رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التخصص المظلوم.. الدستور تبحث عن مفتاح التشخيص الغائب: أين اختفى "طبيب الأسرة"؟

طبيب الأسرة
طبيب الأسرة

حالة من الألم الذى لا ينتهى تعيشها «منى» يوميًا مع ابنتها «رزان»، صاحبة الـ١٤ عامًا، وهى تراها غير قادرة على الحركة، ولا يتركها الشعور بالخمول والتعب، بجانب النوم المستمر. ذابت قدما «منى» وهى تصطحب ابنتها بحثًا عن طبيب مختص بعلاج الأعراض، فتارة اتجهت بها إلى طبيب عظام لكنه لم يجدِ نفعًا، وأخرى اتجهت إلى طبيب باطنة، فلم يفلح الأمر أيضًا، حتى إنها بدأت البحث على شبكة الإنترنت. «رزان» حالة من آلاف الحالات المرضية التى تعانى حيرة كبيرة فى تحديد الاختصاص الطبى المناسب لحالتها عند بداية الشعور بأعراض مرضية معينة، ما ينتج عنه العديد من التأثيرات السلبية، لعل أبرزها تناول العديد من الأدوية غير المناسبة للحالة، التى قد تكون لها أعراض جانبية خطيرة، بجانب إنفاق أموال كثيرة دون جدوى. وظهرت حالة «رزان» وغيرها الكثير من الحالات المشابهة نتيجة ندرة وجود تخصص طبى معين فى مصر هو «طب الأسرة»، ذلك التخصص المعنى بالكشف الأولى على المريض، واتخاذ قرار بعلاجه أو إحالته إلى طبيب فى تخصص بعينه للعلاج لديه... فلماذا اختفى؟ وما تأثير ذلك؟ وكيف يمكن أن نواجه تلك المشكلة؟

حسن حسين: التخصص أنقذنى من الأدوية والتشخيصات الخاطئة

ذكر حسن حسين، عامل بناء فى الأربعين من عمره، أنه أب لأربعة أطفال، ويعانى منذ سنوات من أعراض مرضية متضاربة، جعلته يطرق أبواب العديد من الأطباء فى العديد من التخصصات، بتخمينه وحدسه، لكن النتيجة دائمًا تكون «لا جدوى تذكر». وقال «حسين»: «كل طبيب أذهب إليه يكتب لى دواء جديدًا، ينضم إلى قائمة أدوية أخرى لم تحقق أى نتيجة وتلقى فى سلة مهملات»، مؤكدًا: «نفسى حد يوجهنى أروح لدكتور إيه وأعرف الحالة اللى عندى.. نفسى حد يبقى عارف كل التفاصيل عن حالتى المرضية، وما أحكيش كل مرة». وتابع: «عندما عرفت بتخصص طب الأسرة شعرت كأننى وجدت ضالتى فى هذا التخصص.. تعبت من الذهاب للأطباء غير المناسبين، وأصبت بأعراض إضافية نتيجة استخدام أدوية خاطئة». وأكد: «يتابع حالتى حاليًا طبيب أسرة، وبدأت فى التحسن بعد تنفيذ إرشاداته وتناول العلاج المناسب»، ولفت إلى أنه جعل أبناءه الأربعة يتابعون لدى الطبيب ذاته، وذلك لتفادى ما وقع عليه من أضرار فى أثناء تشتته بين الأطباء بحثًا عن علاج لما يعانيه من آلام.

تدريب 1112 طبيبًا وتوفير الملفات العائلية

قالت الدكتورة سعاد عبدالمجيد، رئيس قطاع الرعاية الصحية والتمريض، إنه يجرى تنفيذ العديد من الدورات التدريبية والفعاليات والمؤتمرات الهادفة إلى رفع كفاءة أطباء الأسرة؛ لرفع مستوى جودة الخدمات المقدمة.

