منطقتنا والناتو
مع الأزمة الأوكرانية، تناولت قمة حلف شمال الأطلسى، «الناتو»، على مضض، العدوان الإسرائيلى المستمر على قطاع غزة، وتحرشت بالصين، وشهدت الإعلان عن إنشاء مكتب للحلف فى الأردن، وتعيين مبعوث لـ«المناطق الجنوبية»، التى تشمل إفريقيا والشرق الأوسط، ما قد يفسر بعض ما كان غامضًا فى «خارطة الطريق الاستراتيجية الجديدة»، التى تبنتها دول الحلف فى «قمة مدريد»، السنة قبل الماضية.
أجواء كئيبة طغت على القمة، التى استضافتها العاصمة الأمريكية واشنطن، وجرى خلالها الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الحلف، ليس فقط بسبب المرحلة الحرجة، أو المحرجة، التى تمر بها الحرب الأوكرانية، لكن، أيضًا لأن قادة دول رئيسية فى الحلف تحولوا إلى «جرحى سياسيين»، بدءًا من الرئيس الأمريكى جو بايدن، الذى يواجه صعوبة كبيرة فى الفوز بولاية ثانية، وليس انتهاءً بالرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، الذى تلقى هزيمة قاسية فى الانتخابات الأوروبية، ثم البرلمانية المبكرة.
قبل انطلاق القمة، ظهرت خلافات بين الأوروبيين بشأن كيفية إنهاء الحرب الأوكرانية، بحسب دراسة لـ«المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية»، قالت إن «أحد التحديات الأساسية للقادة الغربيين سيكون تحقيق توافق مواقف الأوروبيين والأوكرانيين المتناقضة بشأن كيفية إنهاء الحرب»، وأشارت إلى وجود فجوة واسعة بين الجانبين بشأن تعريف النصر، وحول الهدف الفعلى من الدعم الغربى لأوكرانيا.
الفجوة الواسعة نفسها، وربما أوسع منها، موجودة، أيضًا، بين الإسرائيليين وداعميهم، وكذا المواقف المتناقضة بشأن كيفية إنهاء العدوان على قطاع غزة، الذى جرى فرضه فى الاجتماع الرئيسى للقمة، بفضل بيدرو سانشيز، رئيس وزراء إسبانيا، الذى طالب رؤساء دول وحكومات الحلف بعدم تطبيق معايير مزدوجة من شأنها أن تقوض دعمهم لأوكرانيا، وأن يتعاملوا بالمعايير نفسها مع الوضع فى غزة، موضحًا: «من المهم أن يدرك مواطنونا أن لدينا موقفًا سياسيًا متسقًا، وأنه لا توجد معايير مزدوجة.. إذا قلنا إننا ندعم أوكرانيا لأننا ندافع عن القانون الدولى، فيتعين علينا أن نفعل الشىء نفسه فى غزة.. وإذا كنا نطالب باحترام القانون الدولى فى أوكرانيا، فيجب علينا أيضًا أن نطالب باحترامه فى غزة».
جرى، إذن، فرض العدوان الإسرائيلى على الاجتماع الرئيسى للقمة، كما كان موضوعًا رئيسيًا فى العديد من الاجتماعات الجانبية واللقاءات الثنائية، بين القادة والوزراء. وبينما لم تصلنا بعد أى أخبار عن خطاب، أو كلمة، الرئيس التركى، خلال القمة، أكد ينس ستولتنبرج، الأمين العام لحلف شمال الأطلسى، المنتهية ولايته، أن الحلف «بصدد افتتاح مكتب جديد له فى المملكة الأردنية»، وقال خلال مؤتمر صحفى عقده، أمس الأول، الأربعاء، إن افتتاح هذا المكتب يوضح أن الحلف «يتعامل بجدية مع التهديدات والتحديات فى منطقة الشرق الأوسط». كما نقلت جريدة الـ«إندبندنت» البريطانية عن مسئول رفيع فى الحلف أن «الناتو» يحاول تعزيز الاستفادة من مكتب الكويت، ويدرس افتتاح مكاتب أخرى فى المنطقة.
الحلفاء اعتمدوا «خطة عمل لتعزيز نهج التعاون فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمواكبة تطورات المشهد الأمنى الإقليمى والعالمى»، كما ذكرت الخارجية الأردنية، فى بيان أصدرته، أمس الخميس، وصفت فيه مكتب الاتصال بأنه «علامة فارقة فى الشراكة الاستراتيجية العميقة بين الأردن والحلف»، موضحة أنه سيؤدى إلى «إحراز التقدم المنشود فى تنفيذ برامج وأنشطة الشراكة التى تشمل عقد المؤتمرات والدورات وبرامج التدريب فى مجالات التحليل الاستراتيجى، والتخطيط لحالات الطوارئ، والدبلوماسية العامة، والأمن السيبرانى، وتغير المناخ، وإدارة الأزمات والدفاع المدنى».
.. وأخيرًا، قد تكون قمة «الناتو»، التى بدأت الثلاثاء الماضى وانتهت أمس الخميس، هى آخر فرصة لتعزيز الدعم الغربى لأوكرانيا، قبل الانتخابات الأمريكية المقرر إجراؤها فى نوفمبر المقبل، والمرجّح أن يفوز فيها الرئيس السابق دونالد ترامب، الذى انتقد حجم الدعم العسكرى الأمريكى لكييف، الذى اقترب من ٦٠ مليار دولار، ووصف الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى بأنه «أعظم مندوب مبيعات على الإطلاق»، ودعا أنصاره الجمهوريين، فى مجلس النواب الأمريكى، إلى عرقلة حزمات المساعدة الجديدة.