رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستشار الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المستقيل: منعونى من استخدام كلمة «فلسطينى» أو «الدولة الفلسطينية»

ألكسندر سميث
ألكسندر سميث

قال المستشار السابق للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ألكسندر سميث، إنه تقدم باستقالته من العمل لدى الوكالة حتى يستطيع أن يتحدث بأمانة عما يحدث فى قطاع غزة من جرائم يومية، بعد أن شعر بالصدمة والرعب مما يحدث، وبالاشمئزاز من سياسات الإدارة الأمريكية الداعمة لإسرائيل، التى توفر لها الغطاء اللازم لتستمر فى حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.

وأضاف «سميث»، فى حديثه لـ«الدستور»، أن الموقف الحالى أصبح يمثل كوميديا سوداء، يخبرنا فيها المتحدثون باسم أمريكا ألا نرى الجرائم التى ترتكب ويوثقها جنود الاحتلال أنفسهم يوميًا، داعيًا قادة العالم إلى إدانة الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة، مع تقديم مرتكبيها إلى العدالة.

■ بداية.. ما أسباب تقديم استقالتك من منصبك لدى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية؟

- عملت مستشارًا أول لدى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية «USAID» لمدة أربع سنوات، وقد شعرت بالإحباط والاشمئزاز بشكل متزايد من التعامل الأمريكى مع الحرب فى غزة، وفى موقفى، افترضت أن أفضل ما يمكننى فعله هو التحدث بأمانة ودقة عن قضايا الصحة العالمية وحقوق الإنسان فى غزة. 

وأنا أعمل فى مجالات القانون وحقوق الإنسان والصحة العالمية منذ أكثر من عشرين عامًا، وخلال مسيرتى المهنية، أدركت حقًا أن كل الناس هم بشر متساوون، وأن كل شخص يولد ولديه قيمة، وأن حقوق الإنسان غير قابلة للتصرف، وقد تم دمج هذه المبادئ نفسها فى القانون الدولى.

وكطالب قانون وطالب صحة عامة، قررت أن أدرس القانون الدولى وقانون حقوق الإنسان والصحة العالمية، مع تطبيق هذه المبادئ نفسها على عملى فى جميع أنحاء العالم.

وقد عملت فى أفغانستان فى أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، وفى السودان وجنوب السودان، وفى البلقان، وفى غرب إفريقيا، وشرق إفريقيا، وجنوب شرق آسيا، والأردن، ولفترة وجيزة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، أى أننى لست غريبًا على الصراعات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

ومع ذلك، فقد شعرت بالصدمة والرعب مما نراه اليوم فى غزة، وقد وصفت «يونيسف» وآخرون الأحداث الأخيرة بأنها «حرب على الأطفال»، ونحن نرى الأدلة على تلك الحرب كل يوم فى الأخبار وعلى وسائل التواصل الاجتماعى، وقد رأينا قنابل زنة ٢٠٠٠ رطل تمسح الأحياء بشكل عشوائى، ورأينا أطفالًا يتحولون إلى هياكل عظمية بشرية بسبب الجوع، وقد رأينا عددًا كبيرًا جدًا من الجثث الصغيرة التى لا حياة فيها.

وفى الوقت نفسه، من المهم أن نعترف بأن هذه الحوادث ليست سوى الأحدث فيما وصفته محكمة العدل الدولية، مؤخرًا، بأنه احتلال غير قانونى وفصل عنصرى دام لعقود من الزمن، وهذه لحظة خطيرة فى تاريخ العالم.

■ كيف رأيت تعامل الإدارة الأمريكية مع الحرب فى غزة؟

- لمنع وقوع المزيد من الجرائم والإبادة الجماعية، يتعين على زعماء العالم وأولئك الذين فى مواقع السلطة أن يدينوا بلا تحفظ الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة، وأن يقدموا مرتكبيها إلى العدالة. 

