رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جحود الآباء.. حكايات من دفتر تقاعس الأزواج عن الإنفاق على أبنائهم

تقاعس الأزواج
تقاعس الأزواج

في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتشابك فيه المصالح، تبرز ظاهرة مقلقة تهز أركان المجتمع وتثير تساؤلات عميقة حول مفهوم الأسرة في عصرنا الحديث، إنها قضية "عقوق الأبناء" وتخلي الآباء عن مسؤولياتهم، التي باتت تملأ أروقة المحاكم وتشغل بال المجتمع.

وعن ذلك، حذر الداعية الإسلامي الشيخ أحمد المالكي، من تقاعس الأزواج عن الإنفاق على زوجاتهم وأبنائهم، حيث اعتبر ذلك أحد الذنوب العظام التي سوف يجزى عليها يوم القيامة.

في السطور التالية، نسلط الضوء على قصص إنسانية مؤلمة تكشف عن الوجه المظلم للخناقات الأسرية، ونرى فيها أبناء يلجأون للقضاء طلبًا للنفقة من آباء ميسوري الحال، وآباء يتهربون من واجباتهم تجاه فلذات أكبادهم. 

"أحمد" تجاهل اتهامه بـ"العقوق" للحصول على حقه في التعليم

القصة الأولى تبدأ بمشهد مؤثر داخل أروقة المحكمة، لشاب يدعى "أحمد"، الذي وجد نفسه مضطرًا لمقاضاة والده من أجل الحصول على نفقة تعليمية، وبدأت القصة منذ سنوات، عندما انفصل والدا أحمد، ومنذ ذلك الحين، دخل الأب في دوامة من التهرب من مسؤولياته المالية تجاه ابنه، تاركًا الأم تكافح وحدها لتلبية احتياجات الصغير المتزايدة عامًا بعد عام.

ومع وصول أحمد إلى مرحلة الجامعة، اتخذ قرار صعب برفع دعوى قضائية ضد والده، وعلى الرغم من اتهامات العقوق التي واجهها، إلا أن الشاب أصر على المضي قدمًا في طلب حقه القانوني، لأن والده ميسور الحال ويرفض الإنفاق عليه، كنوع من العقاب لوالدته لأنها انفصلت عنه، بحسب ما رواه "أحمد".

والمفاجأة التي هزت أرجاء المحكمة هي أن الأب لم يتمكن من التعرف على ابنه الذي لم يره منذ سنوات طويلة، وبدلًا من ذلك، صب الأب اهتمامه باستعادة مسكن الزوجية الذي تركه لطليقته بعد الانفصال، ما جعل القاضي يندهش لهذا الجحود البيّن من الأب، لذا رفض طلب الأب باسترداد المسكن، وحكم لصالح الابن بمنحه النفقة التعليمية المطلوبة. 

"ندى" أرادت تحمل مسئولية نفسها لكن والدها أشعل النار بداخلها 

القصة التالية هي "ندى"، فتاة شابة في العشرينيات من عمرها، عاشت سنوات طويلة مع أمها حياة الكفاح بعد انفصال الوالدين، لكن غياب الأب عن حياتهما لم يقتصر على الغياب العاطفي فحسب، بل امتد ليشمل التخلي عن المسؤولية المالية، مما دفعها -وهي لا تزال في سن الدراسة- للعمل في أحد المصانع لتعيل نفسها ووالدتها، مكتفية بشهادة الدبلوم الفني كحد أقصى لطموحاتها التعليمية.

ولم تهتم "ندى" يومًا بتوجيه أي لوم لوالدها أو محاولة التقرب منه، حتى حين تمت خطبتها، قررت التكفل بتجهيز نفسها وألا تتودد إليه لطلب أي شئ، لكنها فوجئت بأن والدها أقام دعوى لوقف النفقة الزهيدة البالغة 500 جنيه، والتي كان يدفعها لها.

وتروي "ندى": ما فعله والدي كان القشة التي قصمت ظهر البعير، وأجبرني تصرفه على أن أقف أمامه في المحكمة للمطالبة بحقوقي التي أغفلها لسنوات، وكنت على استعداد أن أعتبره في حكم المتوفي وألا أقترب منه لأي سبب، لكن ما قام به أشعل النار من جديد داخلي تجاهه.

ورفعت دعوى قضائية تطالب فيها والدها بتوفير جهاز العروس، وتم إصدار الحكم لصالحها، بعد الاطلاع على الأدلة التي تثبت قدرة الأب المالية - كونه يعمل في مجال المقاولات ويمتلك عقارًا كبيرًا - حكمت المحكمة لصالح الفتاة، ملزمة والدها بتوفير جهاز عروس كامل.

"هنا" لم يعترف بها والدها فجعلت المحكمة تجبره

وبنفس المنوال، تروي "هنا"، قصتها، التي لم ترضخ للظروف القاسية التي وضعها والدها فيها وأمها، لكنها نجحت وتفوقت بالتخرج من كلية الفنون الجميلة، وبدأت في شق طريقها دون اللجوء إلى والدها في أي مرحلة من حياتها، لكن أصيبت والدتها بمرض "السرطان"، وزادت المصروفات على عاتقها.

وتقول إنها حاولت التحدث مع الأب ليقوم بواجبه تجاههم وينفق عليهم، خاصة وأنه ميسور الحال ولديه أبناء آخرين، وكل واحد منهم ينعم بمال والدها، إلا أنه رفض، بحجة أنه لا يعترف بها كابنة له، وكان الشرخ بداخلها تجاهه وصل حده، ما دفعها لمواجهته في ساحات القضاء.

وتقدمت بدعوى قضائية ضد والدها، مطالبة بحقها في النفقة التي حُرمت منها لسنوات، وفي قاعة المحكمة، تجلت المفارقة الجليّة بين حياة الأب المترفة في حي راقٍ، وحياة "هنا" ووالدتها في منطقة شعبية، لذا لم يتردد القاضي في الحكم لصالح الابنة المظلومة.