في قلب حي الدرب الأحمر العريق بالقاهرة، يستمر العم صبحي العمدة في حمل شعلة حرفة تقليدية يمتد عمرها لأكثر من مائتي وخمسين عامًا، وهى حرفة خرط الأشجار.. أصبحت هذه الحرفة التي ورثها عن أبيه وأجداده جزءًا لا يتجزأ من حياته اليومية، ويحرص اليوم على توريثها لأبنائه، لضمان استمرارها في العائلة.
حرفة خرط الأشجار
ويروي العمدة حكايته لـ"الدستور"، قائلًا: "منذ قديم الأزل كان عملنا يقتصر على صناعة الأورمة والهون وهي حرف تقليدية توارثناها عبر الأجيال، لكن عندما افتتحت ورشتي الخاصة، أدركت أن الوقت قد حان لتوسيع نطاق ما نقدمه فأضفت إلى قائمة منتجاتنا بعض الأدوات المنزلية الأخرى كالأطباق والدكك والكراسي المصنوعة من أخشاب الأشجار المحلية، وقررت أيضًا إعادة إحياء صناعة القبقاب التي كانت على وشك الاندثار بعد وفاة صناعه القدامى؛ لأنني شعرت بمسؤولية تجاه هذه الحرفة العريقة فهي جزء من تراثنا، وكنت مصممًا على ألا تضيع تلك الحرفة بين أيدي النسيان".
حرف تقليدية تعافر من أجل البقاء
لم يكن سهلًا للعم "صبحي" في الحفاظ على مهنة أجداده من الاندثار؛ بسبب التطور المستمر في المعدات والآلات، كما أن التوازن بين الحفاظ على التراث وتبني التكنولوجيا الحديثة هو مسألة بالغة الصعوبة، لكنها ضرورية لضمان بقاء الحرفة واستمراريتها في وجه التغيرات السريعة، قائلًا بقلق: "هذه الآلات الجديدة تتطلب مبالغ كبيرة من المال لشرائها وهذا يمثل تحديًا حقيقيًا للحرفيين الذين يرغبون في مواكبة التقدم التكنولوجي دون أن يتخلوا عن جوهر الحرفة التقليدي".
من أبرز ما يقدمه "العمدة"، هو صناعة الأطباق الخشبية التي يعتبرها من أفضل الأدوات المستخدمة في تناول الطعام، ويشير إلى أن هذه الأطباق تُصنع من مواد طبيعية بالكامل فلا تتفاعل مع الطعام ولا تؤثر على نكهته؛ مما يجعلها خيارًا صحيًا مقارنة بالأطباق البلاستيكية التي تحتوي على مواد قد تكون ضارة بالصحة.
تُعتبر الأطباق الخشبية التي يصنعها العم "صبحي" الأكثر شهرة وطلبًا خصوصًا في المطاعم والفنادق التي تفضل هذا النوع من الأدوات؛ لجودتها وجاذبيتها الطبيعية، كما أن هذه الأطباق تحظى بشعبية كبيرة بين الأجانب؛ حيث يأتون خصيصًا من أجل شرائها، إلى جانب الفلسطينيين وبدو العريش الذين يستخدمونها بشكل كبير، خاصة الهون الخشبي لطحن الطعام.
الصناعات الخشبية
تمر صناعة الأطباق الخشبية بعدة مراحل تبدأ بقطع جذوع الأشجار باستخدام المنشار؛ لتأخذ الشكل الأولي للطبق، بعدها تُستخدم المخرطة؛ لإعطاء الطبق شكله النهائي، وفي المرحلة الأخيرة تُصنفر الأطباق؛ لتصبح ناعمة وملساء، ويحرص "العمدة" على عدم دهن الأطباق بأي مواد كيميائية، مفضلًا ترك الأخشاب بألوانها الطبيعية؛ للحفاظ على صحتها وسلامتها.
اختتم العم "صبحي" حديثه عن الفارق الكبير بين مهنة خرط الأشجار قديمًا وحديثًا، مشيرًا إلى أن جده كان يعمل بالقوس البلدي (آلة تقليدية كانت تُشغل يدويًا باستخدام الدوبارة)، وكانت جدته تشاركه في تشغيل هذه الماكينة البدائية، ولكن مع دخول الكهرباء إلى مصر، شهدت الحرفة تطورًا كبيرًا في الأدوات المستخدمة؛ حيث ظهرت ماكينات المخارط الكهربائية التي سهلت العمل بشكل ملحوظ وجعلته أسرع وأدق.