رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انقطاع الكهرباء.. بين جهود الحكومة وغضب الشارع

ما أن بدأت مصر تتعافى من أزمتها مع قلة العملات الأجنبية، بصفقة رأس الحكمة، التي قضت على الكثير من المشكلات الاقتصادية التي كانت بدأت في الظهور، بتراكم البضائع المستوردة في الموانئ المصرية، في انتظار تمويلات دولارية للإفراج عنها، ونزولها الأسواق للتخفيف من حدة التضخم الاقتصادي، وهو ما أشاد به الخبراء في قدرة الحكومة والدولة المصرية على وضع الحل المناسب في الوقت المناسب، للتخفيف عن كاهل المواطن المصري.. إلا أن العالم فوجئ بارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، وصفه الخبراء بأنه (الأسوأ)، وأن العام الحالي 2024، لن يكون مثل الأعوام الماضية، مما حدا بدولة نفطية راسخة، مثل دولة الكويت الشقيقة، إلى تخفيف الأحمال عن مناطقها العمرانية، بعد أن وصلت درجات الحرارة فيها إلى نحو 52 درجة مئوية، وكذلك فعلت دولة عُظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التي شهدت بعض ولاياتها تخفيفًا للأحمال الكهربائية.. ولم تكن مصر بمنأي عن تأثير ارتفاع درجات الحرارة، في موجة تفوقت سخونةً عما سبقها من أعوام، ما حدا بالرئيس عبدالفتاح السيسي، بتوجيه الحكومة، بالعمل الفوري لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من فترات انقطاع الكهرباء، والتوزيع العادل لها، مع التركيز على إنهاء الأزمة تمامًا في أقرب وقت ممكن، وطالب المسئولين بضرورة المكاشفة ومصارحة الشعب بتفاصيل الأزمة، حتى يكونوا على علم بتطوراتها، ويطمئنوا إلى أن كل شيء يخضع للحل، بل إنه يتابع عن كثب مجريات مواجهة تلك الأزمة.
نعم، يشتكي ملايين المصريين من عدم استقرار التيار الكهربي في الفترة الأخيرة، خصوصًا وأن القلق ساور كثيرًا منهم من أن الوضع ربما سيكون أسوأ بكثير عند دخول فصل الصيف، الذي تصل فيه الحرارة إلى أرقام قياسية، وكان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، قد تحدث في 18 يناير 2021، عن الاكتفاء الذاتي من البترول بحلول 2023، وكان من المفترض أن تنتهي أزمة الكهرباء.. لكن بعد عامين من حديثه، وجد المصريون أنفسهم وسط أزمة كبرى نتج عنها إعلان الحكومة زيادة فترات انقطاع التيار الكهربائي إلى ساعتين يوميًا.. فأين تكمن المشكلة؟.
تقول الحكومة إن انقطاع التيار يأتي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بصورة كبيرة، ونقص الغاز والوقود اللازم لتشغيل المحطات، إذ يُعد قطاع الكهرباء في مصر الأكثر استهلاكًا للوقود الأحفوري بنسبة تصل إلى 60%.. ومع اشتداد أزمة الدولار في مصر، حاولت الحكومة بيع محطتين من المحطات الألمانية الثلاث، لتقليل عبء سداد الأقساط والديون الناجمة عن شراء المحطات، ولتوفير حصيلة دولارية تسهم في حل الأزمة، وهو ما لم يحدث نتيجة لمعوقات تتعلق بالعقود مع الجهات الضامنة للاتفاق.. وكان الحل في مضاعفة الإمداد الكهربي للدول المجاورة، في الوقت الذي تضاعف فيه الاستهلاك اليومي من الكهرباء في مصر، ما أدى للبدء في تخفيف الأحمال داخل مصر نفسها، من أجل عدم المساس بعقود توصيل الكهرباء للدول الأخرى، وفي النهاية لجأت الحكومة إلى تخفيف الأحمال الكهربائية لساعتين.
في كل عام، وقت الصيف، يزداد الاستهلاك أو الطلب على الكهرباء وهذا أمر ليس بجديد، لكن السبب الرئيسي- بحسب ما أعلن مجلس الوزراء ـ يكمن في أزمة الدولار، إضافة إلى أن هناك أولويات للحكومة بحسب ما صرح المتحدث باسمها.. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك مشكلة في الكهرباء، ربما حتى العام الماضي.. وتكمن المشكلة حاليًا في عدم توافر ما يكفي من الدولار لشراء الوقود، وقد تم حل هذه المشكلة جزئيًا من خلال صفقات مثل رأس الحكمة، التي وفرت جزءًا من الدولار، الذي تحتاجه الدولة.. لكن المشكلة هي أن هذه الأموال التي تلقتها مصر مؤخرًا، يمكنها بالكاد أن تجعل البنك المركزي يستطيع أن يسيطر على سعر الدولار، ولا تكون هناك سوق موازية له، كما أنها استُغلت في الإفراج عن بضائع وفتح اعتمادات مالية وتشغيل للمصانع، إضافة إلى أن هذه المبالغ التي جاءت هي أقل بكثير من أن تكفي لحل مشكلة مصر الاقتصادية بصفة عامة.. وبما أن الكهرباء هي المستهلك الأكبر للغاز الطبيعي في مصر، فإن تراجع معدلات الاستخراج من حقل ظهر، وهو الحقل الذي كان في فترة من الفترات يمثل نحو  40% من إنتاج مصر من الغاز الطبيعي، أن يؤثر على معدلات توليد الطاقة في البلاد.
