رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العمل التطوعى ثقافة مفقودة.. ورقابة غائبة

العمل التطوعى هو تقديم المساعدة والعون للمجتمع من أجل تحقيق الخير والاستقرار، أطلق عليه مسمى تطوعى؛ لأن الإنسان يقوم به طواعية ودون إجبار من الآخرين على فعله، وفيه يقدم المتطوع من وقته ومجهوده البدنى والعقلى للمساعدة فى إزدهار المجتمع.
ومن المعروف أن العمل التطوعى هو ثقافة اجتماعية صحية ضاربة الجذور فى المجتمعات الغربية، ولا نرى بلدًا أوروبيًا على سبيل المثال لا الحصر لا يخلو من منظمات المجتمع المدنى التى تسهم فى إغناء وتطور المجتمع، لأن حيوية المجتمع المدنى تستمد من الأفراد الذين يغنون العمل التطوعى، فيشكلون مع بعضهم لبنة المجتمع السليم.
المجتمع الدولى والأمم المتحدة يعطون اهتمامًا خاصًا للعمل للتطوعى بل إن البرامج والهيئات التابعة للأمم المتحدة لا يمكن أن تنجز مهام عملها بشكل سليم دون المتطوعين لذلك يحتفى العالم باليوم العالمى للمتطوعين فى 5 ديسمبر من كل عام، طبقًا لما حددته الأمم المتحدة منذ عام 1985، بغرض تقديم الشكر للمتطوعين على مجهوداتهم وزيادة وعى الجمهور حول مساهمتهم فى المجتمع وتشجيع الجميع على المشاركة، وقد أنشأت الجمعية العامة برنامج الأمم المتحدة للمتطوعين عام ١٩٧٠ ليكون الذراع التطوعية لمنظومة الأم المتحدة، وهو يتكون من ٤٠٠٠ متطوع من الجنسين ينتمون لأكثر من ١٤٠ جنسية يعملون فى البلدان النامية كإخصائيين متطوعين وعمال ميدانيين ٧٤٪ من متطوعى الأمم المتحدة أنفسهم من مواطنى البلدان النامية أما نسبة الـ٢٦٪ فمن العالم الصناعى.

تم تسجيل الفعل تطوع لأول مرة عام ١٧٥٥ والذى يعنى M.Fr.Voluntaire  اسم الشخص والذى تطوع عام ١٦٠٠ وهو شخص يقدم خدمات تطوعية فى المجال العسكرى، ولكن تم تسجيل الكلمة لأول مرة فى الحياة المدنية فى الثلاثينيات من القرن السادس عشر volunteering.

وتعد الولایات المتحدة أول من قام بتنظيم العمل التطوعى فى العالم، حیث أصدرت فى دیسمبر عام 1737 قانونًا ینظم العمل التطوعى فى مجال إطفاء الحریق بمدینة نيويورك نتيجة انتشارها بشكل كبير فى هذا التوقيت أكبر المنظمات الدولية بدأت بفكرة تطوعية عن طريق السويسرى هنرى دونان الذى أسس الهيئة الدولية للصليب الأحمر سنة ١٨٦٣ لمساعدة ضحايا الحرب والجرحى، ولم يكن الهدف منها مساعدة بلده سويسرا؛ لأنها لم تخض حربًا منذ أكثر من ٥٠٠ سنة!

أما على مستوى دول المنطقة العربية نجد عدم انتشار هذه الثقافة بالشكل المطلوب لعدة أسباب أهمها عدم وجود نظام قانونى قوى يحكم العلاقة بين الجهة سواء كانت حكومية أو غير حكومية وبين المتطوع، وهو الأمر الرئيسى الذى أدى إلى مشاكل يقع ضحيتها فى الغالب المتطوع ومن خلال عملية الرصد تلاحظ أن معظم الحكومات غير مهتمة بتفعيل منصة رسمية يمكن للراغب فى التطوع أن يلجأ لها فى حال رغب فى التطوع، ودور هذه المنصة هو تنظيم العلاقة بين المتطوع والجهة الراغبة فى الحصول على متطوعين من خلال إطار قانونى حاكم للعلاقة التطوعية يضمن حقوق الطرفين، بالتالى يسهم تدعيم ثقافة العمل التطوعى والمساهمة فى نشرها فى قطاع كبير من المجتمع بمختلف أعماره وفئاته.

