الضرائب.. من المواطن إلى حياته الكريمة
الدور الذي تلعبه الضرائب في تعبئة الموارد المالية للدول وإعطاء أقصى قدر من الفعالية الاقتصادية، جعل کل دول العالم تعتمد على هذه الوسيلة، التي تشكل منبعًا ماليًا أساسيًا، لا يمكنه أن يختفي ما دام هناك اقتصاد يشمل نشاطات صناعية وتجارية خاضعة، تُقتطع عليها حصص مالية، تتوجه فيما بعد إلى تمويل النفقات العمومية، والتكفل المباشر بالاستثمارات والخدمات ذات الطبيعة الاجتماعية، التي تعتبر ضرورة الحياة المُتحضرة.. ولا يمكن تحقيق هذا، إلا بتطبيق سياسة ضريبية فعَّالة، ترتكز على الضرائب ذات المردودية المالية العالية، والمقبولة سياسيًا واجتماعيًا، بغية تحقيق أهداف الدولة وقيامها بواجباتها المختلفة، دون خلق صعوبات للممولين.. ولعل أهم ما يميز الفترة الحالية من مسيرة الإصلاح الاقتصادي في مصر، هو سرعة استجابة الدولة لمطالب قطاع أصحاب الأعمال واحتياجات المجتمع، والتطور التكنولوجي الهائل في المنظومة الضريبية.. فالتواصل مع المجتمع المدني والمجتمع الضريبي، هو إحدى وسائل نجاح أي إدارة ضريبية، لأن الكل شركاء نجاح، سواء فى المنظومة الضريبية أو المجتمع الضريبي أو التشريع الضريبي، شريطة الحرص على الاستماع إلى المشكلات والمعوقات التي تواجه المجتمع الضريبي، والتعرف على الأمور التي فيها لبس أو غير واضحة، للعمل على توضيحها.
وأكد وزير المالية، أحمد كجوك، خلال مؤتمره الصحفي بمدينة العلمين الجديدة، (أنه خلال الأسابيع المقبلة، يجرى إطلاق حزمة متكاملة لعودة الثقة بين المصالح الضريبية والمواطن ومجتمع الأعمال، تؤسس لشراكة حقيقية وتكامل وتدعم تخفيف الأعباء)، خصوصًا أن القرارات الضريبية الأخيرة، التي جاءت ضمن حزمة الحماية الاجتماعية التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرًا، تؤكد انحياز الرئيس لمحدودي الدخل، وحرصه الدائم على تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين، وأن الاهتمام بالصناعة والتجارة وبقطاع الخدمات، وتقديم الحوافز الضريبية في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة التي لا تخفي على أحد، سيكون له مفعول قوي في مساندة القطاع الخاص، الذي يحتاج إلى كل سبل الدعم، لنتجاوز المشكلات الاقتصادية الأصعب حاليًا.
لقد انتهجت وزارة المالية نهجًا جديدًا في مجال التشريعات الضريبية، يتم بموجبه، وقبل إصدار أي تشريع ضريبي، بحث ودراسة أثره على المجتمع وعلى الممول، لأن المجتمع المدني دائمًا شريك في أي تشريع ضريبي، والممول شريك في المنظومة الضريبية.. كما يتم طرح التشريعات الضريبية للحوار المجتمعي والنقاش، على مبدأ الشراكة بين الدولة والمجتمع، الذي هو الأساس في تجاوز التحديات مهما كانت صعبة، وتحويلها بالحوار والتعاون والتكامل إلى فرص حقيقية تحقق مصلحة الوطن والمواطن.. فإن الخطوة الأولى لتحقيق التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية، هى دعم وتحفيز المستثمر المصري، وإزالة المعوقات أمام المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتقديم حوافز ضريبية وجمركية للمشروعات الإنتاجية، وبصفة خاصة التي تستهدف التصدير، وهذه قناعة مصرية خالصة، وهي خلاصة التجارب الاقتصادية الناجحة، لأن واقع المستثمر المحلي وما يلقاه من مساندة، هو أهم دعاية فعالة لجذب الاستثمار الخارجي، لأنه الركيزة الأساسية والدرع والجسر لعبور أي أزمات بأمان؛ وكان ذلك واضحًا بعد يناير 2011، وأثناء وباء كورونا وبعدها، وما تمر به البلدان في محيطنا الإقليمي والدولي، أن المستثمر المحلي، كان وما زال هو وسيلة إنقاذ الاقتصاد.
