رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شهادات مروعة لغزّاويين عن «منع المساعدات»: أغلب الأهالي أصيبوا بالكبد الوبائي

غزة
غزة

لم تعد الكلمات قادرة على التعبير عن هول المشهد فى قطاع غزة، فبخلاف المحرقة التى ينفذها جيش الاحتلال فى حق الفلسطينيين، قصفًا وتدميرًا وقتلًا وحرقًا، يُغلق قتلة الأطفال كل منافذ المساعدات إلى القطاع المنكوب، ما جعل المجاعة تطلق أنيابها فى كل شبر فى غزة، للدرجة التى دفعت الأهالى لتناول أعلاف الحيوانات وحشائش الأرض، وأدى إلى أسوأ أزمة غذائية لم يعرف مثلها العالم.

منع المساعدات عن القطاع لم يؤدِ فقط إلى أزمة غذاء، بل أدى لكارثة صحية كبرى، فى ظل نقص حاد فى الأدوية والأدوات اللازمة للعمليات الجراحية، ما فاقم حالات الجرحى والمصابين بأمراض مستعصية، كما أدى النقص الكبير فى ألبان الأطفال إلى وفاة أعداد كبيرة منهم بأمراض سوء التغذية.

ووفقًا لآخر التقارير الصادرة عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، لم تصل المساعدات الإغاثية إلى مدينة غزة من الأساس منذ بدء الحرب، فى ظل الطقس الحارق الذى ينهش أجساد الأطفال وكبار السن فى أثناء النزوح من الشمال إلى الجنوب.

فى السطور التالية، تستعرض «الدستور» شهادات عدد من أهالى غزة حول المجاعة والأزمات المختلفة التى يعانون منها بسبب منع وصول المساعدات.

 

عبدالكريم الجعيدى: تجار الدم يحتكرون السلع الغذائية ويبيعونها بأسعار مضاعفة

حكى عبدالكريم الجعيدى، نازح فى مخيم النصيرات، أنه يعانى من أجل الحصول على علاج لمرضه المناعى، والمتمثل فى هشاشة العظام ونقص الصفائح الدموية وتقرحات الفم والأعضاء التناسلية، فى ظل تعرضه للجلطات من حين لآخر بسبب تفاقم أعراض مرضه بسبب نقص الدواء والمواد الإغاثية.

وأضاف «الجعيدى» أن القصف الإسرائيلى دمر منزله فى بداية الحرب الإسرائيلية، ما اضطره للنزوح أكثر من مرة، لافتًا إلى أنه يحتاج بشكل عاجل إلى المتابعة الطبية كل أسبوعين على الأقل، لكنه لم يحصل على العلاج المناسب لحالته منذ فترة كبيرة، الأمر الذى قد يصيبه بفشل كلوى حاد فى أى وقت.

ويعيش «الجعيدى» داخل النصيرات رفقة عدد كبير من النازحين والذين يعانون أشد المعاناة، فالبلاء لا يقتصر على القصف الإسرائيلى فقط، بل يشارك فيه تجار الدم الجشعون الذين يتاجرون بأقوات الأهالى فى ظل الحرب الغاشمة، ويبيعون لهم السلع الأساسية التى يحتاجون إليها بأسعار باهظة للغاية.

وأكد أن سعر كيلو الدواجن فى سوق النصيرات يصل إلى ١٠٠ شيكل، وكيلو الكبدة ٤٠ شيكل، وكيلو الأجنحة ٣٥ شيكل، فى غياب تام للرقابة على حركة التجارة والأسواق، لافتًا إلى أن تجار الدم يحتكرون السلع ويبيعونها للأهالى بأغلى سعر ممكن، إضافة إلى انتشار لصوص الهواتف والأجهزة الإلكترونية داخل المخيم.

وأشار إلى كارثة أخرى تتمثل فى عدم وجود سيارات إسعاف لنقل الشهداء إلى قبورهم، قائلًا: «غزة تعيش أبشع أنواع القهر والظلم والتجويع، رائحة الموت فى كل شبر بالمدينة، ولا أحد يسأل فينا».

سماح جبر: الإسقاطات الأمريكية كرمٌ زائف من دولة تشارك فى الإبادة

قالت الدكتورة سماح جبر، رئيسة وحدة الصحة النفسية بوزارة الصحة الفلسطينية، إن الجوع الأداة الثالثة التى تستخدمها إسرائيل لإبادة الفلسطينيين، حيث تعد الأداة الأولى القصف والقتل بالغارات الجوية، والثانية تحطيم الجهاز الصحى وتدميره، سواءً مستشفيات أو عيادات رعاية أولية وقتل عدد كبير من الكوادر الصحية وتفجير وإتلاف الكثير من سيارات الإسعاف.

