رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"نبتة" صالحة تصنع مجتمعًا متقدمًا

أصل الشجرة المثمرة «نبتة» تعهدناها بضمير فى تربتها، فأينعت وأثمرت.. كذلك المجتمعات الصالحة، أصلها نبتات إنسانية، تمت رعايتها وتربيتها وتبنى مواهبها.. فالمجتمع هو البيئة الكبرى التى يقضى فيها الفرد حياتَه مع أشخاص آخرين، يتفاعل معهم، ويتأثر بهم ويؤثر فيهم، فهو يكتسب منهم المعايير والاتجاهات، وتنشأ لديه العواطف والاهتمامات، وهو غالبًا ما يعتمد على وجود أشخاص حينما يريد التعبير عن حياته الوجدانية، وفى ذات الوقت هو موضع اهتمام أشخاص آخرين؛ كالأم، والأب، والإخوة، وجماعات التربية والتعليم والثقافة وغيرها.. ومن خلال هذا التفاعل بين الطفل والمجتمع الذى يحيط به تنشأ ارتباطاتٌ عديدة ومتنوعة بينه وبين أعضاء هذا المجتمع، تختلف فى قوتها وأهميتها وعددها ونوعها.. فقد يكون هذا الارتباط علاقة انفعالية أو اجتماعية أو ثقافية؛ فحياة الفرد مكوّنة من مجالات نشاط عديدة فى منزله وفى حياته العائلية أيضًا، وحياة العمل، والهوايات، وأوقات الفراغ، كل هذه المجالات تشمل تبادل النشاط مع آخرين يكوِّنون عددًا من الجماعات المتداخلة؛ مثل جماعة الأسرة، وجماعة العمل، وجماعة اللعب وأوقات الفراغ، ويصبح الفرد محورًا لشبكة من العلاقات التى تنسج حياته فى المجتمع، إلا أن الأفراد يختلفون فى قدراتهم على تكوين تلك العلاقات؛ من حيث قوة ارتباطها، ومداها، وعددها ونوعها.
ويرى عالم الاجتماع «كولر» أن الابتكار مثل الصوت لا يوجد من فراغ، فإذا ركزنا على الفرد الموهوب والمبتكر دون تقدير لبيئته وإطاره الثقافى، فإننا نضمن بذلك طريقًا مؤكدًا للوصول إلى نظرية ناقصة غير صحيحة عن الموهبة والابتكار؛ لذلك فإن المجتمع، وما عليه من المؤسسات، والشركات، والمتاحف، ودُور السينما، والمسرح، والحدائق، ونوادى العلوم، والجمعيات، ووسائل الإعلام المختلفة، كلها تشترك فى منظومة واحدة مرتّبة ومنسقة، من أجل اكتشاف قدرات مواطنِيه وإمكاناتهم الخاصة ومواهبهم، والعمل على رعايتها وتنميتها وتطويرها.
لذلك، انطلق مهرجان «نبتة» للأطفال، تحت مظلة مهرجان العلمين، فى حفل مبهج أثار الحنين وأعاد «نوستالجيا» أعمال الطفل التى تربى عليها الكثير، بحرص المهرجان على عرض فيديو قصير عن أبرز الأعمال التى قُدمت للطفل، مقدمًا التحية لسمير غانم وماما نجوى إبراهيم والمطرب محمد فوزى، وكل من قدم أعمالًا للطفل، حيث أثار الحفل الحنين لزمن فات، إضافة للتطلع لمستقبل أفضل للأطفال، من خلال المواهب التى شاركت فى الافتتاح باسكيتشات مبهجة ومبهرة.