لقد باتت ميكنة النظام الضريبي والتطورات التي تشهدها مصلحة الضرائب المصرية، قاب قوسين أو أدنى أن تنتهي بالكامل، وبذلك تتحقق الميكنة الشاملة في المصلحة بداية من الإقرار الضريبي، مرورًا بالفاتورة الإليكترونية، والإيصال الإلكتروني.. هذا التطوير في منظومة الأعمال الضريبية المميكنة، أتى بثماره، أولًا على الممولين، وثانيًا على مصلحة الضرائب، بالعمل على إذابة الجليد بين الممول والمصلحة، وإزالة أي عوار في المنظومة الضريبية.. فعندما تتسم جميع الإجراءات الخاصة بالمنظومة الضريبية بالوضوح أمام الممول، فإن هذا ينعكس أيضًا على الإدارة الضريبية.. هذا التعاون والتكامل بين الممول ومصلحة الضرائب لا يتعارض أبدًا مع المصالح المتوازنة لكل الأطراف، وأن ما يمكن أن تقدمه مصلحة الضرائب للقطاع الخاص، له مردود إيجابي وآثار اقتصادية ومجتمعية أضعاف ما يمكن التنازل عنه.
تؤمن الحكومة المصرية، بأن الاهتمام الأول من وراء أي قرارات، هو تحقيق مصلحة الوطن، وأن الدافع لكل قرار يُتخذ أو قانون يتم إصداره أو إجراء يتم تنفيذه، هو مصلحة الدولة المصرية، والإصلاح هو الطريق لتحقيق هذا الهدف، والعدالة الضريبية هي الأساس لنجاح الإصلاح.. نحن أمام فكر مختلف ندعو إلى استمراره وتطويره، وإرساء مبدأ السعي إلى وضع الحلول لكل المشاكل التي تواجه المجتمع الضريبي؛ للوصول إلى العدالة الضريبية التي نحلم بأن تكون سمة الجمهورية الجديدة، تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي.. والأمل معقود بأن يكون هذا التطور هو نهاية لمرحلة فقدان الثقة بين الممول والمصلحة، وأن تكون قناعتنا المشتركة، أن زيادة الحصيلة الضريبية يتم من خلال تسهيل الاجراءات، وتعزيز الثقة وإرساء مبدأ الشفافية.. ومجتمع الأعمال في انتظار صدور وثيقة السياسات الضريبية التي أعلن عنها الدكتور محمد معيط، وزير المالية السابق، والتي يمكن أن تمثل علامة فارقة في استقرار السياسات والتشريعات الضريبية، وثبات سعر الضريبة، وهو الأمر الذي يمكن أن يكون له مردود إيجابي على الاقتصاد والمجتمع والاستثمارات الجديدة.
الضريبة، كما قد يعتقد البعض، ليست من أمور الجباية التي تمارسها الحكومة على الأفراد والكيانات، بل هي مبلغ نقدي تفرضه على الأفراد والشركات، لتمويل النفقات التي تترتب على الدولة لتأمين الخدمات الاجتماعية، ودفع رواتب الموظفين في الدوائر الحكومية والوزارات، وإنشاء وتأهيل البنى التحتية، ودعم السلع الأساسية، من أجل تأمينها للمواطن بسعر أقل.. وهي تؤدي ثلاث وظائف رئيسية، مالية، اقتصادية، واجتماعية.. والمقصود بالوظيفة المالية للضريبة، هو تأمين الإيرادات المالية لخزينة الدولة من أجل تغطية النفقات المترتبة.. الوظيفة الاقتصادية تشير إلى دور الضريبة كأداة من أدوات السياسة المالية للدولة، والتي تستخدمها من أجل تحفيز النمو أو الحدّ من مستويات التضخم، ذلك يعني، أنه خلال فترات النموّ المرتفعة المقترنة بمستويات تضخم عالية، تلجأ الحكومات إلى رفع المعدلات الضريبية، من أجل امتصاص التوافر النقدي الكبير، بهدف تفادي تزايد معدلات التضخم أكثر، أما خلال فترات الانكماش، عادة ما يتم خفض معدلات الضريبة، أو حتى اللجوء إلى الإعفاءات الضريبية، لتحفيز الإنفاق، ما يؤدي بالتالي إلى زيادة الإنتاج وما يتبعه من زيادة في الاستثمار والتوظيف على المدى الطويل، وبالتالي إعادة التوازن إلى الأسواق.. كذلك تلعب الضرائب المفروضة على الواردات، دورًا هامًا في حماية المنتجات والصناعات المحلّية، وبالتالي حماية انتاج الشركات والمصانع وموظفيهم.
