رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ننشر كلمة ممثل علماء الصومال بالملتقي العالمي الـ19 للتصوف بالمغرب

فعاليات الملتقي العالمي
فعاليات الملتقي العالمي للتصوف

شارك الدكتور محمد عمر باعلوي، ممثل علماء الصومال بالملتقي العالمي للتصوف في دورته الـ19 والذي تنظمه الطريقة القادرية البودشيشية، تحت رعاية ملك المغرب.

وكان عنوان كلمته "التصوف والقيم الأخلاقية"، حيث قال: أيها الحضور الكريم، نلتقي اليوم لنتحدث عن موضوع غاية في الأهمية والعمق، وهو التصوف والقيم الأخلاقية، حيث أن  التصوف، ذلك المصطلح الذي يثير في الأذهان معاني الروحانية والسمو النفسي، والذي يعتبر مدرسة فكرية وروحية في الإسلام تسعى إلى تزكية النفس وتحقيق القرب من الله تعالى وفي البداية، لا بد من الإشارة إلى أن التصوف ليس بعيدًا عن جوهر الإسلام وتعاليمه، بل هو جزء لا يتجزأ من الدين يركز على البعد الروحي والأخلاقي للمسلم. فالتصوف يعمق فهمنا للإسلام من خلال التأمل والتفكر والعبادة الخاشعة التي تعزز الصلة بالله.


وتابع " باعلوي" إن أهم القيم الأخلاقية في التصوف  التقوى: هي الأساس الذي يبنى عليه التصوف، ولا يقبل الله إلا من المتقين، قال تعالى: {قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧)}.


قال الإمام الغزالي رحمه الله: اعلم: أن خيرات الدنيا والآخرة قد جمعت تحت خصلة واحدة وهي التقوى، وتأمل ما في القرآن مِن ذِكرِها كم علق بها من خير وكم وعد عليها من ثواب وكم أضاف إليها من سعادة. ثم اعلم أن الذي يختص به هذا الشأن من أمر العبادة ثلاثة أصول:  
الأول: التوفيق والتأييد أولا حتى تعمل وهو للمتقين، كما قال اللّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا}.
والثاني: إصلاح العمل وإتمام التقصير حتى يتم وهو للمتقين، كما قال اللّه تعالى: {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ} [الأحزاب: ٧١].  
والثالث: قبول العمل إذا تم وهو للمتقين، كما قال اللّه تعالى: {إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}   [المائدة: ٢٧]. ومدار العبادة على هذه الأصول الثلاثة التوفيق والإصلاح والقبول.
فهي الخوف من الله تعالى والعمل بما يرضيه والاجتناب عما يغضبه. يقول الإمام الغزالي: "إن التقوى هي حصن المسلم من كل سوء".
الصبر: هو التحلي بالصبر على المصائب والابتلاءات والعمل الصالح. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: ‌كُنْتُ ‌سَمْعَهُ ‌الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ).
الشكر: هو«الاعتراف ‌بنعمة ‌المنعِم على وجه الخضوع. » 
قال تعالى: ﵟ‌وَقَلِيلٞ ‌مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ 13 ﵞ [سبأ: 13-14] 
التواضع: هو الاعتراف بنقص الإنسان وعدم التكبر على الآخرين. يقول النبي صلى الله عليه وسلم
«‌من ‌تواضع ‌للَّه رفعه اللَّه يوم القيامة،».
الرحمة: هي التعاطف مع الآخرين ومساعدتهم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: 
«‌الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ».

وأشار: من هنا، نجد أن القيم الأخلاقية تشكل جوهر التصوف ورسالته. فالصوفي يسعى دائمًا إلى تحقيق الأخلاق الفاضلة كالصدق، الإخلاص، الحب، التواضع، الصبر، والرضا. ويعتبر أن تحقيق هذه الأخلاق يمثل الطريق الأمثل للتقرب من الله تعالى، لأن الله جميل يحب الجمال، والجمال ليس فقط في الشكل الخارجي، بل في الأخلاق والسلوك.
وأضاف: إن تطبيق القيم الأخلاقية في حياة المسلم ليس مجرد تزيين للسلوك الخارجي، بل هو عملية تزكية داخلية تعيد تشكيل النفس وترقيتها. 


فالصوفي يرى في كل تصرف فرصة للتقرب من الله، وفي كل لحظة فرصة للتأمل والتفكر في خلق الله وعظمته، ومن أبرز ما يميز التصوف هو التأكيد على محبة الله ومحبة الخلق، فالمحبة هي الأساس الذي يقوم عليه التصوف، وهي التي تدفع الصوفي لتحقيق أعلى درجات الأخلاق، فعندما يحب الإنسان الله حبًا صادقًا، يسعى جاهدًا للتقرب منه من خلال التزامه بالقيم الأخلاقية والسلوكيات الحميدة.


واختتم كلمته قائلا:  التصوف والقيم الأخلاقية متلازمان لا يفترقان، فالطريق إلى الله مزين بالأخلاق والفضائل. ولعل في تحقيق هذه الأخلاق والعيش وفقها، نجد السلام الداخلي والسعادة الحقيقية التي يسعى إليها كل إنسان، وأشكركم على حسن استماعكم، وأسأل الله أن يجعلنا من المتصفين بالقيم الأخلاقية العالية، وأن يجعلنا من القريبين إليه.