رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف نصنع عالمًا أجمل؟!

الواضح أن العالم الذى نعيش فيه ليس جميلًا؛ فهل يمكننا صناعة عالم أجمل؟! فى الحقيقة يمكننا، نحن البشر، أن نصنع عالمًا أجمل بالفعل، والشرط أن نكف عن أعمالنا الشريرة والسيئة؛ فكم نشكو من الشر والسوء ولا نكف عن ممارستهما، ها هى الإشارات واضحة تمام الوضوح: نكره الحب ونحب الحرب، ولا نصفق لشاعر وإنما لقاتل أطفال!
لا تضع البلاد المتقدمة مصالح البلاد النامية والصغيرة فى حساباتها، بل تسخر منها، تسميها بلاد العالم الثالث، وترمى لها المساعدات بمقدار ما تحافظ به على حياة بائسة تود أن تحيا بإطارها على الدوام، ولكن لا تسمح لها بالغنى والقوة؛ فهما للكبار وحدهم، للمتقدمين وأمثالهم، وفى أى وقت يمكن التآمر على الكائنات الأدنى، وسحقها وسلب خيراتها، ولن يجرؤ أحد على الصد أو الاعتراض طبعًا.
كثيرون من الناس، بطول العالم وعرضه، بدأوا يوقنون أننا فى غابة، السنوريات تصيد، والغزلان تصاد، أو تفكر فى الهرب طوال الليل والنهار، تتفرج القطعان الضعيفة على أفرادها وهى بين مخالب الأسود والنمور، قليلًا ما تستطيع الإنقاذ، وكثيرًا ما تلقى نظرة وداع على الفريسة الشقيقة، وتستسلم للمصير القاسى المشئوم!
العالم الغابة هكذا، وأما العالم الإنسانى الذى ذهب منا بامتداد السنين وتغيرها فعالم دافئ حميم، لا يأكل الناس فيه الناس، ولا يظلم بعضهم بعضًا، ولا يترك الواحد قريبه أو صاحبه أو جاره أو ابن منطقته فى حادثة أو كارثة، عالم طيب مسالم، يسأل عن الغائب، ويألم لألم من يصله ومن يجافيه، ويتكافل ويتعاون، ولا يقحم نفسه فى شئون الآخرين.. ذهب هذا العالم، كما أسلفت، وأتى عالم جديد منزوع القلب، لا ضمير له ولا مشاعر عنده، يشبه فضائح السوشيال ميديا وفتن اليوتيوب اللتين صارتا هما الحقائق التى يجتهد الناس فى البحث عنها، ويطيرون فرحًا بالعثور عليها.
كان طبيعيًا أن يعم البلاء والغلاء فى هذه الأجواء، أن ينتشر اليأس والإحباط أيضًا، وأن يدب الخوف فى النفوس، وتنحدر الثقة، وتتهاوى العلاقات الاجتماعية المتينة.
لم يعد العالم الذى تزوجنا فيه وأنجبنا أبناءنا فيه مكانًا عامرًا بالأمل الذى يساعد المودة والرحمة على التجلى والنبتة الناشئة على النماء وطرح الثمار، صار خرابًا أو ما يشبه الخراب، ومن الخطأ الجسيم أن نختص بلادنا وحدها بالأمر؛ فهى ضمن العالم الذى علاه صدأ رهيب، بل هى تصارع من أجل النجاة وتكافح من أجل الخلاص فتخطئ وتصيب وتفشل وتنجح.
لست متفائلًا على المدى القريب، لكننى أشعر باحتياج الناس كلهم فى الأرض إلى عالم يستوعب أحلامهم فى الغد المشرق، لا العالم الذى ضاق بنفسه فلم يعد يستوعبها أصلًا، ومن هذا الاحتياج سيولد نهار باذخ أو ليل زاخر بالنجوم، سيمحى الظلام الدامس حتمًا، ويبزغ الطور المنير.