ومن المؤسف أن إدارة الرئيس جو بايدن فعلت العكس تمامًا، ووفرت الغطاء السياسى لجرائم الحرب، وعرقلت قرارات الأمم المتحدة، وقرارات لوقف إطلاق النار، كما عرقلت الاعتراف بحقوق الفلسطينيين فى الحرية وتقرير المصير، مع توفير الأسلحة ذاتها لمواصلة الإبادة الجماعية. 

والولايات المتحدة تقدم المساعدات الإنسانية إلى غزة، لكن معظمها لا يصل إلى الناس بسبب إغلاق الحدود الإسرائيلية والتأخيرات، وغيرها من السياسات المعوقة.

وردًا على هذه الجريمة وغيرها من جرائم الحرب الموثقة جيدًا، تعرب الولايات المتحدة عن «قلقها»، وتطلب من إسرائيل التحقيق فيما ارتكبته بنفسها فى مرحلة ما فى المستقبل.

وبذلك، فإن الولايات المتحدة لا تخذل شعب غزة فحسب، بل تقوّض أيضًا نظام القانون الدولى برمته، الذى تم إقراره بعد الحرب العالمية الثانية، لمنع ومعاقبة الجرائم التى تسبب معاناة هائلة.

ومن شأن هذه السياسات أن تخلق عالمًا- بحكم الأمر الواقع- بلا قواعد، حيث قد يفعل الأقوياء ما يريدون بأولئك الذين لا سلطة لهم، وهذا يزيد من مخاطر زعزعة الاستقرار على نطاق واسع، والصراع، والمزيد من المعاناة.

■ متى اتخذت قرار الاستقالة؟

- كان من المقرر أن أقدم جلسة أمام مؤتمر زملاء وشركاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية حول نتائج صحة الأم والطفل فى غزة، وتم تقديم العرض التقديمى الخاص بى فى فبراير ٢٠٢٤، وتم فحص جودته فى ثلاث جولات بواسطة ٣٥ مراجعًا.

وكان ذلك يتماشى مع موضوعات المؤتمر، التى كان أحدها يتعلق بحقيقة أن نساء السكان الأصليين والنساء من الأقليات العرقية والإثنية غالبًا ما يعانين ارتفاع معدلات وفيات الأمهات، وغيرها من النتائج السلبية على صحة الأم.

وقد أردت أن أنظر إلى هذه القضية تحديدًا فى سياق غزة، باستخدام بيانات موثقة من الأمم المتحدة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وأن أقدم بحثًا حول الآثار الصحية القصيرة والطويلة المدى لتجويع وقصف الأطفال والنساء الحوامل فى الصراعات السابقة.

ولكن، قبل أيام قليلة من العرض الذى قدمته، تلقيت قائمة من الكلمات المحظورة من قيادة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بما فى ذلك «الحدود بين إسرائيل وغزة»، و«الدولة الفلسطينية»، و«فلسطينى»، فى إشارة إلى المواطنين «الفلسطينيين- العرب فى إسرائيل»، الذين يعرفون بأنهم فلسطينيون.

وقيل لى، أيضًا، إن خريطة غزة، التى وضعها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، والتى تصف بدقة الحدود فى عام ٢٠٢٢، هى «غير مقبولة».

وفى وقت لاحق من نفس اليوم، تم إلغاء جلستى دون تفسير، وتم حذف كل إشارة إليها بهدوء من موقع المؤتمر على الإنترنت، وتم السماح بتقديم عروض ذات طبيعة مماثلة حول أى منطقة أخرى، لذا كان من الواضح أن هذا كان قرارًا لإسكات الحديث عن النساء والأطفال فى غزة، رغم أنه لا ينبغى فرض الرقابة على المناقشات المتعلقة بالصحة وحقوق الإنسان.

وكما قلت فى خطاب استقالتى «لا أستطيع أن أقوم بعملى فى بيئة لا يمكن فيها الاعتراف بأشخاص محددين كبشر كاملين، أو حيث تنطبق مبادئ النوع الاجتماعى وحقوق الإنسان على البعض، ولكن ليس على الآخرين، اعتمادًا على عرقهم».

