رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنهم يشعلون النيران

اقتربت السنة «الكبيسة» للعدوان على غزة من التمام، حيث اندلعت شرارة العدوان الإسرائيلى الغاشم، ردًا على أحداث السابع من أكتوبر. ورغم فاتورة الحرب القاسية التى يسددها الأبرياء من أشقائنا الفلسطينيين ما زلنا نرى قوى إقليمية تسعى لإطالة أمد الحرب وتعميق الأزمة وزيادة تعقيدها، وأمثال هؤلاء لا يشغلهم عجوز مشرد ولا امرأة ثكلى ولا طفل جائع. بالطبع يوجد لدى قوى الشر تلك من الأسباب ما يجعلهم مستمرين فى مؤامراتهم لإجهاض كل المساعى الخيرة التى تطلع بها مصر بإخلاص شديد وتساندها مساع لقوى دولية وإقليمية محدودة العدد.
فى حين يصر أهل الشر من قوى إقليمية أخرى على استمرار مساعيهم الخبيثة لإشعال النيران وتفخيخ المنطقة سعيًا لتحقيق مكاسب استراتيجية بالنسبة لهم، غير عابئين بتداعيات تلك الحرب المجنونة التى أُزهقت خلالها- حسب أحدث الإحصاءات- أرواح نحو 41 ألف برىء فلسطينى، وأصيب نحو 94 ألفًا آخرون، فى حين تشردت على إثرها عشرات الآلاف من الأسر. 
كشفت لنا هذه الحرب عن بعض القوى التى تسعى لإحداث ضجة من باب البروباجاندا الإعلامية وحفظ ماء الوجه واستدعاء صيحات المريدين والأتباع. وفى واقع الأمر هم يثيرون الشفقة إذ غالبًا ما تنتهى صيحاتهم تلك برد فعل معاد قوى يضرب مصداقيتهم ويستدعى التعاطف بدلًا من إثارة الإعجاب، حيث تأتى ضربة العدو موجعة فتضرب كرامة بعضهم وتنتهك سيادته وتتعدى على أراضيه، ثم يأتى الرد الكلامى سريعًا بأن الردع آت وأن الضربة ستكون موجعة، وينتظر الطيبون ويطول انتظارهم فينتهى الأمر- فى غالب الأحوال- إلى لا شىء.
يدرك المفاوض المصرى الخبير حقيقة الهدف الاستراتيجى لحكومة نتنياهو التى تسعى إلى توسيع دائرة الحرب وتحويلها إلى حرب إقليمية، ليخرج الإسرائيلى بمزيد من النتائج الإيجابية التى تعزز مكانته أو تزيد من إضعاف أطراف معادية له. أظن أن رصانة المفاوض المصرى وطول صبره يعطيان دروسًا ينبغى على الطرف الفلسطينى أن ينتفع بها وأن يستفيد منها. ليس كل من يبتسم فى وجهك محب مخلص متعاطف معك ومناصر لقضيتك، هكذا علمتنا الحياة فى المواقف الإنسانية العادية، فما بالكم بأمور السياسة وأهلها، ومبلغ ظنى أن طول أمد المعاناة الفلسطينية وتمرس المفاوض والمناضل الفلسطينى يجعلان منه على وعى كامل بهذا الأمر.
ورغم طول التاريخ النضالى الفلسطينى إلا أنه وقع ضحية للصراع الإقليمى، فعززت بعض الأطراف الفاعلة فى المنطقة والإقليم خلافات الفصائل والقوى الفلسطينية، فجاءت قرارات بعضها وفق ما يمليه صاحب الأجندة، وليس نابعًا من دراسة دقيقة للمصلحة الوطنية وبما يخدم القضية. ورغم المساعى المصرية الدائمة لتوحيد الصف الفلسطينى، إلا أن هُوة الخلافات كانت تتسع لتقف دائمًا حائلًا دون تقريب وجهات النظر وتوحيد الصف الوطنى الفلسطينى. 
ويبقى على كل فلسطينى مخلص بحق لقضيته أن يعلى قيمة العقل وأن يضع فى حسبانه تحسين أوضاع ضحايا تلك الحرب ممن نجوا بأرواحهم، بينما تركت الحرب آثارها على أرواحهم بفقد عزيز أو بتدمير مأوى أو بخسارة مصدر رزق.