نقطة تحول جديدة فى العلاقات بين مصر وتركيا
من المؤكد أن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى التاريخية، الأربعاء الماضى، تركيا تعتبر نقطة تحول فى تاريخ العلاقات بين مصر وتركيا، والذى يكاد يصل لمائة عام، وهى بالفعل قد فتحت آفاقًا جديدة للعلاقات الثنائية بينهما، كما ستفتح الباب لشراكة قوية فى ملفات مهمة ثنائية ولقضايا إقليمية وعالمية تهم كلا البلدين، وسيكون لها تأثيرها فى القضايا المحورية فى العالم فى المرحلة المقبلة.
فى تقديرى أن الاستقبال الرسمى الحافل والحفاوة البالغة التى قوبل بها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وحرص الرئيس أردوغان على إنجاح هذه الزيارة وما ترتب عليها من اتفاقيات وتفاهمات وتعاون، يؤكد أننا سنشهد تحولات فى منطقتنا قريبًا. وأتوقف بشكل خاص عند حرص الرئيس أردوغان على احترام زيارة الرئيس السيسى لدوره المحورى فى عمليات السلام والعدل فى العالم، ودور الوساطة الذى يقوم به مع قطر وأمريكا فيما يتعلق بحرب غزة وتوصيل المساعدات الإنسانية، خاصة أن الرئيس التركى قد أمر بتعليمات مشددة لجبهة إسطنبول الإخوانية بعدم التعرض بالنقد أو إبداء أى ملاحظات معارضة لزيارة الرئيس السيسى تركيا.
كما توعد المخالفين بتطبيق عقوبات شديدة عليهم، وكذلك تعليماته بعدم نقد الزيارة على مواقع التواصل الاجتماعى أو المنصات، ما يعكس فى تقديرى، بما لا يدع مجالًا للشك، إدراك الرئيس التركى أهمية دور مصر، والدور المحورى الذى يقوم به الرئيس السيسى فى كل الملفات والقضايا الساخنة فى العالم. كما أعرب عن سعادته بزيارة الرئيس السيسى الرسمية لتركيا، وذلك فى كلمته فى المؤتمر الصحفى الذى تم عقده للرئيسين عقب توقيع الاتفاقيات المشتركة بين البلدين.
وتعتبر هذه الزيارة خطوة جديدة تستكمل البناء على ما تم الاتفاق عليه فى أول زيارة رسمية للرئيس التركى لمصر فى فبراير الماضى، بعد قطيعة لأكثر من ١١ عامًا بين البلدين.. كما تعتبر هذه الزيارة تاريخية؛ حيث إنها أول زيارة يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسى لتركيا منذ توليه الرئاسة فى مصر، بدعوة من الرئيس التركى، وهى تأتى فى إطار توقيت مهم للغاية مع تصاعد الحرب فى غزة، ولحجم كلا البلدين فى مجريات الأحداث العالمية، وفتح الباب للتشاور والتعاون فى عدة ملفات، ما يعزز من قوة موقفهما فى الأحداث العالمية. وتأتى الزيارة أيضًا مع قرب مرور مائة عام على بدء العلاقات بين الدولتين، ما يجعلها فى تقديرى خطوة كبيرة فى تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين، والاحتفال بمئوية العلاقات فى العام المقبل بشكل يعزز من العلاقات بشكل أكبر بما يمكن أن يكون نواة لتحالف قوى يكون له تأثير كبير فى مجريات الأمور الدولية.
وفى تقديرى أن ملف الحرب فى قطاع غزة كان من أهم الأسباب التى تطرق إليها الحوار بين الرئيسين، حيث إن لهما موقفًا مشتركًا، وقد اتفق الرئيسان على إعلانه بشكل واضح عقب توقيع الاتفاقيات، وأكد عليه كلا الرئيسين فى كلمتيهما، حيث شددا على ضرورة وقف الحرب فى قطاع غزة فورًا ووقف الإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل للفلسطينيين فى قطاع غزة، وإعلان دولة فلسطين وعاصمتها القدس، وعودة إسرائيل إلى حدود ٤ يونيو ١٩٦٧، ووضع العالم أمام مسئوليته فى إيقاف الحرب، وما يهدف إليه أو يستهدفه الرئيسان من حيث وقف إطلاق النار الفورى فى قطاع غزة، وتوصيل المساعدات الإنسانية والمعيشية للفلسطينيين.
ومن أهم ما نتج عن هذه الزيارة، ويعتبر إيذانًا بمرحلة جديدة فى تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين، عقد اجتماع مغلق أولًا بين الرئيسين، ثم بعده عقد اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجى رفيع المستوى بين البلدين، وتوقيع ٢٠ اتفاقية مشتركة تتضمن ملفات مهمة وحيوية، ومنها الدفاع والطاقة، خاصة الغاز الطبيعى والطاقة النووية، والاقتصاد والاستثمار والسياحة والبيئة والتعليم والصحة والثقافة، ورفع مستوى التجارة بين البلدين من ١٠ مليارات دولار فى السنة إلى ١٥ مليار دولار.
لا شك أن هذه الزيارة بنتائجها التى ذكرتها الآن تعتبر نقطة تحول فى تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين، وستكون لها تأثيراتها الواضحة فى مجريات الأحداث فى المنطقة وفى الضغط على إسرائيل لوقف الإبادة الجماعية للفلسطينيين- حيث بلغ عدد الوفيات من الشعب الفلسطينى حتى الآن ما يقرب من ٤١ ألفًا- وفى توصيل المساعدات للفلسطينيين الذين يعانون سياسة التجويع والعطش ووحشية إسرائيلية تجاوزت كل ما نعرفه من جرائم فى تاريخ البشرية، ونأمل أن تكون هذه الزيارة إيذانًا بمرحلة ازدهار وسلام وتعاون بين كلا البلدين.