قواعد بناء الجمهورية الجديدية "3"
يبذل الرئيس عبدالفتاح السيسى جهودًا كبيرة فى الداخل والخارج، ولا يدخر جهدًا فى دعم أمن واستقرار مصر، حيث لا يكف الرئيس عن افتتاح مشروعات قومية تدعم مسيرة التنمية والبناء للبلاد، ويسعى جاهدًا لتحقيق الأمن الغذائى المصري، وعلى رأسها إعادة إحياء مشروع توشكى القومى بجنوب الوادي، الذى يعد أحد المشروعات المهمة، وحل جميع المشكلات والتغلب على المعوقات التى كانت تواجهه.. وقد ظهرت الحاجة إلى تقديم حلول مبتكرة لدعم ملف الأمن الغذائى فى مصر، فى ظل الأزمات والتحديات المتلاحقة عالميًا، بدءًا من جائحة كورونا ومرورًا بالأزمة الروسيةـ الأوكرانية، مع تفاقم مخاطر التغيرات المناخية والتى أصبحت واقعًا ملموسًا.
ووثيق الصلة بمقالنا بالأمس عن الأمن المائى المصري، فإن قطاع الزراعة القومى ركيزة أساسية فى الاقتصاد القومى.. لذلك أولى الرئيس السيسى اهتمامًا بالغًا بهذا القطاع، الذى بات يحظى بدعم غير مسبوق ومتواصل من الحكومة، لأنه يساهم بحوالى 15% من الناتج المحلى الإجمالى، ويستوعب أكثر من 25% من القوى العاملة فى مصر، بالإضافة إلى المساهمة الملموسة فى تعظيم الاحتياطى النقدى الأجنبى من خلال زيادة الصادرات الزراعية.
وقد وضعت الدولة المصرية ستة محاور لتحقيق استراتيجية الأمن الغذائى، تتمثل فى التوسع الأفقى، من خلال إضافة أراضٍ جديدة فى ضوء الموارد المتاحة، والتوسع الرأسى، من خلال استنباط أصناف عالية الإنتاجية، وتطبيق ممارسات زراعية حديثة والتوسع فى الزراعات المحمية، زيادة تنافسية الصادرات الزراعية وتدعيم الصحة النباتية والحيوانية، دعم القطاع الزراعى بزيادة الاستثمارات الموجهة له، وتدعيم أنشطة الإنتاج الحيوانى والداجنى والسمكي، وتغيير الأنماط الاستهلاكية كإحدى الآليات لتخفيف الضغوط على الموارد، وتبنى الدولة برامج قومية لاستصلاح الصحراء فى إطار تدعيم ملف الأمن الغذائي، وتدعيمًا لدور مصر الرائد فى تبنى مبادرات ومشروعات التكيُّف مع التغيرات المناخية ومكافحة تحييد وتدهور الأراضى الصحراوية، تفعيل البرنامج الوطنى لإنتاج تقاوى محاصيل الخُضَر، مما يؤدى إلى تقليل فاتوة الاستيراد، وخفض تكلفة التقاوى، فضلًا عن التعاون مع شركات إنتاج التقاوى بالدول الأجنبية، للشراكة فى إنتاج الأصناف المتميزة من هجن محاصيل الخُضَر فى مصر، إنشاء مراكز للخدمات الزراعية المجمعة بالمحافظات، ضمن مبادرة «حياة كريمة»، بتكلفة أكثر من مليارى جنيه تشمل، وحدات بيطرية ومراكز إرشادية وجمعيات زراعية ومراكز تجميع الألبان، وتم إدراج كل احتياجات الخدمات البيطرية والتحسين الوراثى بهذه المراكز.. وأخيرًا، التوسع فى توفير التقاوى المعتمدة للمحاصيل الاستراتيجية.
