السفينة الناجية
علينا قبل فوات الأوان، أن نقفز جميعًا إلى «سفينة الحرية»، التى طال انتظارها على الشاطئ.. هى فرصتنا الأخيرة، لنعيد بناء الوطن، ونسترد مصر التى نغرق فى خيراتها. لا مفر من رد الدين إلى بلدنا. نحملها فوق رءوسنا، ونأخذ مكاننا المحجوز من أزمنة طويلة، على سفينة الحرية.
رغم أننى لا أميل كثيرًا إلى «المطلقات» الراسخة، وأتردد كثيرًا قبل الحديث والدفاع عنها، إلا أن «الحرية» استثناء وحيد أتشبث به، وليس يقلقنى جلوسها وحيدة على عرش المطلق الثابت فى حياتى.
فأنا أؤمن بـ«الحرية» إيمانًا مطلقًا، راسخًا، لا يشوبه شك أو تردد، كما أؤمن بنفسى. بل إن إيمانى بالحرية ربما يكون الإيمان الوحيد الذى يزداد يقينًا وزهوًا مع مرور الزمن. ويصبح مع ذبول كل الأشياء وردة فيحاء العبير أعلقها على صدرى، وعلى خصلات شعرى.
أؤمن بـ«الحرية» إيمانى بأن «الإنسان» أهم من المناصب، والفلوس، وأن «العدل» هو الذى يجعل النظام السياسى محبوبًا، «جميلًا»، وأن «الثورة» هى التى تجعل الشعوب «باقية»، «نبيلة»، «راقية»، وأن «شجاعة» القول، والسلوك، وإعالة الذات، هى مقومات أساسية تجعل المرأة «شريفة»، وتجعل الرجل «شريفًا».
أؤمن بـ«الحرية» مثلما أؤمن بأن الموسيقى هى غاية الوجود، سر من أسرار الكون. ومثلما أؤمن بأن «الألم» هو القماشة الأساسية، منها نسجت الحياة. وكما أؤمن بأن «الفقر» موجود، لأننا جشعون، لا نشبع، ونأخذ أكثر من احتياجنا، بكل أريحية.
أؤمن بـ«الحرية» مثل إيمانى أن «رق الحبيب» للقصبجى «طفرة» جينية فى تاريخ الألحان. وأن الحضارة التى تقطع من أجساد وعقول النساء تحمل داخلها بذور الفناء، وإن طال بقاؤها. ومثل إيمانى بأن «العمر» الحقيقى الذى نعيشه، لا يُقاس بالأرقام، والتواريخ، وانحناء الظهر، وزحف التجاعيد.
أؤمن بـ«الحرية» كما أؤمن بأننا لن نستمتع بثمار الحياة شهية المذاق، إلا إذا تصالحنا مع «الموت». وأنه من العار أن نكون فى عام 2024، دون أن تتوافر المرافق، والبيئة الخضراء النظيفة، والمدارس والحدائق، لأناس يقتسمون معنا الجنسية المصرية.
أؤمن بـ«الحرية»، مثلما أؤمن باستحالة انتمائى لهذا العالم، بكل أفكاره، وأهدافه، ومخاوفه، وعقائده، ودمويته، وعنصريته، وذكوريته، وغروره، وغطرسته، وعنجيته، وحماقاته، وآلامه، وعذاباته، وعبثيته.
أرى «الحرية» مصيرًا محتمًا على البشرية الوصول إليه، رغم صعوبته، وتحدياته. والحياة لنا بالمرصاد، تراقب، وتحكم، وتسجل، وتقرر، وتخطط. قد نتأخر، قد نتعثر، قد نتوه. لكن المسيرة محسومة، مسبقًا، لصالح «الحرية». هكذا أؤمن، ليس ضعفًا، أو يأسًا، أو انهزامية، أو لا مبالاة، وليس تعجيزًا للبشر. إن الإقلال من شأن الحرية، وعدم تمثلها فى كل لحظة من حياتنا، هو جريمة لا بد من محاكمة وعقاب من ارتكبها، فى حق نفسه، وفى حق الأجيال القادمة، وفى حق الحياة.
والسؤال، من أين يأتى الشعب بحريته؟
بكل بساطة، الشعب الحر، يساوى مجموع، نساء أحرار + رجال أحرار + أطفال أحرار.
حينما ننطق فى مجتمعاتنا بكلمة «الحرية»، تنتفض، وتتحفز، وتتشبث بالاتهامات، والإدانات الأخلاقية.
نسأل أول ما نسأل: «يعنى إيه حرية؟» «مافيش حرية مطلقة» «وإيه حدود وسقف الحرية دى؟» «وعايزين الحرية دى إن شاء الله عشان تعملوا بيها إيه؟» «عايزين حرية انحلال زى الغرب الكافر» وغيرها من الإدانات الحمقاء، التى ترادف بين «الحرية» وقلة الأدب، وقلة الحياء، وعدم الشرف، والاستهتار الأخلاقى.
مع أن كل الإدانات والتخوفات الأخلاقية لا بد أن تنصب على «القهر»، وليس على «الحرية». وليس من المفروض، وليس من الطبيعى أن نسأل عن حدود الحرية، ولكن عن حدود القهر. والذى يخيفنا المفروض أن يكون القيود، وليس التحرر. هى من نتاج «أخلاق الحرية». كل فضيلة يمكن أن نتصورها، وكل رذيلة يمكن أن نتوقعها، هى إرث مباشر أو موروث ثبت فساده، من «أخلاق القهر». الحرية تصحح نفسها بالتجربة، والمعرفة المتراكمة، والشجاعة، والتقدم، والنور والجمال، والحساسية للحقوق الأخلاقية للآخرين، وبالتالى تنتج «المناعة الأخلاقية»، بينما القهر يعيد إنتاج المزيد من الجهل، والخوف، والتأخر، والظلام، والقبح، وبالتالى يقود إلى «الهشاشة الأخلاقية».
وإذا كنا اليوم نتطلع إلى أداء جديد من حكومة جديدة، فلست أطلب شيئًا، إلا أن يصبح حب الحرية مفعلًا فى القرارات والتشريعات. أريد من الحكومة الجديدة أن تكون كالسفينة التى تنشد شواطئ الحرية فى كل المجالات.
سفينة الحرية هى السفينة الوحيدة التى تتغلب على الأمواج العاتية، وتهزم قراصنة البحار، ولا تطولها أسماك القرش المتوحشة، كما أن رحلتها مجانية، هدية لكل عاشقات وعشاق الحرية.
سفينة الحرية دائمًا تنجو. كل ما علينا هو القفز إليها، وهى سوف تتكفل بالباقى.
من بستان قصائدى
أشرد كيف هذا العالم
يدوس بالأحذية المهترئة المتسخة
على محاسنى وفضائلى وميزاتى
وكل جميل يكمن بذاتى
كيف أعيش فى عالم
لا يجرى إلا وراء
متفجرات الأنوثة
عشيقات نجوم الأوسكار
ممسوحات الشخصية
ولاعنات الوحدة والعنوسة