رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معهد سيبرى: تداعيات تغير المناخ قد تساهم فى زيادة معدلات العنف فى المدن

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

يشكل تغير المناخ تحديًا عالميًا يتجاوز التأثيرات البيئية البحتة ليشمل تداعيات اجتماعية واقتصادية وسياسية متعددة، ففي السنوات الأخيرة، أصبح من الواضح أن تغير المناخ لا يؤدي فقط إلى تغيرات في الطقس والبيئة الطبيعية، بل يمكن أن يسهم أيضًا في زيادة العنف في المدن وغيرها من المجتمعات الحضرية.

وذكر تقرير أصدره معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام "سيبرى" أن العلاقة بين تغير المناخ والعنف الحضري ستزداد تواترًا مع مرور الوقت، مع التركيز على كيف يمكن لتغير المناخ أن يزيد من التوترات الاجتماعية ويؤدي إلى اندلاع العنف في المدن.

وأشار التقرير إلى أن المدن تعتبر من أكثر المناطق عرضة لتأثيرات تغير المناخ نظرًا لارتفاع الكثافة السكانية واعتمادها الكبير على البنية التحتية والخدمات الأساسية التي يمكن أن تتعرض للضرر بسبب الكوارث الطبيعية. ومن بين التأثيرات الأكثر شيوعًا لتغير المناخ في المدن؛ حدوث الفيضانات وازدياد موجات الحرارة وندرة المياه.

تدمر الممتلكات وتعرض حياة الناس للخطر


فنتيجة لتغير أنماط هطول الأمطار وارتفاع مستوى سطح البحر، يواجه العديد من المدن مخاطر متزايدة للفيضانات. هذه الفيضانات يمكن أن تدمر الممتلكات وتعرض حياة الناس للخطر، وخاصة في الأحياء الفقيرة والمناطق العشوائية، فعلى الصعيد العالمي، يعيش حوالي 25 في المائة من سكان العالم في مناطق عالية الخطورة للفيضانات، والغالبية العظمى منهم في البلدان النامية، فالفيضانات لها تأثيرات متعددة على المدن، بما في ذلك زيادة المخاطر الصحية العامة وتفشي الأمراض عندما تتعرض أنظمة المياه والصرف الصحي للخطر، وتدمير أو إتلاف الممتلكات. يمكن أن تؤثر الفيضانات بشكل غير متناسب على الفقراء في المناطق الحضرية، خاصة إذا كانوا يعيشون في مستوطنات غير رسمية في مناطق عرضة للفيضانات.
وأضاف التقرير أنه مع استمرار الاتجاه الصاعد في ارتفاع درجات الحرارة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة في معدلات الوفيات، خاصة بين الفئات الأكثر ضعفًا مثل كبار السن والفقراء، كما أن موجات الحرارة يمكن أن تؤدي إلى زيادة التوترات الاجتماعية، بسبب الضغط على موارد مثل المياه والطاقة. بالإضافة إلى أنه مع تغير المناخ، تصبح الموارد المائية أكثر ندرة، مما يؤدي إلى صراعات حول توزيع المياه واستخدامها، خاصة في المدن الكبرى التي تعتمد على مصادر محدودة من المياه.


وكشف تقرير سيبرى عن أنه توجد علاقة معقدة بين تغير المناخ والعنف الحضري، حيث يمكن أن يسهم تغير المناخ في زيادة العنف من خلال عدة طرق: أولًا زيادة الفقر والتهميش، حيث يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم الفقر والتهميش في المدن، مما يزيد من حدة السخط الاجتماعي ويؤدي إلى اندلاع أعمال العنف، وعلى سبيل المثال، قد تؤدي الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات إلى تدمير مساكن الفقراء، مما يدفعهم إلى الاحتجاج ضد السلطات التي ينظر إليها على أنها مقصرة في حمايتهم.


وثانيا التنافس على الموارد، حيث مع ندرة الموارد مثل المياه والغذاء، يمكن أن ينشأ التنافس بين المجتمعات الحضرية، مما يزيد من احتمالية الصراعات، وفي بعض الحالات، قد تتحول هذه الصراعات إلى أعمال عنف جماعية، حسبما ذكر تقرير سيبرى، أما النمط الثالث لتداعيات تغير المناخ وتأثيراتها على زيادة العنف فهى ضعف الحوكمة، ففى العديد من الحالات، تفتقر الحكومات المحلية إلى القدرات اللازمة للتعامل مع تداعيات تغير المناخ. وعندما يشعر المواطنون بأن السلطات غير قادرة على حمايتهم أو تلبية احتياجاتهم الأساسية، قد يتجهون إلى العنف كوسيلة للتعبير عن غضبهم وإحباطهم.


في السنوات الأخيرة، شهد العالم العديد من الأمثلة على العنف الحضري الذي يمكن ربطه بتغير المناخ. على سبيل المثال:
في عام 2006، وخلال الفيضانات التي ضربت أكرا، غانا في عام 2006، لم تتلقَ المجتمعات الفقيرة أي مساعدة ملموسة من السلطات، مما دفع السكان إلى الاحتجاج وهذه الاحتجاجات تحولت إلى أعمال شغب في بعض المناطق.