وأضافت: «التجويع عملية قتل بطىء لكنها مروعة بنفس المقدار، مروعة لضحاياها المباشرين وهم الجوعى، وخصوصًا فى شمال غزة، وأيضًا مروعة لمحيطنا العربى والإسلامى وخصوصًا للفلسطينيين فى الضفة، الذين ينظرون لما يحدث فى غزة ويخافون من أن يلحق بهم كل هذا الرعب والقتل والإبادة».

وأكملت: «من التداعيات النفسية للحرب على الجيران، الإصابة بالضغط أو الشعور بالذنب، حيث يقول الناس لأنفسهم نحن الذين نأكل ليلًا ونهارًا، وهؤلاء لا يأكلون، فيصيبهم شعور بالذنب وبالتقصير لما يحدث لهم لعدم تمكنهم من منع هذا النوع من الإبادة والعقاب الجماعى من أن يلحق بهم».

وتابعت: «مما لا شك فيه أن المضاعفات النفسية والاجتماعية والصحية على أهل غزة تؤدى للموت، والمتفرجون أيضًا يصابون بمضاعفات نفسية واجتماعية بسبب العجز والألم والقلق النفسى والشعور بالذنب».

وأشارت إلى أن استخدام علف الحيوانات للطعام مؤشر على حجم العوز والحاجة المُلحة لدى سكان غزة، ومن المؤكد أن لهذا الاستخدام تبعات صحية مثلما ورد فى شهادات الكثير من الأطفال والبالغين والذين يشكون من ألم البطن وألم الأمعاء والمعدة بعد أكل الخبز المصنوع من العلف، وشاهدنا أطفالًا يحاولون أن يفصلوا العلف عن الحصى الموجود فيه، كذلك سمعنا عن تفشى مرض الكبد الوبائى الذى قد تكون له علاقة باستخدام الأكل غير المعد للإنسان.

وتابعت: «للأسف فشل العالم فى إغاثة سكان غزة من المجاعة، وأيضًا هذا يضاعف التبعات النفسية لأهل القطاع، وهم يشعرون أنهم غير مرئيين وأنهم أجزاء غير متصلة بالكرة الأرضية، هذا الشعور بالخذلان والترك والهجران، وعدم التواصل مع العالم أو عدم اكتراث العالم بما يحدث لهم وفشل العالم فى إغاثتهم، يزيد من عزلتهم الإنسانية وغربتهم وكربهم الذى يعانون منه حاليًا».

وأضافت «جبر» أن المساعدات التى تدخل غزة لا تصل إلى مناطق شمال غزة، حيث تتفشى المجاعة بشكل أكبر، مشيرة إلى أن إسقاط المساعدات الغذائية من دول بعضها عدو للفلسطينيين والغزاويين، مثل الولايات المتحدة التى تمول الإسرائيليين بأدوات قتل الفلسطينيين وتدافع عن إبادتهم ما هو إلا كرم زائف، وهو الكرم والعطاء الكاذب الذى يخفف من عبء ضمير مقدم هذه المساعدات، لكنه لا يساعد الفلسطينيين حقًا ولا يدفع عنهم أسباب الموت.

وتابعت: «شاهدنا كيف يتم إسقاط هذه المساعدات فى البحر وبعضها يلقى فى الجانب الإسرائيلى وبعضها يسقط على رءوس الناس وأدى إلى سقوط ضحايا آخرين؛ فصناديق الإنزال وقعت بالفعل على رءوس البعض فقتلته، وبذلك يقتل الفلسطينى حتى فى محاولة مساعدته، وهذا شىء مروع للغاية، كما أن تزاحم الناس لالتقاطها تجربة لا تحافظ على كرامة الفلسطينى بأى شكل وتعرضه لخطورة أخرى من الإسرائيلى الذى يطلق النار على تلك الحشود التى تتجمع استجابة لجوع أبنائها».

وقالت: «لا أعتقد أن المساعدات عملت على تحسين الوضع الإنسانى، ولا أعتقد أن الوضع الإنسانى سيتحسن فى غزة دون وقف إطلاق النار الدائم، فالمساعدات لا تكاد تسد رمق عدد قليل من الغزاويين، إذا وصلت إليهم من الأساس، وهى لا تكفى أو تفى بالحاجة إلى وقف الخوف والرعب والذعر والموت فى غزة، فالمساعدة الحقيقية تبدأ بوقف أمد الحرب».

سهيل حجازى: نفتقد الأدوات اللازمة لانتشال الجثامين

سهيل حجازى، ٣٠ عامًا، أحد سكان القطاع الذين يعانون من أجل إيجاد مأوى آمن، قائلًا إن المجازر التى يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلى بحق المدنيين لا تتوقف، والقصف الجوى والمدفعى طال المنازل والمستشفيات والمدارس والمساجد، ولا يوجد مكان آمن فى كل القطاع.