وأكدت «عبدالمجيد»: «جرى تدريب الأطباء الجدد على حزمة أطباء الأسرة بإجمالى ١١١٢ طبيبًا (٦٣٢ أنثى و٤٨٠ ذكرًا)، من خلال الإدارة العامة للرعاية الأولية، مع تنفيذ مبادرة تطوير منشآت الرعاية الأولية لتحسين جودة وكفاءة الخدمات الصحية المقدمة فى منشآت الرعاية الأولية، وذلك فى ٢١ محافظة، مع توفير حزم تحفيزية للأطباء، وتحقيق رضا المنتفعين، وفقًا لأحدث المعايير الدولية من خلال تفعيل منظومة طب الأسرة، وتوفير الملفات العائلية اللازمة والتدريب اللازم لرفع كفاءة الأطقم الطبية.

وأشارت إلى أنه تم تنفيذ دبلومة طب الأسرة، بالتعاون مع الهيئة العامة للمستشفيات التعليمية ومنظمة الصحة العالمية؛ لتهيئة الأطباء لأعمال طب الأسرة من خلال الدراسة لمدة، لافتة إلى أنه من المتوقع مضاعفة الأعداد التى ستحصل على هذه الدبلومة، حيث تهدف تلك الدبلومة إلى تخريج عدد كبير من أطباء الأسرة فى وقت قصير لتلبية الاحتياج إلى طبيب الأسرة فى القطاع الصحى، ما سيزيد الطلب على هذا التخصص بشكل ملحوظ بمنظومة التأمين الصحى الشامل فى ٦ محافظات بالمرحلة الأولى، بما يبشر بمستقبل مهم لهذا التخصص فى مصر.

«الصحة»: تعميم تجربة «دكتور التشخيص» فى 5 آلاف وحدة طبية 

كشفت وزارة الصحة والسكان عن تفاصيل المشروع القومى لتعزيز خدمات وحدات الرعاية الأولية، وذلك بعد تعميم تجربة طبيب الأسرة فى أكثر من ٥ آلاف وحدة ومركز طبى بالجمهورية، وذلك فى إطار مشروع التأمين الصحى الشامل.

وقالت وزارة الصحة والسكان إن طبيب الأسرة هو الركيزة الأساسية فى نظام الرعاية الصحية الأولية، مؤكدة أنه يلعب دورًا حيويًا فى تقديم الرعاية الصحية للأفراد والأسر فى المجتمع، ويكون أول من يلجأ إليه الأفراد للحصول على الرعاية الطبية الأولية والتوجيهات الصحية.

من جهته، أوضح الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان، أن ممارسة طب الأسرة تتميز بالشمولية والتنوع، إذ يتعامل الطبيب العام مع مجموعة واسعة من المشاكل الصحية والاحتياجات الطبية للمرضى، بدءًا من التشخيص والعلاج للأمراض الشائعة والمزمنة، وصولًا إلى الوقاية من الأمراض وتوجيه المرضى إلى التخصصات الطبية المناسبة.

وتابع «عبدالغفار»: «ممارسة طب الأسرة تعتمد على العلاقة القوية بين الطبيب والمريض، إذ تشجع على بناء علاقة طبية ثقافية تعتمد على الثقة والاحترام»، مضيفًا أن طبيب الأسرة يتميز بالقدرة على الاستماع والتفاعل مع مختلف الثقافات والخلفيات الاجتماعية للمرضى، وهو الأمر الذى يسهم فى تحسين جودة الرعاية وزيادة فاعلية التواصل بين الطبيب والمريض.

ونوه بأن طبيب الأسرة لا يتفاعل مع المرض والمريض فقط، بل إنه يدرس المجتمع المحيط بالأشخاص، ويتعامل أيضًا مع المحددات الاجتماعية والبيئية للأمراض فى كل منطقة محيطة بالسكان المربوطين عليها، وذلك لتجنب مسببات الأمراض قبل حدوثها وتقليلها فى المجتمع، إضافة إلى ذلك يلتزم طبيب الأسرة بتقديم الرعاية الشاملة والمستدامة للمرضى، بما يشمل الوقاية من الأمراض والتشخيص المبكر وإدارة الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى تقديم النصائح الصحية والتثقيف الصحى للمرضى وأفراد الأسرة.

