رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اذهب إلى القاهرة وتفاوض بنفسك!

سوء التقدير، وغرور العنجهية، هما عنوان المأزق الذى تعيشه إسرائيل فى قطاع غزة، وجعلاها غير قادرة على تحقيق أى من أهدافها من الحرب الشرسة التى تخوضها فى القطاع، وتخسر فيها العديد من معداتها وجنودها، يومًا بعد آخر، حتى أصبحت الحرب هناك سرمدية، ودون نهاية تلوح فى الأفق، ومعها أصبحت إسرائيل خاسرة، والمقاومة مستمرة، بتعنت رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ضد الإقرار بمفاوضات سلام، تنهى المشكلة وتعيد الأسرى، وتجعل من الممكن عودة الإسرائيليين إلى مساكنهم فى شمال الأرض المحتلة، التى هُجروا منها منذ أشهر طويلة.
لذلك، هاجم زعيم المعارضة الإسرائيلية ورئيس حزب «هناك مستقبل»، يائير لابيد، نتنياهو، بسبب تعثر المفاوضات لإطلاق سراح المحتجزين فى غزة، مطالبًا بإبرام صفقة عاجلة، قائلًا إن «حكومة نتنياهو تعرض علينا حربًا أبدية، وينبغى ألا يكون هذا هدفنا»، بل لا بد من إنجاز صفقة لإطلاق سراح المحتجزين فورًا، حتى لو كلف ذلك نتنياهو أثمانًا سياسية، وكان يتوجب على الحكومة تغيير نهجها فى غزة منذ فترة طويلة وتتجه نحو صفقة.. فنتنياهو يماطل فى التوصل إلى هذه الصفقة، من أجل حماية نفسه، عبر الحفاظ على الائتلاف الحاكم.. وهذه ليست المرة الأولى التى ينتقد فيها لابيد نتنياهو بخصوص عرقلة الصفقة، إذ سبق أن انتقده واتهمه بأن عليه أن يتوقف عن محاولات إفشال المباحثات، وعليه إبرام صفقة الآن قبل أن يُقتل جميع المحتجزين، «الأيام تمر، ونفقد مزيدًا من المحتجزين، وعلينا أن نعقد صفقة الآن».. ونصح نتنياهو، إذا كان مقتنعًا بقدراته على التفاوض، فليذهب إلى القاهرة ويجلس بنفسه حتى إنجاز الصفقة، «رئيس الوزراء.. اذهب إلى القاهرة بنفسك.. لا ترسل أحدًا.. عليك إبرام صفقة الآن»، واعتبر لابيد أن «إتمام صفقة الرهائن أكثر أهمية بكثير من إصرار نتنياهو على الوجود العسكرى الإسرائيلى فى محور فيلادلفيا»، على الحدود بين قطاع غزة ومصر.
وتستضيف القاهرة جولة مفاوضات لوقف الحرب على غزة، حيث يلتقى مسئولون من مصر والولايات المتحدة وقطر وإسرائيل، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، وإتمام صفقة تبادل المحتجزين والأسرى، وسط توقعات بأن تكون هذه الجولة محورية لوقف الهجمات الإسرائيلية فى غزة، حيث تعمل واشنطن بشكل مكثف مع الوسطاء الإقليميين، لمناقشة مقترحات إضافية لسد الفجوات الكبيرة بين مواقف إسرائيل وحماس، ويعتمد نجاح هذه الجولة، بشكل كبير، على قدرة واشنطن على الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، للقبول بالشروط المطروحة.. وفى حال نجحت هذه الجهود، فقد يتم الإعلان عن اتفاق لوقف الحرب.. لكن نتنياهو يتعرض لضغوط من جانبين، الأول من المعارضة وأهالى الرهائن من أجل إبرام صفقة، والثانى من شركائه فى الحكومة من اليمين المتطرف، الذين هددوا بالانسحاب من الائتلاف الحاكم، فى حال وافق على الصفقة، ما يعنى فعليًا سقوط الحكومة.
