ماذا يحدث فى المدارس الخاصة؟.. فزورة الأسبوع المقبل
لم ننته بعد من حوارات الثانوية العامة.. لسه الشربات مبلول.. التهانى والزغاريد على «فيسبوك».. تشرح القلب.. والألغاز أيضًا.. موسم الثانوية لسه ماخلصناش منه.. وإذ فجأة يا مؤمن.. اتصالات لا تنتهى لأولياء الأمور من المدارس الخاصة.. المطالبة بالقسط الأول من مصاريف العام الدراسى الجديد.. جديد إيه يا جماعة؟.. لسه فيه امتحانات دور تانى.. لسه فيه شهرين كمان.. ومن المدارس الخاصة لأصحاب السناتر.. والمدرسين.. وجروبات الماميز.. الكل يعرض بضاعته.. الحق النهاردة وبكرة عشان بعد بكرة ما فيش.. يعنى إيه؟.. يعنى أولادنا مطلوب منهم الدخول فى مطحنة الدروس الخصوصية من الآن.. طب افرض الوزير الجديد هيغير المناهج.. إيه الوضع؟.. وإيه حالة الصرع دى من المدرسين والمدارس الخاصة؟.. طبعًا لن يتوجه أحدنا بأى سؤال لمعالى الوزير.. الإجابة معروفة سلفًا.. إذن هل يلجأ الناس للبرلمان.. البرلمان فى إجازة.. طب الناس تروح فين.. لقد قرر السادة أصحاب المدارس الخاصة رفع قيمة المصاريف إلى الضعف.. طب إزاى؟.. ومين اللى حدد النسبة؟.. الوزارة لسه ما قالتش حاجة؟.. ادفع.. ولما الوزارة تقول نخصم من القسط الأخير.. هكذا يرد موظفو العلاقات العامة وهم يتصلون بأولياء الأمور الذين لم يخرجوا من توهة العام الماضى بعد.. هناك عدد غير قليل لديه ملاحق وامتحانات دور ثانٍ فكيف يفكر فى عام جديد؟
ما يحدث فى سوق وبيزنس التعليم يشبه إلى حد كبير ما يحدث فى شارع الرياضة.. فقد اكتشفنا فجأة أن بطولة الكأس تحتاج للتأجيل.. واكتشف المدربون أنهم فى حاجة لالتقاط أنفاسهم، واكتشف اللاعبون أنهم فى حاجة إلى راحة.. الجميع مجهد.. والإدارة تناكف الأندية بحثًا عن مخرج.. هوه إحنا ليه كل سنة بنظام؟.. هوه ليه العبث ده من أصله؟.. ما حدش بيخترع العجلة.. أيام العمل فى أى موقع بالعالم معروفة.. وأيام الإجازات أيضًا.. فلماذا ننفرد نحن بنظرية العزف المستمر والنزف المستمر؟
لا أتحدث هنا عن أهلى أو زمالك.. ولا عن مصاريف مدارس أصبحت بمئات الآلاف فى ظل ضغط أسعار موجع.. وتحديات مذهلة لأصحاب البيوت.. الحكاية مش مستحملة لخبطة.
ومثلما نحن فى حاجة إلى نظام عاجل ومنضبط فى التعليم والرياضات يقينا شر الفهلوة ونظرية اللى عايز حاجة بيعملها.. نحن فى حاجة إلى علاج فورى لفكرة الرعب التى تنتاب أسواقنا كلما سمعنا خبرًا عن توترات محتملة فى إقليمنا.
لقد صرنا نخاف من المجهول ونفكر فيه.. لم تعد هناك شوارع فاصلة بين ما يحدث فى غزة وسعر المكرونة فى سوهاج.. ما يحدث فى روسيا وإيران.. وبورصات العالم تدخل إلى جمجمة فلاح على رأس الغيط فى الصعيد.. لقد أصبح الرجل مهمومًا باقتصاد العالم وسياسة العالم.. لأنه أدرك أنه سعر شيكارة الكيماوى مرتبط بما يحدث فى أى حتة فى العالم.. الكثيرون منا هجروا نشرات الأخبار وبرامج التوك شو.. حتى قراءات الطالع أصبحت تصيبنا بالفزع.
نحن فى وضع دولى معقد جدًا.. والضغوط التى يتلقاها المواطن العادى تفوق قدرته على التحليل بشكل سليم.. هذه أحداث لم نجربها منذ سنوات طويلة.. نحن فى حاجة إلى العمل بشكل مختلف.. لن تتوقف الحياة حتمًا.. لكننا بحاجة إلى الحلم أيضًا.. إلى الأمل.. وهذا ما لا نجده للأسف فى صحف الصباح.
الذين أعرفهم من أصحاب المهن الحرة.. يتحدثون فى جلساتهم الصيفية الآن عن انهيارات البورصة فى أمريكا.. عن المتطرفين فى لندن.. عن بنجلاديش.. عن كوريا الشمالية.. يترقبون ماذا سيحدث بعد اختيار خليفة إسماعيل هنية.. وللأسف.. الذين يروجون لفكرة الحرب المنتظرة وتداعياتها على اقتصاديات العالم صارت هى الصورة الأبرز فى خيالات حتى الأطفال.
لم تخطفنا مباريات الأوليمبياد وموسيقى باريس من هموم مستجدة على الكثيرين من الأجيال الجديدة.. لقد فرحنا فترات قليلة جدًا برجال المنتخب الأوليمبى.. اصطف المصريون كعادتهم خلف حلم بسيط بنجاح فى محفل دولى حتى وإن كان فى كرة القدم.. لكن جرعة باريس لم تكن كافية لطرد أفكار الحرب المنتظرة من رءوسنا.. التكنولوجيا لم تكن نعمة أبدًا بالنسبة لمن هم مثلنا.. نحن لا نتابع الأخبار الآن.. نحن نأكلها.. ونشربها ونستحم بها.. ربما كان هذا الاهتمام الضاغط سببًا لانصراف الكثيرين عن أعمال طيبة وأحلام تتحقق على الأرض فى مجالات كثيرة حولنا.. لكننا لم ننتبه.. طغى حديث أهل الحرب على الكل.. وزاد الطين بلة خطاب من يريدونها حربًا دينية.. هكذا يشعلها قادة الكيان.. ورغم خطورة تصريحات قادته فى الأيام الأخيرة.. فإن اللعبة لم تنجح كثيرًا.. باختصار هناك حالة دوشة فى سماء العالم.. اختلط فيها ما هو شخصى بما هو عام.. المحلى والدولى.. الأسلحة الحديثة بأطباق الكشرى.. الوضع غريب وجديد بالنسبة للكثيرين منا، لكن الحياة لن تتوقف قطعًا.. وأصحاب المدارس الخاصة لن يتوقفوا عن الزن.. ومحللو برامج الرياضة عن الطنطنة.. والقليلون لن تتوقف شرايينهم عن الحلم.. الحلم بنهاية هذه الدوشة.. الآن وقبل الغد.