أحادية الزواج
الأحادية، في اللغة، اسم مؤنث منسوب إلى أُحاد، ومصدر صناعي من اللفظ يعني التفرد والزعامة والسيطرة "هيمنت الأحادية الأمريكية على العالم"، وتعني أحادية الزواج زواج الرجل بامرأة واحدة فقط، وطالما يدعو الأحرار والمستنيرون إلى الأمر في بلادنا، يدعون إليه دون أن ينكروا وجوده في الدين الإسلامي، لكنهم يفسرون هذا الوجود تفسيرًا مختلفًا، فيضيقون اتساعه، ويحددون أسبابه، ويرون متعة الرجل الجنسية مما لا يصح أن يكون هدفه المنشود، وإن كانت هدفًا مباحًا من الارتباط الشرعي على وجه العموم.
في الحقيقة للداعين إلى ذلك ألف حق؛ فأحادية الزواج هى الأصل، وما عداها زيادة أوغل فيها القادرون لأغراض ذاتية، والأحادية تجنب البيوت كثيرًا من المشكلات الناجمة عن التعدد الزوجي، أظنها مفهومة بالبداهة، وتجنب الوطن مشكلات كبيرة أيضًا، لعل من أبرزها زيادة النسل والانفجار السكاني والانهيار الاقتصادي بالتبعية بجانب التوترات الاجتماعية..
جدير بأى امرأة رشيدة أن تنفرد برجلها بلا مشاركة تورث.... وأمراض قلبية معنوية لا حصر لها، بل جدير بالرجل من الأساس أن يوفر على نفسه التعب البدني والنفسي بالشتات الذي يجري له لو صخبت أصوات النساء في بيته، ووجد حاله ممزقًا بينهن تمزيقًا!
يستغل الناس، أخص المسلمين طبعًا فلا تعدد في المسيحية، كما أن اليهودية التي تسمح به، لا يعرفه حاخامات تلمودها تقريبًا، وعلى كل حال لا يثار جدل طويل بشأنه في المجتمع اليهودي كمثل مجتمعاتنا الإسلامية. يستغلون آية واحدة في سورة النساء تجيز التعدد، أو هكذا الاعتقاد، يستغلها أنصار الحكاية بلا روية، ويستغلون أيضًا أقوال بعض الفقهاء الذين يمدحون الأمر ويثنون على فاعليه.. قال الله تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا".. والواقع أن الآية، فيما يقول علماء ثقات عديدون، لا تجيز التعدد بالصورة المطلقة المفهومة، وربما كان الأمر عكسيًا، بمعنى أنها تحد من انتشاره وتنظمه تنظيمًا صارمًا، ينفي عنه فوضاه الجارية على الأرض. مثلًا يقول الدكتور جمعة، مفتي مصر السابق، في هذا الصدد: "لم يرد تعدد الزوجات في القرآن الكريم بمعزل عن أسبابه، قال الله عز وجل: "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا" (النساء: 3)، فالذين فسروا الآية الكريمة، أو درسوها كنظام إنساني اجتماعي فسروها بمعزل عن السبب الرئيس الذي أُنْزِلتَ لأجله، وهو وجود اليتامى والأرامل، إذ إن التعدد ورد مقرونًا باليتامى؛ حيث قاموا بانتزاع قوله تعالى: «فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ» دون القول السابق، الذي صيغ بأسلوب الشرط «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى» وكذلك دون القول اللاحق، والذي يقيد تلك الإباحة بالعدل، حيث قال: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة".
ويضيف: "فمن يذهب إلى القرآن الكريم لا يجد دعوة مفتوحة صريحة للتعدد دون تلك القيود التي أشرنا إليها، ومن ذهب إلى السنة فسيجد أن الإسلام نهى عن التعدد بأكثر من أربع نساء، وشتان بين أن يكون الإسلام أمر بالتعدد حتى أربع نساء، وأن يكون نهى عن الجمع بين أكثر من أربع نساء".
أرجو أن أكون وفقت في طرح وجهة نظري، مستعينًا برجل مقدر من رجال الدين الإسلامي أنفسهم، وأرجو أن يكون الناس كلهم من النباهة والوعي بحيث لا يقبلون على خطوة أيًا كانت، يطنون فيها سعادتهم المأمولة، وقد تكون فيها التعاسة بكامل معانيها!