تلمسان.."غرناطة إفريقيا" التى أسسها الرومان واستقر بها الأندلسيون العرب
مدينة جزائرية حازت على ألقاب عديدة على غرار "جوهرة شمال إفريقيا" و"لؤلؤة المغرب العربي" و"غرناطة إفريقيا".. هي مدينة تلمسان الواقعة بأقصى غرب الجزائر.. تعد من أجمل المدن الجزائرية وتزخر بمعالم تاريخية وسياحية وثقافية يلمح الزائر روعة الحضارة الإسلامية العريقة بين مبانيها العصرية وهندستها المعمارية المبهرة، استقر فيها الأندلسيون العرب بعد رحيلهم من الأندلس عام 1292.
تحتل مدينة تلمسان موقعًا مميزًا في الجزائر، لكونها ولاية حدودية وتطل على واجهة بحرية بطول 73 كم، وتقع على بعد أكثر من ٥٠٠ كم غربي الجزائر العاصمة.
شهدت تلمسان عصرها الذهبي في عصر الحضارة العربية الإسلامية، وكانت مركزًا لتأثير الحضارات، وهو ما يفسر الألقاب التي أطلقها عليها المؤرخون كـ"لؤلؤة المغرب العربي"، و"جوهرة شمال إفريقيا"، واختيرت عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2011.
يرجع أصل تسمية كلمة تلمسان من جمع "تلم" بمعنى المنبع أو مخزن الماء، وفي رواية بعض المؤرخين اسم تلمسان من اللغة البربرية بمعنى "تل" الذي يعني المنبع و"مسان" يعني الجاف لتصبح المنبع الجاف، وتحيط بتلمسان من جهة الجنوب سفوح جبال الأطلسي وتقع على هضبة تحيط بها أشجار الزيتون والكروم، ورغم قربها من البحر الأبيض المتوسط، إلا أن ارتفاعها بأكثر من 800 متر عن سطح البحر جنبها الرطوبة وجعل مناخها جافًا، وهواءها معتدلًا، وتشتهر بصناعة المفروشات والسجاد والجلود والمنسوجات الصوفية والحريرية والقطنية واستخراج الزيوت النباتية والأسمدة.
تأسست تلمسان في القرن الرابع الميلادي على يد الرومان، ثم غزاها الوندال القادمون من أوروبا، وأصبحت واحدة من أهم الحضارات الإسلامية بعد الفتح الإسلامي في القرن الثامن الميلادي.
في عام 1492، لجأ إليها مئات الآلاف من سكان الأندلس، خصوصًا من مدينتي غرناطة وقرطبة، بعد سقوط الأندلس، وفي عام 1553، حرر العثمانيون تلمسان من الإسبان، فأصبحت تابعة للدولة العثمانية مع نوع من الاستقلال الذاتي، وفي عام 1844 سقطت في قبضة الاستعمار الفرنسي حتى استقلال الجزائر عام 1962.
ولا يغفل أي زائر للمدينة عن زيارة "قلعة المشور" التي تقف شاهدة على حقبة تاريخية مستمدة من حضارة الأندلس أثناء فترة حكم الزيانيين لمناطق شاسعة من بلاد المغرب العربي واتخاذهم منطقة تلمسان عاصمة لهم.
وتم بناء هذه القلعة في القرن الـ13 ميلادي على إحدى تلال مدينة تلمسان وتقف أسوارها المرتفعة والمحصنة شامخة لحماية مسجدها العتيق والقصر الملكي الذي يشبه كثيرًا في إبداعه العمراني قصر الحمراء بغرناطة في إسبانيا.
ويعد "القصر الملكي الزياني"، المقر الرسمي السابق للدولة الزيانية التي حكمت منطقة المغرب الأوسط انطلاقًا من مدينة تلمسان في الجزائر، وشكلت القلعة مكانًا لإقامة السلاطين الزيانيين ومقرًا لحكمهم، وبناها السلطان الزياني الأول يغمراسن بن زيان ما بين عامي 1145 و1248 ميلادية، وجعلها مركزًا لعاصمة الدولة التي عمرت لأكثر من ثلاثة قرون، وتركت كثيرًا من مظاهر الحضارة والثقافة. وتعني كلمة "المشور"، المكان الذي يعقد فيه أمير المسلمين السلطان اجتماعاته مع وزرائه وكتابه وضباطه لمناقشة شئون الدولة والتشاور في أمور الرعية في فترتي السلم والحرب.
كما تتزين جدران القصر الملكي بفن "الزليج" وهو فن عريق من بلاط فسيفسائي من أشكال فخارية هندسية مركبة في لوحة من الجبس، وتطور هذا النوع من الفن الإسلامي في الأندلس والمغرب العربي، وبه كتابات جدارية "العز القائم.. الملك الدائم لله"، و"نعم الله في دار عبده".
وتقع قلعة المشور على مساحة تصل إلى حوالى كيلومترين، وتضم، إضافة إلى القصر الملكي، عددًا من المنازل والحدائق، وأيضًا الجامع الذي يقع في الزاوية الجنوبية الغربية، ويحتوي القصر على أربعة أجنحة، أحدها مهيأ لفصل الصيف ومبني بالطين بشكل يجعله باردًا على مدار الفصل ويضم ممرًا سريًا كان الملك يستخدمه في أوقات النزاعات والحروب، بينما هناك أيضًا جناح لفصل الشتاء مبني بالحجارة التي تجعله دافئًا على مدار فصل الشتاء.