المسئول عن تفعيل آليات العمل التطوعى بشكل أساسى بجانب الدور الحكومى  هى منظمات المجتمع المدنى، ولكن للأسف هو دور غير مفعل بشكل كبير، وإن وجد يتم بشكل عشوائى ودون رؤية واضحة أو من خلال استغلال المؤسسات الأهلية للعمل التطوعى، إذ يستخدمونه فى استغلال وقت وطاقة وفكر الشباب لتنفيذ أجنداتهم أو خططهم سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، وذلك دون تحقيق أى فوائد معرفية أو مهارية لهؤلاء الشباب. كما لاحظنا أيضًا من خلال عملية الرصد أن الوسائل التى من شأنها التعريف بأهمية العمل التطوعى وقيمته غير مفعلة، وعلى رأسها الإعلام فنجد أن وسائل الإعلام لا تروج للعمل التطوعى من خلال وسائل الإعلام المرأى والمسموع، مما أدى إلى انخفاض أعداد المتطوعين بشكل كبير.

وحتى إن الأمر لا يختلف كثيرًا عن الأندية التى تضم رجال الأعمال وسيدات المجتمع  والشخصيات العامة، والتى تتبع أندية دولية، والتى انتشرت فى الأونة الأخيرة بشكل كبير فى مجتمعاتنا العربية، والهدف منها هو تقديم خدمات مجتمعية بشكل تطوعى ونشر ثقافة العمل التطوعى نجد أن دورها ضعيف جدًا، وأصبح البعض يرغب فى الحصول على عضويتها من أجل الوجاهة الاجتماعية وخدمة المصالح الشخصية مع عدم وجود شكل إدارى ومالى واضح  طبقا للضوابط الدولية لإدارة هذه الأندية، الأمر الذى ترتب عليه فقدانها لقيمتها وعدم قدرتها على لعب الدور المطلوب منها، وهو تقديم الخدمة المجتمعية بشكل تطوعى ونشر ثقافة العمل التطوعى مع ظهور مشاكل إدارية ومالية واضحة نتيجة انعدام الرؤية الفردية فى اتخاذ القرار وهو الأمر الذى يتطلب تدخل الجهات الإدارية المسئولة عن نشاط هذه الأندية، وتقييم أدائها وإعادتها إلى مسارها الصحيح، وهو خدمة المجتمع وليس الفرد، وتعزيز ونشر ثقافة العمل التطوعى.

ومما لا شك فيه أن تنمية ثقافة العمل التطوعى والإحساس بالمسئولية الاجتماعية هى بذرة يجب أن تغرس فى الأجيال القادمة بدأ من المدرسة من خلال تعريف قيمة وأهمية العمل التطوعى وتخصيص ساعات للعمل التطوعى للطلاب فى المدارس، وهذا الأمر للأسف غير مفعل بشكل كبير، وهو الأمر الذى يحد بشكل كبير من انتشار ثقافة العمل التطوعى خاصة بين الشباب من الجيلين الثانى والثالث؛ مما يؤدى إلى ظهور مجتمع يقوم على ثقافة خدمة الفرد وليس الجماعة ويحوله إلى مجتمع براجماتى يفتقد إلى ثقافة العمل التطوعى، وهى الثقافة التى تحسن من القيم الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية وتحول المجتمع من مجتمع قائم على الفردية إلى مجتمع قائم على ثقافة العمل الجماعى ومساعدة الآخرين.
وفى دراسة أجرتها الأمم المتحدة فى ٢٠٠٣ على شباب ساهموا فى أعمال تطوعية أظهرت الدراسة أن الشباب المتطوعين عندهم مهارات تواصل جيدة واجتماعيين مع الناس ويحظوا بتقدير واحترام المجتمع على عكس نسبة كبيرة من الشباب غير المتطوع، حيث تغلب عليه ثقافة الفردية، وتقييم كل الأمور من خلال المكسب المادى فقط.