رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غزة.. حرب شرسة وتفاوض عقيم


ليست عيون المراقبين وحدها هى المفتوحة على ما يدور فى غزة من حرب وتفاوض، ولكن عيون وقلوب كل الشعب الفلسطينى تعيش ذات التوتر فى كل لحظة تنقضى من عمر هذه الحرب، يشغلهم التفاوض وصفقة الهدنة بقدرٍ أعظم من انشغالهم بقنص جندى إسرائيلى هنا أو تفجير دبابة هنالك.
هذه هى الحقيقة المجردة، الغزاويون بل وأبناء الضفة الغربية يعيشون كابوسًا يزداد ثقله يومًا بعد يوم، من نزوح إلى نزوح، ومن دم إلى دم، وكأن ماكينة الحرب الجهنمية سوف تدور إلى الأبد، الصورة العامة تؤكد أن إسرائيل تعمل بلا هوادة، ليس من أجل استعادة الأسرى من غزة، ولكن من أجل التطهير العرقى فى فلسطين، لذلك لا يتراجع اليمين الإسرائيلى عن إعلانه الواضح بأن هذه الحرب حرب إبادة شاملة تقضى على كل ما يرتبط بالقضية الفلسطينية.
ومن هنا تأتى أهمية التفاوض المكثف الذى تقوده مصر وقطر من أجل إيقاف الحرب، ولكن الملاحظ أنه كلما تقدم التفاوض خطوة، تراجع الأمل فى إنهاء الحرب خطوات، الجانب الفلسطينى المفاوض يسعى لإنقاذ غزة وشعبها، ولكن فيما يبدو أن هناك مفاوضًا آخر قادرًا على إيقاف أى تقدم فى إتمام الهدنة دون الالتفات إلى الخسائر اليومية التى تدفعها فلسطين وتنعكس بالسلب على كامل منطقة الشرق الأوسط.
جبهات الإسناد التى قالت منذ السابع من أكتوبر إنها تخوض المعركة مع حماس تتقدم خطوة فى استعراض إعلامى وتتراجع خطوات، ويقف الشعب الفلسطينى وحده فى مواجهة نوافير الدم وسحق العظام، الفاتورة الباهظة المدفوعة فى هذه الحرب أقل بكثير من أى مكسب تم تحقيقه منذ السابع من أكتوبر، وكأن السابع من أكتوبر قد جاء لليمين الإسرائيلى كهدية على طبق من ذهب، لكى يحقق هذا اليمين المتطرف برنامجه وأهدافه التى تتمحور حول تصفية القضية الفلسطينية والتوسع الاستيطانى دون رادع. 
يقول أصحاب النوايا الطيبة إن المجتمع الدولى والرأى العام العالمى قادران على إنهاء الحرب، وهذا وهم كبير لا يجب أن ننخدع به، ماكينة الحرب التى دارت، تدور بمعدات حربية قام المجتمع الدولى بتوفيرها إلى إسرائيل، والمنظمات العالمية لا حيلة لها ولا تملك إلا الأسف والإدانة، ويبقى الشعب الفلسطينى وحده فى مقدمة الصراع وتبقى كامل المنطقة رهينة عاجزة تنتظر دورها لتأخذ حصتها من الحرب والخراب.
الخروج من هذه الدائرة فى حاجة إلى حلول إبداعية تبدأ من وقف التدخلات فى القرار الفلسطينى المفاوض وتنتهى بتحطيم التعنت الإسرائيلى الذى يضع شرطًا تلو الآخر فى مفاوضاته العقيمة، الدور المصرى مشهود له، وهو الذى يحاول نزع فتيل الأزمة ومنع الحرب الإقليمية التى تحلم بها إسرائيل، لذلك لا تتوقف مناكفات بنيامين نتنياهو مع الجانب المصرى، وها هو ممر فيلادلفيا قد صار عقدة لكل الأطراف، تلك العقدة التى ربطها بإحكام الجانب الإسرائيلى لتكون ذريعة لتفجير الأوضاع على جبهات جديدة من خارج فلسطين.
الواضح هو أن مشوار الصراع صار طويلًا، وأن إنهاء هذا المشوار بأسلوب القفزة الواحدة لن يجدى نفعًا، وأن استخدام العقل البارد والتحرك التكتيكى خطوة بخطوة صار هو المتاح لدينا من أجل فضح المخطط الإسرائيلى، والذى للأسف تدعمه بعض التصريحات العنترية التى يلقى بها بعض قادة حماس من حين إلى آخر، ولعل تصريح الأخ خالد مشعل الذى يدعو فيه علنًا إلى تنفيذ عمليات انتحارية داخل إسرائيل يمكن تدريس هذا التصريح كنموذج فى الغباء السياسى، العدو لا يريد أكثر من هذا التصريح ليتحرك ومن خلفه حلفائه الغربيون ضد كل ما هو عربى لتشتعل المنطقة ويخسر الجميع.