رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الذكاء الاصطناعى سباق تسلح يخرج عن السيطرة ويهدد البشر

التعريف الدولى المتعارف عليه للذكاء الاصطناعى هو مجال علوم الكمبيوتر المخصص لحل المشكلات المعرفية المرتبطة بالذكاء البشرى مثل، التعلم والإبداع والتعرف على الصور، والهدف منه هو إنشاء أنظمة ذاتية التعلم تستخلص المعانى من البيانات، كما يمكن أيضًا تطبيق تلك المعرفة لحل المشكلات الجديدة تشبه طرق الإنسان فى التعامل وحل هذه المشكلات، كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعى فى إنشاء نصوص وصور أصلية ودمجه فى تطبيقات لتحسين تجارب العملاء وسرعة الابتكار، كما يستخدم أيضًا فى أعمال السياسة وخاصة فى الحملات الانتخابية وجذب الناخبين.
يعد الذكاء الاصطناعى إحدى أهم القضايا الحديثة المرتبطة بحقوق الإنسان، والتى تشكل تحديًا كبيرًا فى مختلف المجتمعات باختلاف ثقافتها، ولا تلقى للأسف الكثير من الاهتمام الدولى نتيجة لحداثتها، والتى بدأت بظهور تأثيرها السلبى على حماية الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية خاصة فى دول العالم الثالث.
ومن الواضح فى السنوات الأخيرة مخاطر الذكاء الاصطناعى وتأثيره السلبى على حقوق الإنسان التى تهدد العديد من الحقوق والحريات كالخصوصية والتعبير عن الرأى، فرغم أن أنظمة الذكاء الاصطناعى تمثل قوة لنشر الخير وتساعد المجتمعات على التغلب على بعض التحديات البارزة فى عصرنا الحالى، ولكنها تحمل أيضًا آثارًا سلبية تصل فى بعض الحالات إلى أضرار كارثية إذا ما تم استخدامها دون ضوابط قانونية وأخلاقية، والتى سوف يكون لها تأثيرها السلبى على حقوق الإنسان، وتنعكس على حق الأشخاص فى الخصوصية والحقوق الأخرى، بما فى ذلك الحق فى الصحة والتعليم وحرية التجمع السلمى وحرية الرأى والتعبير، ليبقى سد الفجوة الهائلة على مستوى المساءلة عن كيفية جمع البيانات وتخزينها ومشاركتها واستخدامها من أكثر القضايا الإنسانية إلحاحًا، نظرًا للنمو السريع والمستمر لتقنيات المعلومات الرقمية والذكاء الاصطناعى، والذى لا نستطيع أن نستمر فى مجارات وتيرته السريعة، وأن نسمح باستخدامها ضمن حدود معينة، أو تأطير شكل من الرقابة القانونية والأخلاقية لتنظيمها، وفى حالة فشل المجتمع الدولى فى الوصول إلى إطار حاكم لتنظيمها وتقنينها، فسوف يتحتم علينا التعامل مع العواقب الوخيمة وتأثيرها على حقوق الإنسان فى المستقبل، ومن نحن بصدده الآن هو خطر التمييز المرتبط بالقرارات التى يديرها ويتحكم فيها الذكاء الاصطناعى.. وهى قرارات قد تُحدث ضررًا فى حياة البشر.. لذلك أصبح من الضروى إجراء تقييم منهجى لتأثير أنظمة الذكاء الاصطناعى من أجل تحديد حجم المخاطر التى تهدد حقوق الإنسان ومحاولة التخفيف من حدتها، خاصة الفئات المهمشة والتى تظل الأكثر عرضة لهذا النوع من المخاطر.
وفى دراسة أجرتها الأمم المتحدة واستندت على مقابلات مع أكثر من 400 شخص على مدار عام بمن فى ذلك كبار المسئولين التنفيذين من شركات ذكاء اصطناعى رائدة، أكد التقرير الصادر عن هذه المقابلات أن أنظمة الذكاء الاصطناعى يمكن أن تشكل تهديدًا على مستوى الانقراض للجنس البشرى، لأنه من الوارد أن تصبح هذه الأنظمة خارجة عن السيطرة والتى تشمل زعزعة استقرار الأمن العالمى، مع خطورة ارتفاع وتيرة ما يعرف حاليًا بسباق تسلح الذكاء الاصطناعى، وجدير بالذكر أن جيفرى هينتون المعروف باسم الأب الروحى للذكاء الاصطناعى استقال من وظيفته من «جوجل» وأطلق صافرة الإنذار بخطورة هذه التكنولوجيا التى ساعد فى تطويرها، مشيرًا إلى إمكانية أن يؤدى الذكاء الاصطناعى إلى انقراض 10% من إجمالى عدد السكان بالعالم فى العقود الثلاثة المقبلة.
ومن أهم القرارات التى اعتمدتها الجمعية العامة لمواجهة الآثار السلبية للذكاء الاصطناعى هو وضع القوانين والضوابط لتوجيه الذكاء الاصطناعى لتحقيق أسرع لأهداف التنمية المستدامة الـ17، كما أكد القرار على وضع أنظمة ذكاء اصطناعى آمنة وموثوقة ومنضبطة أخلاقيًا تحترم حقوق الإنسان وتصون حرمة الحياة الشخصية، مع ضمان استعمالها بطريقة سليمة بضمانات كافية تتوافق مع القانون الدولى خاصة الشركات الرائدة فى تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعى.
وفى النهاية، أود أن أشيد بمجهودات الدولة المصرية فى مواجهة مخاطر الذكاء الاصطناعى من خلال إطلاق الاستراتيجية الوطنية للذكاء فى يوليو 2021، كما تم إطلاق الميثاق المصرى للذكاء الاصطناعى من خلال وضع أطر تنظيمية للاستخدام الأخلاقى والمسئول للتقنيات الذكية فى المجتمع، وهو الأمر الذى ساهم بشكل كبير فى تفعيل آليات السيطرة على هذه التكنولوجيا الخطيرة واستخدامها بشكل واعٍ ويتناسب أيضًا مع القوانين والضوابط الدولية، وقد اشتملت هذه الاستراتيجية على 16 مبدأ توجيهيًا تنفيذيًا لضمان تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعى بشكل حيادى ويتجنب التمييز القائم على العرق أو الدين أو الجنس أو العمر أو الحالة الاجتماعية والاقتصادية، مع ضمان التعامل بشكل منصف ومتساو مع جميع أفراد المجتمع، والأهم من ذلك حماية الأمن القومى الوطنى المصرى، وهى إجراءات استباقية اتخذتها الحكومة المصرية بشكل سريع جعلتها فى مصاف الدول التى تعاملت بشكل مبكر مع هذه الظاهرة الخطيرة، والتى تزداد خطورة مع ارتفاع وتيرة سباق تسلح الذكاء الاصطناعى بين القوى العظمى.