ولم يكن لابيد هو أول أو آخر من انتقد سياسات نتنياهو، بل إن ابن عمه، دان نتنياهو، شن هو الآخر هجومًا لاذعًا على طريقة قيادته للبلاد، سواء منذ بدء حرب غزة أو ما قبلها.. وكتب دان نتنياهو مقالًا لموقع «والا» الإخبارى الإسرائيلى، يفند فيه ما اعتبره «تدميرًا لإسرائيل» من جانب رئيس وزرائها.. وقال دان «حتى انتخابات 2015، كنت أؤيد بيبى الاسم المختصر لرئيس الوزراء الإسرائيلى احتفلت بانتصاراته معه وشاركته إحباطاته فى الهزيمة».. لكن موقف دان نتنياهو تغير بعد الاتهامات التى وُجهت إلى رئيس الوزراء فى قضية فساد قبل سنوات، وكتب «أدركت أننى أنا أيضًا خُدعت بأكاذيب نتنياهو على مر السنين».. إنه يعمل بلا هوادة على تدمير الديمقراطية الإسرائيلية، بتشريعات لإضعاف استقلال المحكمة العليا، ومنذ اندلاع الحرب قلب القواعد الراسخة: تعيين القضاة الذين يناسبون تفضيلات وزير العدل، واستخدام قوة شرطة مسيسة لقمع المتظاهرين وأسر الرهائن.. إنه يدمر اقتصاد إسرائيل وقدرتها على تمويل نفقات الحرب الهائلة، كما «حول الليكود من حزب ديمقراطى إلى مجموعة من البلطجية والمجرمين.. وعرَّض أمن إسرائيل للخطر، بإقناع الولايات المتحدة بالخروج من الاتفاق النووى مع إيران، دون تأمين عقوبات كافية».
واتهم دان نتنياهو ابن عمه، بتجاهل معاناة السكان قرب غزة، وعائلات الرهائن، لقد «خان نتنياهو البلاد ودمرها لسنوات، سواء من حيث الأمن أو الاقتصاد».. واعتبر أن رئيس الوزراء يخرب مرارًا وتكرارًا الصفقات لإطلاق سراح الرهائن، خوفًا من أن تتخلى عنه الأطراف اليمينية المتطرفة فى حكومته.. وتساءل: هل تدمير الدولة لا يهمه؟، والرهائن لا يهمونه؟.. هذا صحيح، هدفه الوحيد تمديد حكمه إلى أجل غير مسمى، وتجنب لجنة تحقيق حكومية فى الأحداث التى أضعفت الديمقراطية وأدت إلى اندلاع الحرب.
لم تكن نصيحة لابيد لنتنياهو، بأنه «إذا كان مقتنعًا بقدراته على التفاوض، فليذهب إلى القاهرة ويجلس بنفسه حتى إنجاز الصفقة» كلامًا جاء من الفراغ، بل عن يقين من لابيد بأن وساطة مصر، ركيزة أساسية فى المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وأن الأفكار المصرية المهمة تدفع نحو وقف العدوان الإسرائيلى على غزة وإنجاز صفقة تبادل.. وسط تقدير إقليمى ودولى لدور القاهرة المهم فى الشرق الأوسط.. فقد نجحت الوساطة المصرية فى التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار فى قطاع غزة خلال السنوات الماضية، بعد تدخل المسئولين المصريين خلال الحروب الست التى شنها الاحتلال الإسرائيلى على القطاع، وهو ما يؤكد أن الوسيط المصرى هو الوحيد القادر على إرساء حالة الأمن والاستقرار، ووقف أى تصعيد عسكرى بين الفصائل الفلسطينية فى القطاع من جهة، وجيش الاحتلال الإسرائيلى من جانب آخر.. ويثق الشركاء الإقليميون والدوليون فى الوسيط المصرى، الذى يعمل بكل حيادية ونزاهة فى أى عملية تفاوضية، حيث يعمل المسئولون المصريون على وضع إطار شامل لأى تحرك فى أى تصعيد عسكرى، للمضى قدمًا فى إقناع الجانبين، الفلسطينى والإسرائيلى، بأهمية العودة إلى التهدئة، والركون إلى طاولة المفاوضات بدلًا من الصراع العسكرى.