وأضاف: «صوت القصف يدوى فى أرجاء المدينة كل دقيقة، والحرب أجبرت الجميع على ترك منازلهم التى شهدت أجمل لحظات حياتهم، فضلًا عن المساعدات الإغاثية التى أصبحت نادرة، ولا يزال تحت الأنقاض آلاف الشهداء والجرحى ولا يجد الأهالى أدوات للحفر».

وواصل: «الصهاينة يقصفون المنازل على رءوس أصحابها، ولم يتركوا مكانًا إلا ودمروه، ولم يفرقوا بين النساء والأطفال وكبار السن، فالجميع مهدد بالقتل فى أى لحظة، لذلك أصبح البحث عن المساعدات الإغاثية من ضمن رفاهيات الحياة التى انعدمت منذ أشهر طويلة».

وأعرب عن أمله فى أن يتم وقف إطلاق النار والحرب الغاشمة بشكل نهائى، قائلًا: «الأهم توقف الحرب، وبعد ذلك الناس بتدبر حالها، إحنا بنعيش على أى شىء، مش مهم الأكل بالنسبة لنا، ونثق أن الله لن يضيعنا، فالحمد لله ما زلنا أحياءً حتى الآن».

متحدث «الصليب الأحمر»:  وفاة أطفال ورُضع من الجوع.. والأهالى لجأوا للأعلاف بدلًا من الطحين

أكد هشام مهنا، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر فى غزة، تدهور الأحوال الإنسانية فى القطاع، بعد أن مزقت الحرب كل مشاعر الإنسانية التى عرفها البشر، لتتعدد أسباب الموت للأهالى، ويصبح أحدها الموت جوعًا، مشيرًا إلى أن التقارير اليومية لوزارة الصحة الفلسطينية تفيد بوفاة عدد من الأشخاص نتيجة الجوع الشديد، ومن بينهم أطفال ورُضع.

وأضاف «مهنا»: «هذه الكارثة تأتى بسبب منع وصول المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة، خاصة الغذاء، ما دفع الأهالى فى بعض الأحيان إلى استبدال الطحين بأعلاف الحيوانات، وكذلك التوجه إلى أماكن خطرة تعرّض فيها المئات للقتل والإصابات أثناء انتظارهم شاحنات قد تأتى أو لا تأتى لهم بالطحين والمواد الغذائية».

وواصل: «وعندما يصاب هؤلاء ينقلون باستخدام عربات تجرها الدواب إلى مستشفيات معطلة، حيث يعالجون من قِبل طواقم طبية مستنزفة بالكامل على مدار أشهر، مع وجود حالات تستدعى إجراء عمليات جراحية ولا يستطيع الأطباء إجراءها بسبب عدم توافر المستلزمات الطبية».

وقال المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر فى غزة، إن أهالى القطاع كانوا يعانون على مدار ١٦ عامًا من القيود التى فرضتها إسرائيل على حركة الأشخاص والبضائع، وبعد السابع من أكتوبر الماضى تفاقمت الأزمة الإنسانية بشكل تام.

وأضاف «مهنا»: «كانت نسبة البطالة فى قطاع غزة تصل إلى ٤٨٪، حوالى ٧٠٪ منهم شباب، والآن فقد الآلاف وظائفهم ومصادر رزقهم، فضلًا عن أحبائهم ومنازلهم، وبالتالى من الصعب الاعتماد على ذواتهم لبناء حياتهم من جديد، بعد هذا الكم من التدمير وهذه الجولات المتعددة من النزاعات المسلحة».

ونبه إلى أن القطاع الصحى فى غزة معطل بالكامل، وعدد كبير من المستشفيات خرج عن الخدمة، ولا يوجد نظام رعاية صحية فى الشمال، والمستشفيات القليلة المتبقية قيد التشغيل فى الجنوب لا تستطيع الوفاء باحتياجات مئات الآلاف من الأهالى.

وواصل: «هناك مستشفيات قليلة للغاية تستطيع تقديم عمليات طبية متقدمة مثل العمليات الجراحية، وداخل غرف العناية المكثفة، لذا يبقى فريق متخصص من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يعمل ويعيش فى مستشفى غزة الأوروبى بخان يونس، منذ أكتوبر الماضى، ويجرى نحو ٢٠ عملية عاجلة منقذة للحياة فى اليوم الواحد».

وأتم «مهنا» بقوله: «الفتات الذى يدخل إلى قطاع غزة، من دعم إنسانى فى مواجهة الاحتياجات الإنسانية الآخذة فى الازدياد ساعة بعد ساعة، لا يستطيع أن يفى باحتياجات أى أسرة، فى ظل وجود ٢ مليون و٣٠٠ ألف يعيشون فى خيم وأشباه خيم ومستشفيات وغيرها».