترول في الكويت وكان يعمل سابقًا في السعودية بدخل شهري قدره 10 آلاف دولار، يتهرب من دفع نفقة متجمدة قدرها 50 ألف جنيه.

ورغم قدرته المالية، يرفض الزوج دفع النفقة المستحقة، ولأنه يعيش في الخارج، لا تستطيع تنفيذ الحكم عليه، ولإجبارها على التنازل عن القضايا التي تحاول من خلالها الحصول على حقوق أبنائها، اكتشفت أنه قام بتصويرها أثناء زواجهما ونشر الصور على موقع إباحي، لكنها لم تستلم ورفعت عليه قضية بسبب هذا الفعل الشنيع، ولكنه يستخدم هذه "الصور" كوسيلة للضغط عليها للتنازل عن مطالبها بالنفقة المتجمدة، وتأمل في تحصل على حقوق أطفالها.

صورة بالذكاء الاصطناعي

"هدى".. الزوج خطف الرضيع ويطالب بتعويض مالي 

القصة الأخيرة لدينا هي "هدى"، اسم مستعار، وهي ضمن آلاف القصص التي ترويها الأمهات التي تعاني من هرروب أزواجها من التكفل بمصاريف أبنائهما، حيث اتفق معها زوجها السابق على نفقة قليلة بعد ولادة طفلهما الرضيع قبل موعده الطبيعي، حيث كان الطفل بحاجة إلى رعاية خاصة بسبب ولادته المبكرة ومعاناته من مشاكل صحية.

وبعد اتفاقهما على الطلاق بالتراضي وكتابة عقد اتفاق يتضمن رؤية واستضافة الطفل، إلا أنه بعد شهر من الاتفاق، قام الزوج بخطف الطفل ورفع قضية على الزوجة بشرط جزائي، مطالبًا بتعويض مالي كبير، والطفل الآن عمره سنتان وما زال مخطوفًا، والزوج لا زال يطالبها بالتعويض رغم أنه لم يدفع النفقة المستحقة عليه.

وتواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ الأحكام بسبب عدم وجود آليات فعالة لتنفيذها على أرض الواقع، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يعملون في الأعمال الحرة، فهي إحدى الأساليب غير الأخلاقية لإجبار الأمهات على التنازل عن حقوقهن.

صورة بالذكاء الاصطناعي

محامي بالنقض: التهرب من نفقة الأبناء عقوبتها الحبس

ومن الناحية القانونية، تواصلنا مع طارق عبدالغني، المحامي بالنقض والدستورية العليا، الذي أكد أن قضايا التهرب من نفقة الأبناء تعد من القضايا الشائعة التي يتعامل معها بشكل يومي، موضحًا أن العقوبة في هذه الحالات تكون الحبس لمدة شهر، ويتم الإفراج عن الزوج فور سداد النفقة المستحقة.

وأشار "عبدالغني"، في حديثه مع "الدستور"، إلى أن معظم القضايا التي يتعامل معها تكون عادية، حيث يتم الحكم بحبس الزوج إذا لم يدفع النفقة، ولا توجد غرامات إضافية، مضيفًا: "إذا سدد الزوج النفقة، يتم الإفراج عنه فورًا"، مؤكدًا أن هناك العديد من الحالات التي تتعلق بتهرب الأزواج من دفع نفقة الأطفال، وأن هذه القضايا تتكرر بشكل كبير في المحاكم.

النفقة الماضية للابناء 2023 - المحامي رامي الحامد
أرشيفية

تنص المادة "293" على أن كل من صدر عليه حكم قضائي واجب النفاذ بدفع نفقة لزوجه أو أقاربه أو أصهاره أو أجرة حضانة أو رضاعة أو مسكن وامتنع عن الدفع مع قدرته عليه مدة ثلاثة شهور، بعد التنبيه عليه بالدفع يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولا تُرفع الدعوى عليه إلا بناءً على شكوى أو طلب من صاحب الشأن.

"أمهات مع إيقاف التنفيذ":

تواصل “الدستور” مع أميرة طنطاوي، باحثة في شؤن المرأة والطفل، قالت إن العديد من الأمهات المصريات يعانين من مشكلة كبيرة تتمثل في تهرب الآباء من دفع النفقة المقررة قانونًا لأبنائهن، موضحة أن هذا الأمر يؤثر بشكل كبير على حياة الأمهات والأطفال ويحرمهم من حقوقهم الأساسية.

أضافت طنطاوي، أن القانون المصري ينص على عقوبات رادعة بحق المتهربين من دفع النفقة، إلا أن تنفيذ هذه الأحكام يواجه العديد من العقبات، فمثلًا؛ يواجه تنفيذ الأحكام ضد أصحاب الأعمال الحرة صعوبات كبيرة، حيث يلجأ بعضهم إلى التهرب من دفع النفقة بطرق مختلفة.

أوضحت أن إجراءات تنفيذ الأحكام قد تستغرق وقتًا طويلًا، ما يزيد من معاناة الأمهات والأطفال، إضافة إلى أن بعض الآباء يقضون فترة الحبس القصيرة ثم يخرجون دون سداد المبالغ المستحقة، ما يدفع الأمهات إلى المزيد من اليأس.

أميرة طنطاوي

أشارت إلى أنه رغم وجود دور لبنك ناصر الاجتماعي في تقديم مساعدات مالية للأمهات، إلا أن هذه المساعدات لا تغطي الاحتياجات الأساسية للأطفال، خاصة مع ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية، مطالبة بتعديل التشريعات القائمة وتسهيل إجراءات تنفيذ الأحكام، لضمان حصول الأطفال على حقوقهم كاملة، وحماية الأمهات من المعاناة التي يتعرضن لها، مؤكدة أن حملتها "أمهات مع إيقاف التنفيذ" تسعى إلى تسليط الضوء على هذه القضية الهامة ومناصرة حقوق الأمهات والأطفال.

قضايا المرأة: الحق في التقاضي نسبته أعلى في الحضر

طبقًا للموقع الرسمي لمؤسسة قضايا المرأة، المعنية بالحقوق القانونية للمرأة المصرية، فإن الإحصائيات تشير إلى أن قدرة المرأة فى المدن والحضر أكبر من المرأة فى الأماكن الريفية على استعمال حقها في التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية واللجوء الى المحاكم، وذلك بسبب العادات والتقاليد التي تجعل من صور التحكيم الودى أو تدخلات رجال الدين هي البديل للفصل في المنازعات الأسرية، وذلك بسبب سهولة الوصول إلى تلك الطرق الودية وسرعة الفصل فيها، لكنها للأسف لا تحقق الإنصاف في كثير من الأحيان لأنها لا تستند الى القوانين وإنما تستند الى الأعراف والعادات التي لا تحقق الإنصاف للنساء.