ما سبق يحقق الأهداف الاستراتيجية لمستقبل تحقيق الأمن الغذائى المصري، بالحفاظ على الموارد الاقتصادية، إحداث تنمية شاملة واحتوائية، التكيف مع التغيرات المناخية، بهدف الحفاظ على الموارد الاقتصادية الزراعية المتاحة وصيانتها وتحسينها وتنميتها، تقليل فجوة الاستيراد، تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة، توفير المزيد من فرص العمل، خصوصًا للمرأة والشباب وإقامة مجتمعات زراعية جديدة ومتكاملة، تدعيم القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية فى الأسواق المحلية والدولية.. وقد تبنت الحكومة برامج الابتكار والتكنولوجيا فى مجال الزراعة، من خلال: تعميق دور البحوث التطبيقية فى مجال استنباط الأصناف قصيرة العمر والمتحملة للإجهادات المناخية، الاستفادة من الذكاء الاصطناعى وبرامج الزراعة الذكية مُناخيًا، التوسع فى الميكنة الزراعية الحديثة والتطبيقات الرقمية وأنظمة الإنذار المبكر، زيادة مرونة وتدعيم القطاع الزراعى فى المناطق الهامشية والهشة مُناخيًا، وإطلاق مبادرات تشجيع التحول إلى نظم الرى الحديث، فى ظل محدودية الموارد المائية، كأحد التحديات التى تواجه قطاع الزراعة فى مصر.
وعلى مدار السنوات الماضية، قامت الدولة بالعديد من مشروعات التوسع الأفقي، منها، مشروع الدلتا الجديدة العملاق، مشروع تنمية جنوب الوادى «توشكى الخير»، مشروع تنمية شمال ووسط سيناء، مشروع تنمية الريف المصرى الجديد، ومشروعات أخرى ببعض محافظات الصعيد والوادى الجديد.. بالإضافة إلى التوسع فى المشروع القومى للصوب الزراعية «المائة ألف فدان»، بهدف إنتاج محاصيل عالية الجودة والإنتاجية، مع توفير غذاء صحى وآمن للمواطنين، وتدشين المشروع القومى لتطوير قصب السكر، من خلال زراعة القصب بالشَتْل، بالبدء فى إنشاء محطتى كوم أمبو ووادى الصعايدة، بطاقة إنتاجية حوالى مائتى مليون شتلة سنويًا، وبتكلفة حوالى مليار جنيه.. ثم تنفيذ مشروعات عملاقة فى الثروة السمكية «بركة غليون- الفيروز- قناة السويس»، لتحتل مصر المركز الثالث عالميًا فى إنتاج السمك البلطى، والأول إفريقيًا فى الاستزراع السمكى، وإصدار قانون تطوير وتنمية البحيرات، وإطلاق المشروع القومى لتنمية البحيرات «المنزلة- البرلس- إدكو- البردويل» وإزالة التعديات عليها، والتوسع فى المشروعات المرتبطة بالثروة السمكية والمُفرخات وغيرها، كما تم طرح واحد وعشرين موقعًا للاستزراع السمكى فى الأقفاص بالبحرين، المتوسط والأحمر.
ومن الإنصاف هنا، أن نؤكد على أن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية حقق نجاحًا كبيرًا وغير مسبوق فى استصلاح وزراعة الأراضى خلال الفترة الماضية، ويُعد مشروع توشكى أحد المشروعات المهمة والواعدة التى تدعم تحقيق الأمن الغذائى المصرى.. فهذا المشروع يمثل إنجازًا كبيرًا للدولة المصرية والقيادة السياسية، لأن فكرة المجتمعات الزراعية المتكاملة تسهم بكل قوة فى تحقيق التنمية الشاملة على كل المستويات، وتساعد على تحقيق طفرة زراعية كبرى، وتوفر العديد من فرص العمل للشباب، كما أنها تسهم فى تنمية صادرات مصر الزراعية وتقليل الاستيراد، لأن الأراضى المستصلحة فى مشروع توشكى تم تخصيصها لزراعة محاصيل استراتيجية أبرزها القمح، مما سيساعد على سد الفجوة الغذائية وتحقيق حلم الوصول إلى الاكتفاء الذاتى من هذا المحصول، بالإضافة إلى استغلال المميزات النسبية لعامل الطقس، الذى يساعد على النضوج المبكر لبعض المحاصيل، وبالتالى تمثل ميزة تصديرية تنافسية.