■ تتزايد الانتقادات لأمريكا بسبب دعمها العسكرى لإسرائيل.. كيف يمكن لواشنطن الاستمرار فى تقديم هذا الدعم لدولة ترتكب إبادة جماعية ضد شعب أعزل؟

- تحظر القوانين المحلية الأمريكية والقوانين الدولية الدعم العسكرى وبيع الأسلحة لدولة ترتكب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، أو ترتكب الإبادة الجماعية.

ووفقًا لمنظمات «هيومن رايتس ووتش» و«أوكسفام» و«أطباء بلا حدود» و«إنقاذ الطفولة»، و«يونيسف»، والمدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، والعديد من منظمات الأمم المتحدة، بل حتى منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، مثل «بتسيلم»، وكل سلطة مستقلة أخرى معنية بحقوق الإنسان.

فإن إسرائيل ترتكب جرائم تثير الاهتمام الدولى، حتى إن الولايات المتحدة ذكرت عن طريق وزارة الخارجية فى مايو ٢٠٢٤ أنه «من المعقول تقييم» أن إسرائيل انتهكت القانون الإنسانى الدولى أثناء قيامها بعمليات عسكرية فى غزة.

ولكن، وفى تطور غريب للأحداث لا أستطيع فهمه بصراحة، اختار وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، والرئيس جو بايدن، تجاهل كل هذه المنظمات والتقارير، وحتى خبراء وزارة الخارجية التابعين لهم، وقرروا مواصلة المساعدات العسكرية لإسرائيل، فى انتهاك للقانون الأمريكى والدولى.

لذا، يتعين علينا الآن أن نتعايش مع موقف كوميدى قاتم، حيث يخبرنا ممثلو الولايات المتحدة والمتحدثون باسمها بأننا لا نرى الجرائم التى نشهدها كل يوم، والتى يمكن لأى شخص لديه هاتف أن يشاهد الإبادة الجماعية وهى تتكشف، وأن يرى ٩ أشهر من جثث الأطفال المشوهة، والجثث الممزقة، والمقابر الجماعية، وشهادات مباشرة من الأطباء والصحفيين عن التعذيب والقتل والتجويع المتعمد على نطاق واسع، والذى لا يتوقف أبدًا.

وجنود الجيش الإسرائيلى أنفسهم يوثقون جرائمهم على وسائل التواصل الاجتماعى، وهم يضحكون وهم يدمرون الجامعات والمستشفيات والمنازل ومرافق المياه، أو يطلقون القذائف بشكل عشوائى على الأحياء.

وقد شاهد العالم وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت وهو يعلن قرار قطع الغذاء والماء، معترفًا فى الواقع بنيته ارتكاب جريمة حرب، ثم نفذ تلك الجريمة.

وهذه الجرائم مروعة، ويجب أن تكون مزعجة للغاية للجميع، واستمرار الدعم العسكرى، باستخدام أموال دافعى الضرائب الأمريكيين، يجعل كل أمريكى صاحب ضمير حى يشعر كما لو أنه يشارك بنشاط فى هذه الإبادة الجماعية، وينبغى أن يكون ذلك أيضًا مقلقًا للغاية.

■ هل تعتقد أن نائبة الرئيس الأمريكى كامالا هاريس ستستمر فى تقديم نفس الدعم لإسرائيل إذا تم انتخابها رئيسًا؟

- أود أن أرى «هاريس» تتقدم لتقول بوضوح وبشكل لا لبس فيه إنها ستستخدم كل قوتها لوقف الإبادة الجماعية، وإنهاء الاحتلال، ومعاقبة الفصل العنصرى وغيره من الجرائم، وهناك طريقة أخرى لقول ذلك، وهى «إدارتى سوف تلتزم بالقانون الدولى وتنفذه»، بما فى ذلك قرارات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والقرارات الاستشارية الصادرة عن محكمة العدل الدولية.

