رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حلف الـ«ناتو».. حرفة العدوان

استقبلت العاصمة الأمريكية «واشنطن» قادة الدول أعضاء حلف الـ«ناتو» فى قمة استمرت من ٩ إلى ١١ يوليو الحالى احتفالًا بمرور ٧٥ عامًا على تأسيس الحلف عام ١٩٤٩ بديلًا عسكريًا استعماريًا عن الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية اللتين غربت شمسهما. ومع انعقاد القمة صرح وزير الدفاع الأمريكى بقوله إن القمة «استهدفت تعزيز الأمن المشترك للحلف».

ومن المهم أن ننتبه، بداية، إلى أننا نتعامل مع حلف أمريكى بالأساس، بحكم أن أمريكا تتحمل بمفردها نحو سبعين بالمائة من نفقات الحلف التى بلغت، حسب إحصاءات «ناتو»، نحو مليارى دولار عام ٢٠١٩، كما أن القوات الأمريكية داخل الحلف تصل إلى مليون و٣٥٠ ألف عسكرى وتمثل تقريبًا نصف قوات الحلف، وبداهة فإن سياسات الحلف تخضع لمن يدفع المال ومن يجيش القوات العسكرية، أى تخضع لأمريكا. لهذا لم يكن مستغربًا أن تغيب إبادة الشعب الفلسطينى فى غزة عن قمة «ناتو» بما أن أمريكا طرف رئيسى فى الإبادة كونها تمد إسرائيل بكل الأسلحة وبمختلف أشكال الدعم السياسى، وفى هذا السياق صرح صامويل وربيرج، متحدثًا باسم الخارجية الأمريكية، بقوله: «ملف غزة لم يكن مطروحًا فى شكل ملف رئيسى فى هذه القمة».

نعم، لم تقترب القمة من استشهاد نحو عشرين ألف طفل فلسطينى قتلوا أساسًا بالدعم العسكرى الأمريكى، لكن القمة أولت كل اهتمامها للحرب فى أوكرانيا، وبدايات تشكل حلف صينى روسى، انطلاقًا من حرص الحلف على «تعزيز الأمن المشترك». ولا شك أن تعزيز ذلك الأمن كان، وما زال، يقتضى إبادة الشعب فى غزة، أو محو غزة من الوجود، لأن غزة لديها أحدث أنواع الأسلحة النووية والغواصات السرية، وأقوى الأساطيل البحرية علاوة على الطائرات الحديثة، وبذلك كله هددت غزة وزلزلت «الأمن المشترك» لدول الحلف، فحق له أن يدافع عن «الأمن المشترك» الذى عرضته غزة بقوتها الضاربة للخطر، ويأتى الدفاع عن ذلك الأمن المشترك بقيادة أمريكا التى يخضع لها الحلف سياسيًا وعسكريًا، التى تدافع بلا هوادة عن إسرائيل التى غُرزت فى المنطقة العربية لتكون قاعدة عسكرية وذراعًا ضاربة لأمريكا.

وإذا كان حلف «ناتو» هو أمريكا، وأمريكا هى الحلف، فإن حرب الإبادة على غزة ليست أول الحروب الأمريكية على شعوب العالم التى اتخذت أحيانًا أشكالًا سرية بتمويل النقابات والجماعات الثقافية المشبوهة، ومدبرى الانقلابات، وقد فضح كل ذلك الكاتب الفرنسى جوردون توماس فى كتابه «الكتاب الأسود لوكالة الاستخبارات الأمريكية» الصادر فى باريس.

أما حروب أمريكا العسكرية الصريحة، فبدأتها منذ عام ١٩١٦ حين شنت الحرب على الدومينيكان لقمع الانتفاضة الشعبية واحتلال البلاد، وفى أغسطس ١٩٤٥ ألقت قنابلها الذرية على اليابان، وفى ١٩٤٩ أشعلت حربًا أهلية فى اليونان، وفى مارس ١٩٤٩ دبرت انقلابًا عسكريًا فى سوريا بقيادة حسنى الزعيم، وفى يونيو ١٩٥٠ تدخلت عسكريًا ضد كوريا الشمالية، وفى مارس ١٩٥٢ دعمت انقلاب الجنرال باتيستا فى كوبا، وفى ١٩٥٣ نفذت انقلابًا ضد حكومة مصدق الوطنية فى إيران، وفى ١٩٥٤ نظمت انقلابًا عسكريًا فى جواتيمالا، وفى يونيو ١٩٥٨ احتل الأسطول السادس لبنان، وفى ١٩٦١ حاولت غزو كوبا، وقامت عام ١٩٦٤ بأعمال مسلحة ضد لاوس، وفى ١٩٦٤ بدأت حربها الإجرامية على فيتنام.

وفى ١٩٦٨ دبرت انقلابًا بواسطة سوهارتو فى إندونيسيا ضد سوكارنو، وفى ١٩٧٣ نظمت انقلابًا فى تشيلى ضد سلفادور اللندى، وفى عام ١٩٨٦ قامت بالعدوان على ليبيا، وخلال ذلك مزقت سوريا والسودان واليمن ولبنان بمختلف أشكال التدخل السرى والعلنى. وهذه ليست قائمة حروب أمريكا، أو حروب «ناتو» بالكامل، إذ لا يتسع لها مقال واحد. لقد احتفلت القمة بالعام الخامس والسبعين على إنشاء الحلف، ومع ذلك، فإن البشرية لا تتخلى عن ثقتها وأملها فى عالم آخر، بلا حروب، ولا أكاذيب، ولا شعارات زائفة عن الديمقراطية والحرية التى تدوسها دبابات الحلف كل لحظة فى كل مكان.