وغنى عن القول، أن الدولة المصرية نجحت فى عقب أحداث السابع من أكتوبر الماضى من فرض إرادتها على كل دول العالم والجانب الإسرائيلى، بإجباره على إدخال المساعدات الإنسانية واستمرار العمل فى معبر رفح، بإدخال الجرحى والمصابين الفلسطينيين لعلاجهم فى مستشفيات القاهرة، فضلًا عن استضافة مؤتمر القاهرة للسلام 2023، وكذلك شن حملة سياسية ودبلوماسية لتعرية جرائم الاحتلال الإسرائيلى فى غزة، ضمن الدور التاريخى الذى تلعبه مصر تجاه القضية الفلسطينية.. وخلال جولة التفاوض الحالية، التى تعمل على إرساء التهدئة وإبرام صفقة لتبادل الأسرى، لعبت مصر دورًا محوريًا فى العملية التفاوضية، وتمثل كل الأفكار المصرية أساسًا لأى مبادرة تطرح على الطاولة، لوقف العدوان الإسرائيلى على غزة والعودة إلى مربع التهدئة وإبرام صفقة تبادل للأسرى.
وقد أكد مراقبون، أن مصر نجحت فى وضع كل التفاصيل الفنية الدقيقة الخاصة بعملية التفاوض على عدة مراحل، موضحين أن الجانبين الأمريكى والقطرى أشادوا بالأفكار والرؤى المصرية، التى قُدمت للجانبين الإسرائيلى والفلسطينى خلال الأشهر الماضية، للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن عدم توافر الإرادة السياسية الإسرائيلية كانت سببًا فى تعطيل التفاوض.. وترحب الفصائل الفلسطينية فى غزة والجانب الإسرائيلى، بالوساطة المصرية فى أى من جولات التصعيد أو الحرب الشاملة، لثقتهم فى الدور الذى تلعبه مصر، من أجل إرساء الأمن والاستقرار فى الإقليم، وسعيها الدءوب لإيجاد حل للقضية الفلسطينية عبر الطرق والمسارات السياسية، بعيدًا عن الصراع العسكرى المسلح الذى يخلف خسائر مادية وبشرية كبيرة للغاية.
وكذلك تنظر الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى للموقف المصرى بكل تقدير واحترام، لما تمثله القاهرة من ثقل على المستويين الإقليمى والدولى، بالإضافة إلى كونها أحد أبرز الشركاء الاستراتيجيين لواشنطن ودول الاتحاد الأوروبى خلال العقود الماضية، مؤكدين أن المفاوض المصرى يمتلك من الأدوات التى تمكنه من استعادة الهدوء فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، شريطة توافر الإرادة السياسية لدى الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى.. لذا، فإن القاهرة هى إحدى أبرز المدن التى تتوجه إليها الأنظار الآن، باعتبار أن الوسيط المصرى هو الفاعل والمحورى فى العملية التفاوضية التى يجرى العمل على تفعيلها.
لذلك، لم يكن تفضلًا، وصف وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، مصر بأنها «شريك مهم» فى مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وهى أيضًا شريك مهم فى إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، إلا أنه لديه «قلق عميق» بشأن إغلاق معبر رفح واحتلال ممر فيلادلفيا بين مصر وغزة، الذى استولت عليهما إسرائيل مؤخرًا، ودمرته، وما قد يؤدى إليه ذلك من خلاف بين القاهرة وتل أبيب.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.