كيف نطور مناهج اللغة العربية؟
المطالبون بإلغاء تدريس اللغة العربية مجانين؛ فلا أمة فى الدنيا تقوم بإلغاء تدريس لغتها الأم، هؤلاء متطرفون دون ريب، لا ينبغى الالتفات إليهم ولا السماع لهم، وأما الذين يطالبون بتطوير مناهج المادة فلا تثريب عليهم؛ لأن مناهج المادة كثيفة وثقيلة، تحتاج بالفعل إلى تقليل وتخفيف، ولا يحتاج الدارس إلى كل ما فيها من الزحام.
نعتنى بالنحو عناية كبيرة، من أول أقسام الكلمة إلى البحث فى المعاجم، ولا حاجة إلى الطالب بكل هذا الزخم النحوى، أى يمكن الاقتصار على القواعد الأساسية التى تمكنه من ضبط الجمل، وأما الإملاء، مثلًا، فلا عناية به، وهذه مصيبة؛ لأن الطلاب ينهون دراستهم ولا يحسنون كتابة سطر قصير بصورة صحيحة!
معظم الطلاب أيضًا يغادرون مدارسهم الثانوية، وليس فى خواطرهم شىء من الكم الشعرى الوافر الذى درسوه، بالذات الشعر الجاهلى والأموى والعباسى، وأسأل: لماذا ندرس مثل هذا الشعر بالتفصيل؟ أنا مع المرور به بصورة تشكل معرفة ما بحكايته وتاريخه، لكننى مع التركيز على تدريس الشعر المعاصر، وبالذات الشعر الحر وقصيدة النثر، ومع أهمية تدريس العامية المصرية بدءًا من المرحلة الإعدادية «أى لأم العامية بالفصحى وإظهار ما بينهما من الصلات»؛ فلا يمكن أن يكون لدينا فؤاد حداد وصلاح جاهين والأبنودى وحجاب ونجم وقاعود وبخيت، وغيرهم ممن جاءوا بعدهم، ولا يعرف الطلاب شيئًا عن منجز العامية العظيم، فى حين أنهم يسمعون الأغانى وتترات المسلسلات، وربما يحفظونها عن ظهر قلب.
البلاغة من العلوم الصعبة التى يجب تلقينها للطلاب بصورة مبسطة ترسخها فى أذهانهم بحيث يفهمون فحواها فهمًا دقيقًا؛ ومن ثم يجب أن يحرص المدرسون على إيصال المعنى العام للمادة، وألا يوغلوا فيها متوسعين فيتوه هذا المعنى «ملزمة بلاغية صغيرة تكفى فى المرحلة المتوسطة أى الإعدادية، ثم أخرى فى الثانوية».
القراءة مهمة، وأذكر فى ماضٍ قريب، بمناسبة افتتاح نادٍ جديد للأدب حينذاك، أن أحد الزملاء اقترح أن يقوم الأعضاء بقراءة قطع نثرية قبل أن نبدأ ندوتنا؛ كنوع من تنشيط الحضور وتهيئتهم لما سيقال وما سيتم طرحه للمناقشة، وكانت المفاجأة غير السارة بل الصدمة أن معظم الأعضاء رسبوا فى هذا الامتحان البسيط- امتحان القراءة، ومعظمهم جامعيون؛ ما جعلنا، فى كل مرة تلت هذه المرة، نخصص جزءًا من الوقت لها؛ فمن العار ألا يحسن المتعلمون القراءة، ومن العار الأفظع ألا يحسنها المتعلمون تعليمًا عاليًا والموهوبون!
عزل اللغة عن فكرة القداسة ضرورى أيضًا؛ فليس لأن القرآن الكريم نزل عربيًا نقدس اللغة، فتقديسها، ببساطة، يعنى عدم قبول الخطأ فيها، كعدم قبوله فى القرآن الكريم نفسه، وهو أمر عسير لتشعب علومها، ولا داعى له من الأساس.
أخيرًا، وباختصار، بينما نقوم بتدريس مواد اللغة العربية على وجه العموم يجب أن ننتبه إلى ما ينفع الدراسين منها فى ممارساتهم الحياتية وأعمالهم بعد ذلك، ولا يجب أن يخطفنا إيقاع الدروس إلى الإبحار فيها إلى أبعد مدى مما لا طائل تحته، والأهم، إجمالًا، ربط الدارس بلغته ربطًا وثيقًا محكمًا.