وفى نموذج آخر على حدوث العنف في المجتمعات نتيجة التغيرات المناخية غير المتوقعة، شهدت نيروبي فى السنوات الأخيرة عدة موجات من الفيضانات التي أثرت على مئات الآلاف من السكان. وكانت استجابة الحكومة لهذه الكوارث متواضعة، مما أدى إلى إجلاء قسري للسكان الفقراء وتدمير منازلهم، مما أثار غضب واستياء المجتمعات المتضررة. وفي بعض الحالات، تسهم استجابات الجهات الرسمية لتأثيرات تغير المناخ في تفاقم الوضع بالنسبة للمجتمعات المتضررة. على سبيل المثال، أدت الفيضانات الأخيرة في نيروبي، كينيا، إلى تأثيرات على أكثر من 380،000 شخص في جميع أنحاء المدينة، لكن استجابة الحكومة زادت من صعوبة الوضع بالنسبة للمجتمعات الفقيرة. وذكرت التقارير أن الحكومة، مستندة إلى "واجبها في حماية الأرواح"، قامت بإجلاء سكان ذوي الدخل المنخفض الذين يعيشون على بُعد 30 مترًا من المناطق النهرية، وهدمت منازلهم وقدمت لهم مأوى مؤقتًا. وزاد من السخط والاحتقان ضد الحكومة أن العديد من الأسر المتضررة لم تتلقَ بعد التعويض المالي الذي وعد به الرئيس الكيني ويليام روتو.


وأوضح تقرير معهد سيبرى أنه رغم وجود بعض الأبحاث التي تربط بين تغير المناخ والعنف الحضري، إلا أن هذا المجال لا يزال يحتاج إلى مزيد من الدراسات لفهم هذه العلاقة بشكل أعمق.


وأشار التقرير إلى أنه من أجل تقليل خطر العنف الحضري الناجم عن تغير المناخ، هناك عدة توصيات يجب أخذها في الاعتبار، أولًا: تعزيز الحوكمة المحلية حيث يتوجب على الحكومات المحلية تحسين قدراتها في إدارة الكوارث وتقديم الدعم اللازم للمجتمعات الضعيفة، بما في ذلك تحسين البنية التحتية الحضرية وزيادة الاستثمار في الإسكان الآمن. وثانيًا: إشراك المجتمع المدنى، فمن المهم إشراك المجتمعات المحلية في تخطيط وتنفيذ سياسات التكيف مع تغير المناخ، لضمان أن تكون هذه السياسات عادلة وتلبي احتياجات الجميع. أما ثالثًا فهى تحسين الاستجابات للازمات، فيجب على السلطات تحسين استجابتها للكوارث المناخية من خلال تقديم المساعدة الفورية والفعالة للمتضررين، وضمان أن تكون هذه المساعدة موزعة بشكل عادل. والتوصية الرابعة، طبقًا لتقرير معهد سيبرى، هى تعزيز البحث العلمى حيث يجب دعم الأبحاث العلمية لفهم العلاقة بين تغير المناخ والعنف الحضري بشكل أفضل، واستخدام النتائج لتوجيه السياسات المستقبلية.


وأبرز التقرير أن تغير المناخ هو تحدٍ عالمي له تأثيرات بعيدة المدى على المجتمعات الحضرية، بما في ذلك زيادة خطر العنف. من خلال فهم هذه العلاقة المعقدة واتخاذ التدابير المناسبة، يمكن للمدن أن تكون أكثر استعدادًا لمواجهة التحديات المستقبلية وتقليل مخاطر العنف الناجم عن تغير المناخ، حيث ستلعب المدن دورًا رئيسيًا في مستقبل البشرية. في عام 2022، عاش أكثر من نصف سكان العالم (57 في المائة) في المناطق الحضرية، ومن المتوقع أن تصل النسبة إلى ما يقارب 70 في المائة بحلول عام 2050. 


فالمدن تلعب دورًا بارزًا في النقاش حول تغير المناخ نظرًا لبصمتها الكربونية، وفي العديد من الحالات، قيادتها وابتكارها في التحول الأخضر، لكنها أيضًا معرضة بشكل فريد لتأثيرات تغير المناخ.


وأضاف التقرير أن هناك أسبابًا قوية للاعتقاد بأن تأثيرات تغير المناخ قد تزيد من خطر العنف في المدن والمجتمعات الحضرية المتأثرة. عندما تفشل السلطات في حماية ودعم المجتمعات، وخاصة عندما تُدرك تصرفات السلطات، أو حتى المواطنين أو الشركات الخاصة، أنها تسهم في تهميش المجتمع وزيادة هشاشته، يمكن أن يكون ذلك مصدرًا للغضب والاستياء.


ونقل التقرير عن أبحاث حول العنف الحضري تشير إلى أن مثل هذه المظالم يمكن أن تكون مصدرًا للعنف، سواء كان مباشرًا أو غير مباشر. ومع التوسع السريع في التحضر عالميًا، وازدياد تأثير تغير المناخ على المدن، فمن المعقول افتراض أنه ما لم يتم اتخاذ خطوات لتقليل هشاشة المجتمعات الحضرية، وزيادة قدرتها على الصمود، وتوفير استجابات عادلة وكافية، قد يزيد تغير المناخ من المظالم بين المجتمعات الحضرية التي قد تتفاقم وتؤدي إلى العنف.