رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جريمة الاتجار بالبشر بين القانون وآلية التنفيذ

التعريف الدولى للاتجار بالبشر هو الاستغلال الجنسى بأشكاله والعمل القسرى خاصة للنساء والأطفال وتجارة الأعضاء، ويتم ذلك من خلال تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، ويشمل الاستغلال استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسى، أو السخرة أو الخدمة قسرًا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء وهذه العصابات تستقطب ضحاياها خاصة من النساء والأطفال من خلال إيهامهم بتوفير فرصة عمل كريمة تدر دخلًا مرتفعًا على أسر الضحايا والذين فى الغالب يتم استهدافهم من أماكن فقيرة وبها نزاعات مسلحة وحروب داخلية.

لا شك أن جريمة  الاتجار بالبشر أصبحت ظاهرة شديدة الخطورة تؤرق المجتمع الدولى وتتعاون العديد من البرامج والهيئات التابع للأمم المتحدة للقضاء على هذه الظاهرة وعلى رأسها منظمة العمل الدولية والمجلس الدولى لحقوق الإنسان واليونيسف والمفوضية العليا لشئون اللاجئين وتسعى هذه المنظمات إلى التعاون مع الحكومات للحد من انتشار هذه الظاهرة من خلال تقديم الدعم الفنى والتدريب وحث الدول الأعضاء الـ١٩٣ بالجمعية العامة بالالتزام بتطبيق المادة ٥ من البروتوكول من خلال إصدار تشريع وطنى لتجريم هذه الظاهرة الخطيرة مع التأكيد على مراعاة البُعد الاجتماعى والثقافى والاقتصادى لكل دولة لضمان تطبيق البروتوكول بشكل فعال ومؤثر.

للأسف الشديد تعانى المنطقة العربية، خاصة فى دول الصراع المسلح، من انتشار ظاهرة الهجرة غير الشرعية خاصة بعد ثورات الربيع العربى واستغلال هذه العصابات الثغرات الأمنية على الحدود وضعف التشريعات وانخفاض احتمالات كشف أمرها واعتقال أفرادها، وهو الأمر الذى أسهم بشكل كبير فى انتشار الجرائم الملحقة بالهجرة غير الشرعية وعلى رأسها الاتجار بالبشر، إذ يمكن أن تتحول حالة الهجرة غير المشروعة إلى حالة اتجار بالبشر، إذ أن المهاجرين الذين يتم استغلالهم فى أى مرحلة من العملية يمكن أن يصبحوا ضحايا اتجار بالبشر.

من المتعارف عليه أن ظاهرة الاتجار بالبشر لها نوعان، النوع الأول هو العصابات المنظمة التى تستهدف فئات معينة ويتم تهريبها من خلال شبكات انتقالات معقدة جدًا يُستخدم فيها أشخاص خارجون عن القانون يشكلون النواة لهذه العصابات وعلى رأسهم قباطنة القوارب والمرشدون والسائقون والأشخاص الذين يوفرون وثائق سفر غير قانونية، وهذه النوعية من التشكيلات نجحت بعض الدول، وعلى رأسها مصر، فى التصدى لمثل هذه النوعية من الجرائم التى تهدد الأمن القومى الإقليمى، وقد لاقت هذه المجهودات استحسان المجتمع الدولى وبالأخص دول الاتحاد الأوروبى التى تعانى بشكل كبير من انتشار هذه الظاهرة فى السنوات العشر الأخيرة.

أما النوع الثانى من جريمة الاتجار بالبشر هو الفردى الذى يتم فيه استغلال الأطفال فى العمل القسرى، وعلى سبيل المثال: الأب الذى يُسخّر أولاده فى أعمال التسول أو العمل القسرى بهدف جنى المال أو تزويج الفتيات القاصرات دون سن العشر سنوات وبرغم أن المادة ٦ من القانون ٦٤ لسنة ٢٠١٠ تُجرّم  هذه التصرفات فإن تحقيق الإدانة فى هذه النوعية من الجرائم صعب إلى حد كبير بسبب صعوبة إثباتها نتيجة لضعف آلية تنفيذ القانون وانتشار العادات والتقاليد والموروثات القديمة الخاطئة، خاصة فيما يخص تزويج الفتيات القاصرات.

وبرغم مجهودات الدولة المصرية المستمرة للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة فإننا نحتاج إلى تعديل القانون ٦٤ لسنة ٢٠١٠ ليتماشى مع التغيرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التى طرأت على المجتمع فى السنوات بما يضمن إدراج جميع أنواع جرائم الاتجار بالبشر تحت مظلة القانون، خاصة الفردى منها مع استحداث آلية لتنفيذ القانون مفصلة تضمن بشكل كبير سد جميع الثغرات لضمان القضاء نهائيًا على هذه الظاهرة.

الإعلام هو أحد أهم القوى الناعمة، لذلك من المهم جدًا تنفيذ حملات توعية وتثقيف تشرح فيها خطورة عمل الأطفال دون السن القانونية والتسول وزواج القاصرات، وهذه الحملات تعد رادعًا لمن تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم سواء كانوا الأسرة أو وسطاء الاتجار بالبشر، وفى نفس الوقت تقدم دورًا توعويًا وتثقفيًا لمن يجهل بالقانون ويرضخ تحت تأثير العادات والتقاليد الخاطئة. 
وأخيرًا أود أن أشير إلى أهمية إعادة تأهيل ضحايا عمليات الاتجار بالبشر وعلى رأسهم البنات القاصرات اللائى يتم تزويجهن دون السن القانونية، لأن الضرر النفسى والمعنوى الذى يحدث لهن يكون أسوأ بكثير من الضرر الجسدى، لذلك تكون هناك حاجة ملحة لإعادة التأهيل النفسى لهؤلاء الفتيات لضمان إعادة إدماجهن فى المجتمع مرة أخرى وإعادة بناء الثقة  فى التعامل مع الأشخاص، وهى السياسية التى تنتهجها مؤسسات الدولة وتوليها اهتمامًا كبيرًا، ولكن الأمر يحتاج إلى توسيع دائرة إعادة التأهيل نتيجة لارتفاع أعداد الضحايا مع توسيع دائرة التعاون مع منظمات المجتمع المدنى فى عملية التثقيف والتوعية وإعادة التأهيل النفسى والمعنوى لضحايا ظاهرة الاتجار بالبشر من الأطفال والنساء.

أيمن نصرى

رئيس المنتدى العربى الأوروبى للحوار وحقوق الإنسان بجنيف