عند وضع كل هذه العوامل إلى جانب بعضها البعض، سنجد أن المشكلة ليست مشكلة قدرة الشبكة على الانتاج، وإنما هي مشكلة الطاقة اللازمة لتشغيل الشبكة، خصوصًا أن شركة الكهرباء المصرية، هي أكبر مستهلك للغاز الطبيعي، وبالتالي هي أكبر مدين لوزارة البترول، التي لا تحصل على عوائد توفير الغاز لشركة الكهرباء، وهي العوائد اللازمة لشراء الاحتياجات الإضافية من الغاز والوقود، في وقت تراجعت عائدات قناة السويس من الدولار إلى مستويات حادة، نتيجة التوترات الحادثة في البحر الأحمر، وفظائع الإسرائيليين في غزة، الأمر الذي أثر أيضًا على عوائد السياحة في مصر.. وكلها، مع ارتباك سلاسل التوريد والإمداد العالمية بسبب توترات منطقة الشرق الأوسط، قللت من مدخولات مصر الدولارية، ومن ثم التأثير على قدرتها على استيراد الطاقة اللازمة لتوليد الكهرباء، بالقدر الكافي للتشغيل الطبيعي.
لكن هذا لا يمنع تخوفات الخبراء ورجال الأعمال من أن قطع التيار الكهربي لعدة ساعات، تحت أي ذريعة، ينتج عنها خسائر هائلة.. ويشير هؤلاء إلى أن الخسائر تتضح بشكل أكبر لدى أصحاب المصانع الصغيرة والمحال التجارية البسيطة، الذين تفسد السلع لديهم أو تتعطل أجهزة الإنتاج. كما توقع آخرون تراجع حجم الإنتاج وارتفاع تكلفة المنتج النهائي، واحتمال تراجع الصادرات بسبب أزمة الكهرباء.. أيضًا يشير الخبراء إلى مخاوف من أن عمليات قطع التيار الكهربائي، قد تؤثر على شبكات توزيع الكهرباء نفسها وسلامة البنية التحتية للشبكة العامة، كما أن ذلك يعطي صورة شديدة السلبية للمستثمر العربي أو الأجنبي، الذي سيفكر كثيرًا قبل وضع أمواله في سوق لا تستقر فيه إمدادات الكهرباء.. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، كما اشتكى مصريون من ضياع فرص عمل لهم مع شركات خارج مصر بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وبالتالي توقف خدمات الإنترنت، كما أنه من الجوانب السلبية أيضًا، حدوث حالات وفاة لأشخاص علقوا داخل مصاعد بعد انقطاع الكهرباء، وهو ما أدى لتصاعد غضب كثير من المواطنين وخصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي، كما انتقدوا قطع خدمة سددوا ثمنها بالفعل.
لم تقف الحكومة مكتوفة الأيدي حيال هذه الأزمة التي تمس صميم الحياة اليومية للمواطن المصري.. وفي انفراجة، كشف مصدر مسئول بوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، أن مركز التحكم القومي لشبكة الكهرباء، تلقى تعليمات بعودة العمل وفقًا لجدول تخفيف الأحمال المعلن بواقع ساعتين فقط على كل مشترك، نتيجة توفر كميات من إمدادات الوقود، موضحًا أن هناك تنسيقًا مع وزارة البترول لضخ كميات إضافية من الوقود لتلبية احتياجات المواطنين من الطاقة.. وكانت وزارتا الكهرباء والبترول قد أعلنتا اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية لاستيراد وضخ شحنات وكميات إضافية من الغاز والمازوت، لمجابهة الاستهلاك المتزايد فى ظل استمرار الموجة الحارة المبكرة، مما يعكس حرص الدولة المصرية على سرعة إنهاء الأزمة.. وأوضحت الوزارتان، أنه على الرغم من الخطط الموضوعة مسبقًا بالتنسيق بين الوزارتين، لتحديد الكميات الإضافية المطلوبة من الوقود اللازم لمجابهة زيادة الاستهلاك في أشهر الصيف، التي قامت وزارة البترول بالفعل التعاقد على هذه الكميات منذ فترة واستلامها طبقًا للتوقيتات المخططة، فإنه في ظل استمرار الارتفاع الشديد في درجات الحرارة عن المعدلات الطبيعية لهذه الفترة، والذي تعاني منه العديد من دول المنطقة، فإن هذا تطلب زيادة فترة تخفيف الأحمال، التي تعود إلى معدلاتها السابقة نهاية الأسبوع الحالي.، بعد أن تم اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية لاستيراد وضخ شحنات وكميات إضافية من الغاز والمازوت، لمجابهة الاستهلاك المتزايد في ظل استمرار الموجة الحارة المبكرة.
هذا، وعقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اليوم، اجتماعًا لبحث حل أزمة تخفيف أحمال الكهرباء بحضور وزيري الكهرباء والبترول وعدد من المسئولين.. وأكد رئيس مجلس الوزراء، في مستهل الاجتماع، أن الحكومة تدرك جيدًا أبعاد الأزمة الحالية المتعلقة بانقطاع الكهرباء لتخفيف الأحمال، وكانت هناك جهود خلال الفترة الماضية، والدولة، بمختلف أجهزتها المعنية، تعمل على إنهاء هذه الأزمة في أقرب وقت ممكن.. وشهد الاجتماع استعراض عدد من الإجراءات التي تم على الفور البدء في تنفيذها، بما يسهم في الحد من هذه المشكلة، وصولًا لحلها بصورة كاملة، في ظل توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، بسرعة العمل على إنهاء هذه الأزمة، من خلال اتخاذ القرارات الكفيلة بتخفيض فترات انقطاع التيار الكهربائي، مع ضرورة وضع مختلف الآليات الممكنة من أجل إنهائها في أقرب وقت ممكن، وأكد مدبولي أن الحكومة تسعى حاليًا لوضع الآليات التي تضمن إنهاء الأزمة، بالتنسيق مع الوزارات والأجهزة المعنية.. ونحن في الانتظار.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.