رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر وأمن الطاقة.. تداعيات اغتيال هنية على استراتيجية النفط

وسط تصاعد التوترات والأحداث المقلقة التى تهدد بنشوب حرب إقليمية فى المنطقة، وخاصة بعد حادثة اغتيال إسماعيل هنية، الزعيم السياسى لحركة حماس، فى طهران الأربعاء الماضى، تبرز العديد من التساؤلات حول الأثر الذى قد يترتب على أسعار النفط وكيفية تأثيرها على الاقتصاد العالمى.

يُعتبر هذا الاغتيال حدثًا جيوسياسيًا محوريًا قد يسهم فى ارتفاع ملحوظ فى أسعار النفط نتيجة للمخاوف من اضطراب الإمدادات، خاصةً فى منطقة الشرق الأوسط التى تعد قلب الإنتاج النفطى العالمى.

تؤثر الأحداث الجيوسياسية فى المناطق الرئيسية لإنتاج النفط، وخاصة فى الشرق الأوسط، بشكل كبير على أسعار النفط، فأي توترات أو نزاعات فى هذه المنطقة قد تؤدى إلى ارتفاع حاد فى الأسعار نتيجة لانقطاع الإمدادات والنقل، ويزداد الأمر تعقيدًا بالنسبة لمصر بفعل موقعها الاستراتيجى الذى يجعلها فى قلب هذه الأحداث.

فى ظل التقلبات الحادة التى تشهدها سوق النفط العالمى، تبرز الحاجة الماسة لتحرك فورى وعاجل من قِبل وزارة البترول والثروة المعدنية فى مصر لصياغة استراتيجيات محكمة تتصدى للتحديات الراهنة.

كما أن الأوضاع الحالية تفرض على الوزارة ضرورة اتخاذ خطوات سريعة وحاسمة لإبرام تعاقدات جديدة بشأن شراء النفط الخام، خصوصًا فى ظل الانخفاض الحالى فى الأسعار التى وصلت إلى 76 دولارًا للبرميل. هذا التراجع قد يكون مجرد هدوء يسبق العاصفة، إذ توجد توقعات بارتفاعات حادة قد تتخطى 120 دولارًا للبرميل فى المستقبل القريب، مما يجعل من الضرورى التحرك الاستباقى لتأمين الاحتياجات الوطنية بأسعار معقولة وتجنب الصدمات الاقتصادية المحتملة.

مصر، بفضل توافر بنية تحتية عملاقة فى مجال منشآت النفط، والتى تشمل أكثر من 27 خزانًا استراتيجيًا موزعة بين الصحراء الغربية والشرقية وتمتلك القدرة على تخزين ما يزيد على مليون و100 ألف برميل لكل خزان، تملك الإمكانات لزيادة مخزونها الاستراتيجى من النفط الخام. هذه الخطوة تعزز الأمن الطاقى للبلاد وتعد أيضًا استثمارًا ذكيًا يمكن أن يوفر مبالغ ضخمة فى حال ارتفاع الأسعار مستقبلًا.

فى ظل توقعات بارتفاع أسعار النفط، يجب على الوزارة أيضًا توجيه الأنظار نحو تحسين وتعظيم الاستفادة من قدراتها التكريرية، حيث تمتلك مصر أكثر من 7 معامل تكرير تعمل حاليًا بأقل من نصف طاقتها الإنتاجية بسبب نقص النفط الخام. ويسهم استيراد كميات كبيرة من النفط وإعادة تشغيل هذه المعامل بكامل طاقتها فى استقرار السوق المحلية ويعزز أيضًا من قدرة مصر على تصدير المنتجات البترولية المكررة، مما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطنى.

لكى تتمكن مصر من تجنب الآثار السلبية لتقلبات أسعار النفط، يتعين على الوزارة أيضًا الاستثمار فى تعزيز أنشطة البحث والاستكشاف وتنمية الحقول المتقادمة، حيث زيادة الإنتاج المحلى من النفط يخفض فاتورة الاستيراد ويعزز من مكانة مصر كلاعب رئيسى فى سوق الطاقة الإقليمية والدولية.

وتنتج مصر حاليًا أكثر من 60% من حجم استهلاكها المحلى من الوقود، بينما يتم استيراد النسبة المتبقية من الخارج، حيث تُسهم شركة «أرامكو» السعودية بنحو 25% من الحجم الكلى لاستهلاك مصر من الوقود، إضافة إلى استيراد كميات من بعض الدول العربية ومنها الإمارات.

كما من الضرورى أن تعمل الحكومة المصرية على تأمين مخزون استراتيجى من النفط لا يقل عن 12 شهرًا. هذه الخطوة تعزز من استقلالية مصر الطاقية وتقلل أيضًا من الحاجة إلى اللجوء إلى عقود التأمين التى تُستخدم عادة لتأمين أسعار النفط والتحوط ضد تقلبات السوق، مما يمكن أن يوفر تكاليف كبيرة.