رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحبس الاحتياطى والحرية الشخصية

ما شهدناه- خلال الأيام الماضية- من جلسات نقاشية مهمة أجراها مجلس أمناء الحوار الوطنى حول ملف الحبس الاحتياطى، بشكل تفصيلى من خلال الاستعانة بالمختصين والاستماع لأقوال المحبوسين السابقين حول كيفية إيجاد بديل لعملية الحبس الاحتياطى- يُظهر مدى تعامل الدولة المصرية مع حقوق المواطنين التى كفلها لهم الدستور والتزاماتها الدولية فى مجال حقوق الإنسان.

الحوار الوطنى وما يناقشه فى جلساته ليس مجرد اجتماعات عادية يتناولون فيها الأزمات والمشاكل، بل يهتمون بما يمس المواطن بشكل شخصى ويؤثر على مستقبله وحياته وكيفية وجود حل لتلك المشاكل من خلال الاستماع لكل الآراء السياسية والحقوقية والقانونية، بل ممثلين عن جميع أطراف المشكلة، ويسعون خلالها لعرض الرؤى والاستماع إلى وجهات النظر المختلفة بما يحقق المصلحة العامة للجميع، وليس لفصيل واحد.

ناقش الحوار الوطنى مؤخرًا ملفًا مهمًا يخص الحبس الاحتياطى وكيف يؤثر على حرية المواطنين التى كفلها لهم الدستور والقانون، فالحرية الشخصية هى حجر الزاوية التى نص عليها الدستور المصرى فى المادة 54 منه، حيث تضمن أن الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق.

لم يكتف الدستور بحالات تقيد الحرية فقط بل تضمنت المادة 54 عددًا من الضمانات التى يجب اتخاذها فى حالات القبض على المواطنين ومنها يجب أن يبلغ فورا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويمكن من الاتصال بذويه وبمحاميه فورًا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته، ولا يبدأ التحقيق معه إلا فى حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، نُدب له محام، مع توفير المساعدة اللازمة لذوى الإعاقة، وفقا للإجراءات المقررة فى القانون..

وتابعت المادة 54: لكل من تُقيد حريته ولغيره حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع، وإلا وجب الإفراج عنه فورًا، وينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطى ومدته وأسبابه وحالات استحقاق التعويض الذى تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطى، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذ بموجبه، وفى جميع الأحوال لا يجوز محاكمة المتهم فى الجرائم التى يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو منتدب.

وتطبيقًا لنصوص الدستور، فخلال الجلسات تناول الحوار الوطنى مواد الحبس الاحتياطى بشكل تفصيلى، ومن بينها مدة وبدائل الحبس الاحتياطى، وموقف المحبوس احتياطيًا عند تعدد الجرائم وتعاصرها وتزامنها، والتعويض الأدبى والمادى عن الحبس الاحتياطى الخاطئ، وأخيرًا التدابير المصاحبة للحبس الاحتياطى من منع السفر، ويسعى الجميع إلى التعامل مع ملف الحبس الاحتياطى بما يكفل حق المواطن فى الحرية الشخصية وعدم تقييدها وعدم المساس بها، وكذلك حق  حماية المجتمع وتحقيق الردع ضد المتهمين بما يحفظ الصالح العام.

وبعد استماع أعضاء الحوار الوطنى إلى كل وجهات النظر والوضع القائم حاليًا ومقترحات التطوير المختلفة مع استعراض تجارب الدول الأخرى دون مصادرة لرأى أو حجر على فكرة تمهيدًا لرفع تقرير التوصيات فى صورتها النهائية إلى رئيس الجمهورية- سنشهد خلال الفترة المقبلة انفراجة كبيرة فى ملف الحبس الاحتياطى بما يكفل الحفاظ على حق المواطنين وحق المجتمع.