عرض المهرجان، خلال حفل الافتتاح، فيلمًا تسجيليًا عن الراحل شوقى حجاب، الشاعر الملهم والكاتب المتخصص، وصاحب التجربة المتفردة فى مجال أدب الطفل، تضمنت القصة والأغنية والمسرح وابتكار الشخصيات.. وكذلك تم تكريم المطرب محمد ثروت والمخرجة شويكار خليفة ووليد طاهر مصمم العرائس، والكاتبة والمخرجة فاطمة المعدول.. وقال الفنان أحمد أمين، رئيس المهرجان، إن الأجيال الجديدة محظوظة بالتطور الذى حدث فى عالم التكنولوجيا، فيما قدم النجم هشام ماجد، فى حفل الافتتاح، اسكيتش «كلمنى مصرى» بمشاركة الأطفال، تناول أهمية الارتباط باللهجة المصرية والتحدث بالعربية والتمسك بالهوية.
وعلى ذكر الفنان أحمد أمين، فإنى أرى اختياره رئيسًا للمهرجان قرارٌ أصاب هدفه، لأنه سبق وأدى شخصية «عرفات»، أحد تلاميذ الشيخ الحكيم مدين، ووريث كتاب أسرار أهل الجزيرة، فى مسلسل «جزيرة غمام»، الشخصية التى تدعو للمحبة والجانب الروحانى النقى فيها، بما تحمله من البراءة والصدق، ولا ينقصها الذكاء، بل مزيج بين الإنسان البرىء النقى، وفى نفس الوقت فطن وصاحب علم، وصل إلى قمة الرضا وقمة السعى.. شخصية التحمت بالأطفال، تعليمًا وتهذيبًا، على جزيرة سادت أهلها الأطماع والأحقاد وسوء الأخلاق، فكان هو عنوان الفطنة والنقاء، اللذين نقلهما إلى كل من التف حوله من أطفال الجزيرة.
نعود إلى «نبتة»، المسابقة المخصصة للمحتوى العائلى الخاص بالأطفال، التى تهدف إلى دعم وتشجيع الإبداع فى المحتوى الموجّه للطفل والأسرة، من خلال توفير منصة للشركات وصانعى المحتوى الموهوبين لعرض أعمالهم الفريدة والمتميزة.. إذ تسعى المسابقة لاكتشاف وتعزيز الأعمال الإبداعية المتميزة فى مختلف الفئات الإبداعية، فى الكتابة الإبداعية سواء كتب الأطفال، كتابة السيناريو، الشعر للأطفال، وفى مجال الأفلام، أفلام متحركة، ثنائية أو ثلاثية الأبعاد، أفلام حية للأطفال، سواء قصيرة أو طويلة، وفى مجال الدراما، سواء مسلسلات تليفزيونية أو رقمية للأطفال، متحركة أو حية، بالإضافة إلى الأغانى المخصصة للأطفال ومعالجته وتصميم الشخصيات.. فالمهرجان، إذن، يهدف إلى تكوين شخصية الطفل والوقوف على النقاط المميزة فى شخصيته واكتشاف موهبته.
لأول مرة فى مصر يكون هناك مهرجان خاص بالطفل، ومصصم خصيصًا له.. هذا الشكل من الاهتمام بالطفل على مستوى الوعى والقدرات العقلية والموهبة وتنمية قدراته، شىء إيجابى، بما يقدمه للأطفال من ورش فنية متعددة، من بينها ورش لتعليمهم صناعة الرسوم المتحركة.. فكيف تؤثر هذه الورش بشكل إيجابى على حياة الأطفال؟.