لولا الضرائب، كأحد موارد الدخل للدولة المصرية، ما شاهدنا (المشروعات القومية) التي يتم تنفيذها في مختلف ربوع البلاد، وأكد الرئيس السيسي، على أن (العمل الحثيث والدءوب في هذه المشروعات في مختلف ربوع الوطن، يستهدف تأسيس واقع مصري جديد، يمتاز بارتفاع جودة الحياة، وزيادة فرص العمل والتنمية للمصريين جميعًا).. وقد سبق أن أكد الرئيس، أكثر من مرة، أن (المشروعات التنموية الكبرى، التي تنفذها الدولة، لا تهدف للتفاخر أو التباهي، وإنما لتأسيس البيئة الاستثمارية والبنية الأساسية اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة، التي ترفع مستوى معيشة أفراد الشعب جميعًا)، وقال، إنه (من المستحيل أن تنطلق البلاد على طريق التصنيع الحديث والتصدير الكثيف، دون وجود العناصر الضرورية لتحقيق ذلك، من مدن وطرق وشبكة نقل ومواصلات وتكنولوجيا وكهرباء ومياه وصرف صحي، وجميع مكونات البنية التحتية)، التي تساهم الضرائب في الإنفاق على إنشائها.
لقد أشادت محموعة البنك الدولي بما تطبقه مصر من حزمة الإصلاحات على مستوى الاقتصاد الكلي، لتظل الجهود المبذولة على مستوى شبكات الأمان الاجتماعي، بما في ذلك برنامجا (تكافل وكرامة)، للتخفيف من تأثير تلك الإصلاحات على الفقراء والمحرومين، من نساء وأطفال ومعاقين وأيتام وأرامل فقيرات.. وتهدف الشروط المفروضة للاستفادة من برنامج تكافل إلى مكافحة الفقر وتعزيز تراكم رأس المال البشري، وقد اتسع نطاق تغطية البرنامج ليشمل المزيد في إطار توفير الحماية الاجتماعية.. وإدراكًا منها لخطورة زيادة الاعتماد على التحويلات النقدية، دشنت الحكومة برنامج (فرصة)، لتخرج المستفيدين من برنامج التكافل، وإدماجهم في أنشطة إنتاجية، بهدف توفير موارد للرزق.. وهو ما سيتيح للمستفيدين درجة من الاستقلالية الاقتصادية والمالية.. انتهت الإشادة.
■■ وبعد..
فإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فإننا لا نتجاهل هنا المبادرة التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي، في الثاني من يناير ٢٠١٩ (حياة كريمة)، لتحسين مستوى حياة الفئات المجتمعية الأكثر احتياجًا على مستوى الدولة، والإسهام في الارتقاء بمستوى الخدمات اليومية المقدمة للمواطنين الأكثر احتياجًا وخصوصًا في القرى.. وتتضمن شقًّا للرعاية الصحية وتقديم الخدمات الطبية والعمليات الجراحية، وصرف أجهزة تعويضية، فضلًا عن تنمية القرى الأكثر احتياجًا وفقًا لخريطة الفقر، وتوفير فرص عمل بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة في القرى والمناطق الأكثر احتياجًا، وتجهيز الفتيات اليتيمات للزواج.. وغيرها الكثير.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.