وبعد لقائها مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ذهبت «هاريس» إلى ما هو أبعد من «بايدن» فى الاعتراف بالمجاعة وسوء التغذية الحاد والتهجير والمعاناة فى غزة، كما أقرت بأن الفلسطينيين يجب أن يتمتعوا بالحق فى الحرية وتقرير المصير فى مرحلة ما فى المستقبل، وهذه تصريحات إيجابية إلى حد ما، ومع ذلك، فإن التعاطف دون تغيير حقيقى فى السياسات ليس كافيًا. 

وفى عام ٢٠١٧، خاطبت كامالا هاريس لجنة «AIPAC»، وأدلت بتصريحات مثيرة للقلق للغاية حول الوقوف إلى جانب إسرائيل بسبب «قيمنا المشتركة»، كما كررت أساطير عنصرية حول «جعل الصحراء تزدهر»، فى إشارة ضمنية إلى أنه لم يكن أحد يعيش على الأراضى الفلسطينية أو يهتم بها قبل عام ١٩٤٨. 

وفى عام ٢٠١٧، شاركت «هاريس» فى رعاية إجراء فى مجلس الشيوخ يدين قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذى يدين المستوطنات غير القانونية فى الضفة الغربية المحتلة، وآمل أن تكون قد ثقفت نفسها وتطورت فى فهمها للمنطقة منذ ذلك الحين، لكنى لم أر دليلًا على هذا التغيير بعد.

■ برأيك.. لمن سيصوت الناخبون العرب فى الانتخابات الرئاسية المقبلة فى الولايات المتأرجحة مثل ميشيجان وأوهايو وبنسلفانيا؟

- مرة أخرى، أعتقد أن الأمر يعتمد حقًا على قرارات كامالا هاريس خلال الأشهر القليلة المقبلة، ولا أستطيع أن أخبر الناخبين الآخرين كيف يجب أن يتصرفوا تجاه الإبادة الجماعية، خاصة إذا فقدوا أفرادًا من عائلتهم، فقد يختار العديد من الأشخاص المرشحة كامالا هاريس على المرشح دونالد ترامب، باعتبارها أهون الشرين فيما يتعلق بقضايا الحقوق الإنجابية والمناخ والعدالة الاقتصادية.

أما من جهتى، فلا أستطيع التصويت لأى مرشح يدعم استمرار الدعم العسكرى للإبادة الجماعية أو يرفض الدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار، وأعتقد أن الكثير من الناخبين الشباب والناخبين العرب وأى شخص لديه ضمير سيشعر بنفس الشعور.

أى أن الأمر متروك لكامالا هاريس لتقرر ما إذا كانت تريد أصواتنا أم لا.

■ كثيرون فى الإدارة الأمريكية يرفضون هذا الدعم لإسرائيل.. فهل هناك نوايا أمريكية لتغيير ذلك فى المستقبل؟ 

- من خلال تجربتى، أعلم أن المئات من الزملاء فى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والآلاف من الزملاء فى الوكالات الحكومية الأخرى، قد أعربوا عن معارضتهم السياسات الإسرائيلية، من خلال برقيات ورسائل معارضة إلى قيادة الوكالات الفيدرالية، لكن لا يبدو أن لهذه الأمور أى تأثير واضح على سياسة الولايات المتحدة.

وحتى الآن، قدم ١٢ شخصًا، بمن فيهم أنا، استقالتهم علنًا لتقديم الدعم لغزة، ويخطط آخرون للاستقالة. وقد يكون لذلك تأثير طفيف، على الأقل «كما نأمل» فى لفت انتباه الرأى العام إلى غزة.

■ تواصل الإدارة الأمريكية تأكيد حرصها على إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة مع الدعوة لحل الدولتين.. فكيف ترى ذلك؟

- الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تعهدت مؤخرًا بتقديم ١٠٠ مليون دولار إضافية كمساعدات غذائية لغزة، ومع ذلك، إذا منعت إسرائيل معظم المساعدات على الحدود، فإن مشاكل سوء التغذية الحاد سوف تستمر وسيحمل مئات الآلاف من الأطفال ندوب المجاعة طوال حياتهم.