تتيح صناعة الرسوم المتحركة للأطفال فرصة إطلاق العنان لخيالهم الإبداعى، من خلال ابتكار شخصيات وقصص وعوالم جديدة، ما يساعدهم على التعبير عن أنفسهم بشكل فريد، ويحفز مهاراتهم فى حل المشكلات.. وتعد كتابة سيناريو الرسوم المتحركة بمثابة تمرين ممتاز لتنمية مهارات السرد لدى الأطفال؛ إذ يتعلمون كيفية بناء حبكة مقنعة، وتطوير الشخصيات، وربط الأحداث بطريقة مشوقة.. كما تسهم هذه الصناعة فى تنمية مهارات الرسم والتصميم لدى الأطفال، سواء من خلال الرسم اليدوى أو استخدام برامج الكمبيوتر، كما يتعلمون مبادئ التصميم الأساسية مثل التكوين والتوازن واللون.. وهى فرصة للتعرف على مبادئ البرمجة والرسومات المتحركة، ما يساعدهم على اكتساب مهارات تقنية قيمة فى عصرنا الرقمى، وتتيح للأطفال التعرف على مختلف تقنيات صناعة الأفلام، مثل التصوير والمونتاج والمؤثرات الصوتية، ما يثرى ثقافتهم السينمائية.. ومن خلال العمل على مشاريع الرسوم المتحركة بشكل جماعى، يتعلّم الأطفال مهارات التواصل والتعاون الفعّال، وتبادل الأفكار، وحل الخلافات، والعمل معًا لتحقيق هدف مشترك.. وعند رؤية أفلامهم المتحركة مكتملة يشعر الأطفال بالفخر والإنجاز، ما يعزز ثقتهم بأنفسهم ويحفزهم على الاستمرار فى الإبداع والابتكار.. ومن خلال عرض أفلامهم المتحركة أمام الآخرين يتعلم الأطفال كيفية التحدث بثقة، والتعبير عن أفكارهم بشكل واضح وجذاب.. وطبيعى أن يواجه الأطفال خلال عملية صناعة الرسوم المتحركة العديد من التحديات، وهذا يساعدهم على تعلّم مهارات حل المشكلات والتفكير النقدى بشكل إبداعى.. وأخيرًا، فإن صناعة الرسوم المتحركة تعد نشاطًا ممتعًا وترفيهيًا للأطفال، يتيح لهم قضاء وقت ممتع مع أصدقائهم وعائلاتهم.
ما لا يجب المرور عليه مرور الكرام، هو التأكيد على أن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية خاضت مشوارًا طويلًا فى معركتها التى تستهدف الحفاظ على الهوية المصرية والقيم المجتمعية وتعزيز دور الانتماء، خصوصًا لدى الأجيال الجديدة، التى تعانى من التشتت فى ظل الانفتاح التكنولوجى الكبير، الذى يؤثر على هويتهم، من خلال استقبال ثقافات أخرى مغايرة للعادات والتقاليد التى اعتدنا عليها.. لذا تلعب الشركة المتحدة دورًا كبير فى هذا الملف، وكان آخر الجهود الرامية لها تدشين مهرجان «نبتة» تحت مظلة مهرجان العلمين، من أجل تقديم محتوى هادف مخصص للأطفال، يعتمد على استغلال القوى الناعمة وأدواتها المختلفة، لترسيخ روح الانتماء وتعزيز الهوية خصوصًا لدى الأطفال، فقد نجحت «المتحدة» فى استعادة دور المسرح والبرامج الثقافية والمهرجانات المهمة، التى تشكل بيئة ثقافية تدعم فكرة زيادة الانتماء للدولة المصرية.
ولأن النشء الجديد هو الذى سيقود الوطن خلال العقود المقبلة، فقد حرص المهرجان على إحياء محتوى الطفل باللغة العربية، وبما يتناسب مع العادات والتقاليد المصرية، ويتماشى مع فكر وطبيعة الأطفال فى الوقت الحالى والمختلفة عن طبيعة الطفل فى الماضى، حيث يستهدف المهرجان الأطفال من سن ما قبل دخول المدرسة، وهى مرحلة فى غاية الأهمية، لأنها تعد من أهم مراحل التأسيس للطفل.. لذلك، فإن «نبتة» يعد فكرة رائعة، من شأنها الارتقاء بالمحتوى الثقافى المقدم للطفل، وتعزيز الارتباط بالقيم المجتمعية والإنسانية، بعدما افتقدنا هذا الطرح لسنوات طويلة، وباتت من أهم التحديات التى تواجه المجتمع، فى ظل الانفتاح العالمى الذى يزعزع العديد من المفاهيم لدى الطفل، ويؤثر على هويته المصرية.. وسوف يكون لذلك بالتأكيد مردود إيجابى على الأجيال القادمة.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.