ولفت إلى أن دور طبيب الأسرة فى منشآت الرعاية الأولية يتضمن تشخيص وعلاج الأمراض، وإدارة الرعاية الصحية المستمرة للأفراد والأسر، والوقاية والتثقيف الصحى، والإحالة للخدمات التخصصية، وتعزيز الصحة العامة فى المجتمع.

رئيس «النساء والتوليد» بقصر العينى: دوره يبدأ منذ لحظة ولادة الطفل حتى الوفاة

وصف الدكتور عمرو حسن، رئيس قسم النساء والتوليد بمستشفى قصر العينى، تخصص «طبيب الأسرة» بالمهم للغاية، مشيرًا إلى أن هذا التخصص عانى لسنوات طويلة من التهميش والظلم، على الرغم من أهميته الواسعة فى القطاع الطبى ككل.

وقال «حسن» لـ«الدستور»: «دور طبيب الأسرة يبدأ منذ لحظة ولادة الطفل حتى نهاية العمر، إذ يكون لديه ملف خاص لكل فرد من أفراد الأسرة، مدون به تاريخه الطبى منذ البداية، ويتم تحديثه باستمرار فى حال وقع أى جديد».

وأضاف: «فى حال شعر أى من أفراد الأسرة بأعراض مرضية معينة، يتوجه إلى طبيب الأسرة مباشرة، والذى بدوره يبدأ فى تشخيص حالة المريض، وإذا ما كانت حالته لا تستدعى الإحالة إلى طبيب آخر، ويمكن علاجها ببعض الأدوية أو الإجراءات الطبية البسيطة، يفعل ذلك على الفور».

وواصل: «أما فى حال كان المريض يحتاج إلى تخصص بعينه، فإن دور طبيب الأسرة هنا يتمثل فى إحالته إلى طبيب فى التخصص الذى تحتاج إليه حالته، ولا يتوقف دور طبيب الأسرة عند ذلك، بل يستمر فى متابعة المريض وتشخيصه لدى الطبيب الذى أحيل إليه، ثم يسجل تشخيص هذا الطبيب فى الملف الذى يوجد لديه عن هذه الحالة، إلى جانب كل الأدوية التى وُصفت إليه من الطبيب الآخر».

ونبّه رئيس قسم النساء والتوليد بمستشفى قصر العينى إلى أن دور طبيب الأسرة لا يتوقف عند الدور الطبى فقط بالنسبة للعائلة، بل يمتد إلى النواحى الإنسانية والاجتماعية الخاصة بالأسرة.

وشرح: «يختص طبيب الأسرة بالإجابة عن الكثير من الأسئلة التى تخطر فى بال كل فرد بها من الناحية الطبية، والمعاملات التى تؤثر على صحتهم»، وهو ما يتطلب «الاهتمام بطبيب الأسرة، وتحسين مستواه العلمى والمهنى والمادى، بما ينعكس بالإيجاب على كل عناصر المنظومة الطبية، من أطباء ومرضى ومؤسسات علاجية».

وتابع: «نحتاج إلى الاهتمام الشديد بهذا التخصص فى مصر، وتزويده بالعديد من العناصر والمزايا التى تجذب طلبة كليات الطب للالتحاق به، إلى جانب الاهتمام بتنمية المستوى المهنى والإنسانى لطبيب الأسرة».

كريم عقيلة: تهميشه أدى لتراجع الالتحاق به فى كليات الطب

قال الدكتور كريم عقيلة، طبيب فى وحدة صحية بمركز تلا بمحافظة المنوفية، إن طبيب الأسرة يمثل أول احتكاك طبى مباشر مع أفراد الأسرة، والموجّه الرئيسى للتخصص الذى يحتاجه أفرادها حال مرضهم.

وأضاف «عقيلة»: «من هذا المنطلق يعد طبيب الأسرة الأكثر أهمية بالنسبة لكل أفراد الأسرة، على عكس النظرة التى ينظرها إليه المجتمع بأكمله من تهميش وإغفال كبير لدوره المهم».