وغير خافٍ على أحد، ما دعا إليه الرئيس السيسى بتوجيه الاهتمام بالقطاع الزراعى، من خلال تنفيذ عدد من المشروعات القومية التى تستهدف زيادة حجم الإنتاج والتوسع فى الرقعة الزراعية، وجذب الاستثمارات وزيادة حجم الصادرات، لأن القطاع الزراعى من القطاعات الرئيسية فى البرنامج الوطنى للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، ويلعب دورًا رئيسيًا فى تفعيل أبعاد التنمية المستدامة، ومشروع استصلاح أراضى توشكى أحد أهم المشروعات القومية فى هذا المجال، حيث يوفر نموذجًا رائدًا لتنمية الأراضى الصحراوية وتحويلها إلى واحات خضراء مُنتجة، ما يؤكد التزام القيادة السياسية بتعزيز التنمية فى كل أنحاء الجمهورية، ودعم القطاع الزراعى الذى يمثل ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، فى ظل تحقيق الاستفادة الكبرى من الإنتاجية، وتعبيرًا عن أن الدولة جادة فى تحقيق الأمن الغذائى المصرى، من خلال إشراك المستثمرين فى تنمية المشروعات الزراعية، ودعوته الدائمة لهؤلاء المستثمرين والقطاع الخاص للدخول فى هذه المشروعات، لتعزيز قوتها وقوة الدولة المصرية اقتصاديًا واجتماعيًا.
إن مشروع توشكى، الذى أحياه الرئيس عبدالفتاح السيسى مجددًا، من أهم المشروعات القومية التى تحقق الأمن الغذائى لمصر، إذ إنه نموذج ناجح للتعاون بين الدولة والقطاع الخاص، ومبعث فخر للمصريين، بما شهده من تحديات عدة، من أجل توصيل المياه إلى هذه المنطقة، حيث كانت الأرض غير مستوية ومتحجرة، وتعانى من ارتفاع نسبة الملوحة وبنية تحتية غير مكتملة، وأجمع كل المتخصصين على استحالة الزراعة فى هذه المنطقة، بينما بفضل إصرار القيادة السياسية ودعمها، نجحت الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية فى زراعة خمسمائة ألف فدان من محصول القمح.
ولأن الرئيس السيسى يدرك الارتباط المباشر بين الزيادة السكانية والإنتاج الزراعى، وحرص الدولة على التعامل مع الأزمة الاقتصادية وخفض الواردات، فقد كانت رؤيته ثاقبة فى تحديث البنية التحتية، والتى أكدت أن مصر لم تنتظر الأزمات، بل عملت على إجراء إصلاحات هيكلية وتهيئة البنية التحتية، لتكون الأساس فى جذب أى استثمارات أجنبية مباشرة، حيث أنفقت الدولة المصرية نحو عشرة تريليونات جنيه على مشاريع البنية التحتية والتى شملت كل القطاعات، إلى أن استطاعت الدولة تحقيق عدة نجاحات فى مجال ضمان الأمن الغذائى، لاسيما وأن مشروع توشكى يهدف إلى التغلب على الفجوة الغذائية بزيادة الرقعة الزراعية وتعظيم عائد الموارد المتاحة، وزيادة الصادرات الزراعية، وتوفير فرص العمل لآلاف الشباب وخصوصًا فى صعيد مصر، بمشروعات فى استصلاح الأراضى بجنوب الوادى، وفق دراسات متكاملة لانتقاء أفضل أنواع الزراعات والمحاصيل، بما يساعد على ترشيد استهلاك المياه.
■■ وبعد..
فإن اهتمام الرئيس السيسى والدولة المصرية بالتوسع فى الرقعة الزراعية هو من صميم وأولويات الأمن القومى المصري، وأن توجهات الدولة فى السنوات الماضية حققت أهدافها بالاكتفاء الذاتى من بعض المحاصيل، ووجود فائض للتصدير فى بعض المحاصيل والخضروات والفواكه، لجلب العملة الصعبة والمساهمة فى إنعاش الاقتصاد المصرى.. مؤمنين بأن توجه الرئيس السيسى بتكثيف جهود الاستصلاح الزراعى لتحقيق الاستفادة القصوى للدولة سيكون دافعًا للحكومة، لتحقيق الاستفادة الكبرى من الدعم الرئاسى فى غزو الصحراء، وفق مبدأ- كما قلنا- أن فكرة المجتمعات الزراعية المتكاملة تسهم، بكل قوة، فى تحقيق التنمية الشاملة على كل المستويات، وتساعد على تحقيق طفرة زراعية كبرى، وتوفر العديد من فرص العمل للشباب، كما أنها تسهم فى تنمية صادرات مصر الزراعية وفتح المزيد من الأسواق الخارجية للحاصلات الزراعية خلال الفترة المقبلة.. ويبقى مشروع توشكى أحد المشروعات المهمة والواعدة التى تدعم تحقيق الأمن الغذائى المصرى، ويمثل إنجازًا كبيرًا للدولة المصرية والقيادة السياسية، وخطوة جادة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الاستراتيجية.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.