قرص كالسيوم يوميًا
من باب حبى لوطنى، وغيرتى على مستقبل مصر، أُلزم الإعلام المرئى فى بلادنا، الخاص والعام على السواء، بتناول قرص «كالسيوم» يوميًا لعلاج «هشاشة» البرامج، التى تصيبنا بـ«الكُساح» العقلى، و«الشلل» الوجدانى، و«القعود» الفكرى. قلة قليلة جدًا من برامج الإعلام المرئى، الخاص والعام، هى التى تدرك التغيير المطلوب، بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
إن الإعلام، خاصة الإعلام المرئى، له تأثير كبير على العقول، والقلوب. «من يملك الإعلام.. يملك الناس». هذه مقولة صحيحة إلى حد كبير. بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ نحن لا نريد «أن نملك الناس». بل على العكس، نحن نريد أن «يتحرر» الناس، من كل أنواع التملك، والملكية. المطلوب بعد ثورتين، أن يصبح الإعلام «أداة» ثورية تحقق أو تسهم فى تحقيق الثورة «الثقافية»، التى لم تتحقق فى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
فى الإعلام يقولون: «نحن نغطى الأحداث»، فى حين أن المطلوب هو «تعرية الأحداث».
أنا حقًا لست أدرى، هل الثقافة السائدة منذ سنوات تليق بشعب استطاع أن يجهض اتفاقية استعمارية، دولية، تعيد تقسيم المنطقة، وتحويلها إلى «إمارات»، و«ولايات»، دينية، ومذهبية، وطائفية؟
أدرك أن الثورة السياسية أسهل من الثورة الثقافية، فهى تستطيع أن تغير الحاكم، ونظام الحكم، فى يوم واحد. لكن الثورة الثقافية تحتاج لسنوات، لأنها تتعلق بالعادات، والتقاليد، والأعراف، والميول، والعواطف، والوجدان، والمشاعر.
لكننا لا بد أن نبدأ الآن. البعض يرى أن البداية يجب أن تحدث بالتدريج، والبعض يرى، وأنا منهم، أنها «صدمة» حضارية، و«قفزة» نوعية، و«جرأة» جذرية، و«طفرة» جينية.
أيًا كان الرأى، لكن المهم أن نبدأ، والآن.
لماذا لا نضع سياسة لتحديد النسل؟.. ليس معقولًا أن نعانى من الانفجار السكانى فى ظل ديون خارجية مرتفعة، وعدم ترشيد الاستهلاك، وعدم توافر فرص العمالة، وافتقار بعض المناطق، خاصة فى الريف، إلى الحد الأدنى من المعيشة الكريمة.
قطاعات من الشعب المصرى لا تعرف مصلحتها على المديين القصير والطويل، فالأسر التى تنجب كما تشاء، دون مراعاة لظروفنا الاقتصادية، تخطئ كثيرًا فى حق أولادها، وفى حق وطنها. وهؤلاء لن يتوقفوا عن سلوكياتهم دون تدخل رادع من الدولة.
أدرك جيدًا أن «البشر»، ثروة للوطن، ولكن الوطن ما زال عاجزًا عن الاستفادة من هذه الثروة، وتحويلها من «نقمة» إلى «نعمة».
لسنا مثل دولة الصين، أو الهند، حيث الاقتصاد الوطنى قادر على استيعاب العدد الضخم من السكان، وحيث التنمية الشاملة توفر مشروعات ذات رأسمال منخفض، وعمالة كثيفة.
لذلك فإن حتمية التقدم تقتضى أن نحد، أو نوقف، هذا الشلال البشرى الذى يزيد من جيش الفقراء، والعاطلين، وأطفال الشوارع، والمتسولين لقمة العيش.
من هؤلاء الفقراء والعاطلين والأطفال المتسولين تجد المنظمات الإرهابية «جنودها» المثاليين، ويجد أعداء الوطن، سواء صرحوا بذلك أو لم يصرحوا، التربة الخصبة لإنتاج الحشائش السامة، لكى ننقرض نحن، وهم يستولون على الأرض والموارد.
أيضًا من هؤلاء الفقراء والعاطلين والأطفال المتسولين تنمو جبهات داخلية ناقمة على الوطن، حاقدة على خيراته، تنتظر الفرصة لكى تنتقم. بالضبط كما حدث للطفل «سلطان»، فى فيلم «جعلونى مجرمًا» إنتاج ١٩٥٤، تأليف فريد شوقى ورمسيس نجيب، وإخراج عاطف سالم.
إذن يكون الحد من الفقر، والبطالة، والتسول، ليس مطلوبًا إنسانيًا واقتصاديًا فقط، ولكن أيضًا لحماية الأمن الوطنى، وتجفيف المنبع البشرى الذى يصب فى الإرهاب الدينى، ونمو الجرائم.
أقول لكل مَن ينادى بالديمقراطية فى بلادنا إنه لا يجيد قراءة الشعب المصرى، ويزعم البعض أن الشعار السليم هو: «الديمقراطية هى الحل»، الذى سينقلنا نقلة نوعية إلى التقدم.
وأنا بالطبع لا أوافق على هذا الحل، هو ليس حلًا، بقدر ما هو تشدق بمفاهيم وأنماط لا تناسب مجتمعنا.
فى مصر، ألم تجئ الانتخابات عام ٢٠١٢ بمحمد مرسى الإخوانى إلى الحكم، وكان أول رئيس مدنى منتخب، وكانت سنة حكمه خرابًا على الوطن، ومحاولة لبيع مصر بالجملة والقطاعى؟
إذن القول بأن الديمقراطية هى الحل، خدعة كبيرة يتم ترديدها دون تحليلها وتفنيد تاريخها والتفكير الجذرى فى مقوماتها ومعناها وآلياتها وعواقبها. إن الاستفتاءات الشعبية لأغلبية جاهلة مغيبة مغسول عقلها بسيطرة رجال الدين والإعلام الذكورى لن تجلب إلا التخلف والنكسات وترسيخ الركود الحضارى، وهنا ستكون الديمقراطية هى فوز القطاعات الأكثر تخلفًا، وجهلًا، وتأسلمًا، وذكورية، وهذا كله ضد توطيد مفاصل الدولة المدنية الحديثة.
البديل والمعيار والبوصلة هى ثقافة حقوق الإنسان الكاملة دون تمييز، ففى سوق التقدم الحضارى، العبرة ليست فى حجم العدد، فحكم الأغلبية أو الأكثرية لم يكن أبدًا دليلًا على العدالة وازدهار الحريات، وتحقق السعادة.