وواصل: «عدم الالتفات والاكتراث لأهمية طبيب الأسرة من قبل الكثيرين، وبالتالى عدم الإقبال على الكشف لديه، يرجع إلى الظن بوجود قصور فى معلوماته الطبية، نظرًا لعدم تخصصه فى تخصص بعينه، بل والاعتقاد بأنه يؤدى دورًا روتينيًا». وأكمل: «هذه النظرة الظالمة لطبيب الأسرة تسببت فى عدم إقبال طلبة كليات الطب على العمل فى هذا التخصص، وهو ما نتجت عنه حالة الندرة التى أصبح عليها هذا التخصص فى الوقت الحالى، رغم الحاجة الماسة إليه وفقًا لما كشفه العديد من التجارب الواقعية».

وتابع: «من أجل الاهتمام بهذا التخصص المهم والنادر يجب تسخير المنظومة الطبية والإعلامية بالكامل لإبراز أهمية دور طبيب الأسرة فى حياة كل الأسرة، مع العمل فى الوقت نفسه على الارتقاء بمستوى أطباء هذا التخصص الحاليين على كل المستويات.

أمير زخارى:  يؤذينا لقب «طبيب الكشكول».. ونوفر الموارد للدولة والمواطن

قال أمير زخارى، ممارس عام، طبيب أسرة بمحافظة الجيزة، إن طبيب الأسرة يطلق عليه «طبيب الكشكول»، وهذا اللقب قاسٍ ومن المؤكد أن تأثيره سلبى على نفسية كل أطباء هذا التخصص، وهذا من أسباب تراجع الإقبال على هذا القسم.

وأضاف «زخارى»: «هذا اللقب يؤكد عدم الدراية المطلقة بالأهمية البالغة لطبيب الأسرة، وهو أمر يدعو إلى الأسف»، موضحًا أن «طبيب الأسرة يوفر على المريض جهدًا كبيرًا فى معرفة التخصص المرتبط بعلاج الأعراض التى يشعر بها.. طبيب الأسرة يعرف عن كل تخصص الكثير من المعلومات التى تؤهله للتعامل مع الكثير من الحالات التى لا تحتاج إلى رعاية خاصة».

وتابع: «من بين مميزات طبيب الأسرة أنه يوفر على المريض إنفاق الكثير من الأموال، التى سيدفعها لدى أطباء كثر، نتيجة الذهاب إلى تخصصات غير مناسبة حتى يجد التخصص المناسب لتشخيص حالته المرضية».

ولفت إلى أن «طبيب الأسرة يوفر للدولة نفقات كبيرة، إذ تتعرض أدوات وأجهزة المستشفيات للإهلاك بسبب محاولات فاشلة لتشخيص مرضى عند تخصصات لا تناسب حالتهم، كذلك يجرى صرف أدوية غير مناسبة فى محاولات علاج مرضى لم يجرِ تحديد التخصص المناسب لحالتهم منذ البداية».

وأوضح أن طبيب الأسرة يخفف العبء عن جميع المستشفيات وطواقمها، فبوجوده لا يجرى الكشف إلا على الحالات التى تستدعى الكشف فقط، وبالتخصصات التى تحتاجها.

وأشار إلى أنه فى الوقت الذى يعانى فيه طبيب الأسرة فى مصر من التهميش من قبل الكثيرين، يعد هذا التخصص من أكثر التخصصات المطلوبة خارج مصر، كما يعد من أعلى تخصصات الأطباء دخلًا.

ونوه بأنه لاحظ انتباه الدولة مؤخرًا إلى أهمية دور طبيب الأسرة، والعمل على تشجيع الكثيرين على الالتحاق بهذا التخصص من خلال العديد من الطرق والجهود التى تقوم بها.

700 طبيب أسرة فى شرق المتوسط كل عام 

فى إقليم شرق المتوسط يتخرج كل عام ٧٠٠ طبيب أسرة فحسب، بينما يحتاج الشرق الأوسط إلى ٢١ ألف طبيب أسرة كل عام، لتحقيق الغاية الإقليمية المتمثلة فى توفير ثلاثة أطباء أسرة لكل ٣ أشخاص بحلول عام ٢٠٣٠، وذلك حسب ما صرّح به الدكتور أحمد المنظرى، المدير الإقليمى لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط.