رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مفيش غير حريف واحد.. كيف تنبأ محمد خان بنهاية ميسى؟

محمد خان
محمد خان

«مفيش غير حريف واحد يا أبورجلين خشب».. بهذه الكلمات قطع الطفل «بكر» حديث والده مع «رزق الإسكندرانى»، منظم مراهنات مباريات كرة القدم، ردًا على سخريته من كون «فارس»، والد الطفل، أصبح «حريفًا قديمًا» وهناك آخر جديد بات على القمة، حسبما ظن رزق وقتها.

مسيرة «ميسى» لا تتشابه مع البناء الدرامى لشخصية «فارس» بفيلم «الحريف»، من إخراج محمد خان، فـ«فارس» كان مستهترًا لا يعبأ بالمسئوليات ولا يفكر سوى فى ملذاته، فقد لكم مدربه لتعنيفه، وهجرته زوجته لعدوانيته، واعتاد العيش وحيدًا، وترك عمله وظل يطارد «الكرة الشراب» بين ملاعب قرى ومدن مصر، ولا يحركه سوى شغفه للمال حتى إنه تاجر بموهبته.

أما «ميسى» فهو مثال لرجل ملتزم، يعيش وسط أسرته فى أجواء هادئة، ويحيا نبيلًا لا يركض سوى خلف الذهب ولا يطارد سوى النجاحات، ولا يقحم نفسه فى أزمات ليس بحاجة إليها. 

«ميسى»، الذى احتفل الإثنين الماضى بيوم مولده الـ٣٧، عانى من المرض صغيرًا حتى كاد أن يحرم عشاق كرة القدم من متعة مشاهدته، ومن الانتشاء الكروى الذى استمر قرابة ٢٠ عامًا، أما «فارس الحريف» فلم يكن أفضل مثال يمكن ربطه بالأسطورة الأرجنتينى، لكن لماذا اخترناه؟ وكيف تنبأ محمد خان بأفضل ختام لمسيرة «ميسى»؟

ليونيل ميسى بدأ مسيرته ناشئًا بنادى «جراندولى» بمسقط رأسه فى الأرجنتين تحت قيادة والده قبل أن ينتقل لنادى «نيو أولد بويز» فى العام ١٩٩٥، وبعدها شاهده أحد كشافة برشلونة لتبدأ رحلته مع النادى الكتالونى عبر عقد على منديل طعام.

أما «فارس» فكان ناشئًا بنادى «الترسانة»، وكان موهوبًا وفذًا وبإمكانه أن يصبح «نجم مصر»، كما أخبرنا صديقه «الكابتن شعبان»، لكنه كان متمردًا، لا يشغل باله سوى بإرضاء ملذاته، ولا يرى الحياة إلا وفق نظرته فقط، لذا دفعه غروره وعدم اكتراثه لمستقبله إلى التشاجر مع مدربه والاعتداء عليه حتى أصابه بارتجاج فى المخ، ليُطرد من الناشئين ويخرج مشردًا إلى ملاعب الشوارع والمراهنات على موهبته لمن يدفع أكثر، مع التنقل بين وظيفة وأخرى.

«ميسى» و«فارس» تشابها فى النشأة المتواضعة، فأبو الأول يعمل مدربًا لناشئى أندية مغمورة وأبو الثانى يعمل «قفاصًا»، وكلاهما لم يكن قادرًا على تلبية احتياجات نجله، ولولا تحمل برشلونة نفقات علاج «نقص هرمون النمو» فلم نكن لنرى «ميسى» الذى نعرفه الآن.

ولكن، رغم الاختلافات بين الاثنين إلا أن كليهما عانى الأمرين من الانتقادات التى طالت التشكيك فى قدراتهما التى كانت عاملًا فى إحباطهما، ولكن كليهما تعلق بكرة القدم. 

«فارس» ظل يطارده حلمه فى أن يصبح رجلًا ذا شأن فى عينه وعين طليقته، ورغم موهبته الفذة فى كرة القدم فإنه لم يكن ينظر لنفسه على أنه ذو شأن خارج الملعب، كما أنه حاول مرارًا أن يغيّر نظرة الجميع إليه، وعلى الرغم من كونه يلعب للمال أولًا، لكنه استطاع الوقوف أمام استغلال «رزق الإسكندرانى»، الذى كان يبحث عن تحقيق أقصى استفادة منه وامتصاص دمائه حتى آخر قطرة قبل ركله بعيدًا، بحثًا عن «حريف آخر»، لذا أظهر شهامته وعرفانه الجميل مع «كابتن مورو».

«الحريف» وجد طوق النجاة فى «شعبان»، صديق طفولته بناشئى نادى «الترسانة»، الذى ترك اللعبة مبكرًا وانطلق للعمل بتجارة السيارات، وعرض عليه العمل معه بدلًا من العمل فى مصانع الأحذية، ليمنحه فرصة أخيرة لحياة مستقرة هادئة بلا تشتت ولا استهتار.

أما «ميسى»، فكان الحلم الذى يؤرقه وينغص عليه حياته هو التتويج بلقب قارى مع الأرجنتين، فقبل ٤ أعوام من اليوم لم يكن اللاعب الفذ قد حقق لقبًا لبلاده، بل إنه احتمل لذاعة وقسوة انتقادات أبناء بلده، وظل يركض ويثابر نحو لقب قارى يعيد به أمجاد «بلاد الفضة» مرة أخرى، حتى حقق لقب «كوبا أمريكا» فى ٢٠٢١.

الصديق «شعبان» كان مدركًا بواطن أمور كرة القدم، وكل ما لم يدركه «فارس» حينها، وما اصطدم به «ميسى» مع جماهير الأرجنتين، هو أن كرة القدم ليس بها أنصاف حلول، فإما أن توضع على الأعناق وتهتف الجماهير باسمك أو أن تصبح عاديًا ولا يهتم أحد لأمرك.

بعد تحقيق «كوبا أمريكا»، وجد «ميسى» نفسه فى صراع جديد ومقارنة أخرى مع مواطنه «مارادونا»، الذى حقق ثانى ألقاب الأرجنتين بكأس العالم، وكان عليه أن يحقق لقب المونديال وإلا سيصبح لاعبًا عاديًا فى منتخب بلاده.

«فارس»، كان هو الآخر على موعد مع صراع جديد بعد عرض العمل مع صديقه، وهو إقناع طليقته «دلال» بأنه سيصبح رجلًا مختلفًا، وأنه سيكون قادرًا على إصلاح ما أفسده، وأنه سيتحمل مسئولية المنزل وتربية نجله، ويترك اللعب إلى الأبد، حتى يفوز بقلبها مرة أخرى.

قبيل مونديال قطر ٢٠٢٢ كانت جموع عشاق «ميسى»، وأبناء الأرجنتين خصوصًا، يطالبون «البرغوث» بحصد لقب كأس العالم، رغم أنه كان ينتظره وحش كاسر حقق اللقب لفرنسا قبيل ٤ سنوات، وأسقط «ميسى» نفسه فى دور الـ١٦ بمونديال روسيا ٢٠١٨، وهو كيليان مبابى.

ولـ«فارس»، كان «مختار»، ابن الأرياف، هو العفريت القادم لإسقاط «الحريف» عن عرشه، بانتصاره عليه فى أول مواجهة بينهما فى ملعب من التراب، قبل أن يدخل «مختار» فى عباءة «رزق الإسكندرانى» بعد تمرد «فارس» عليه، ليصبح هو «الحريف الجديد»، كما أطلق عليه منظم المراهنات الاستغلالى.

ولكن.. القدر أراد لـ«فارس» و«ميسى» أن يكون المشهد الختامى أمام وريثيهما، ففى نهائى مونديال قطر ٢٠٢٢ تقابل «ميسى» و«مبابى» وجهًا لوجه مرة أخرى، وكان الأرجنتينى لا يفكر سوى بلقطة معانقته الكأس الذهبية، و«الوريث الذهبى» لا يريد سوى تحقيق الكأس الثانية له، التى لن تكون كسابقتها، لأن هذه المرة سيحصدها بعد عبوره على جسد «الحريف القديم».

أما «فارس»، الذى كان قد قرر اعتزال «الكرة الشراب» والتركيز فى حياته فقط، فاختار أن تكون رقصة الوداع أمام «مختار» مرة أخرى، واختار المشاركة بصفوف الفريق الخاسر أمام «الحريف الجديد»، المنتصر بأربعة أهداف.

لقاء «فارس» الأخير بـ«رزق الإسكندرانى» كان حافزًا لأن يقدم «الحريف» كل ما يملك لقاء الانتصار فى تلك المباراة، بعد أن بادر «رزق» بسؤاله عما إذا كان «فارس» قد جاء للمراهنة على نتيجة المباراة، ليخبره بأنه جاء للرهان على «الحريف»، وهو ما قابله «الإسكندرانى» بسؤاله عن أى حريف يقصد، القديم أم الجديد؟ والسؤال الذى رد عليه الطفل «بكر» بقوله: «مفيش غير حريف واحد».

«فارس» و«ميسى» قدما كل شىء فى مشهد النهاية، فالأول كان لهاثه وأنفاسه دليلين على صعوبة المواجهة وعلى حماسته وإصراره على الفوز، والثانى استخدم كل ألاعيبه السحرية ليتوج بالمونديال، لتأتى النهاية متشابهة كما كانت البداية، فأمسك «فارس» بشباك المرمى بعد أن سجل هدف الانتصار وأثبت أنه لا يوجد سوى حريف واحد، وسقط «ميسى» على الأرض باكيًا من الفرحة بعد ركلة ترجيح أخيرة منحته المجد الذى انتظره طويلًا جدًا.

التعاطف الذى حصل عليه «فارس» فى المشهد الأخير من «الحريف» كان يشبه التعاطف الذى كان لدى كل مشجعى كرة القدم حول العالم مع «ميسى» فى نهائى المونديال، فكلاهما استحق هذه اللحظة، والانتصار الذى يغلق به فصل كرة القدم من كتاب حياته، فالأول ترك اللعبة بعد المباراة، والثانى بات يخطو خطواته الأخيرة فى عالم الساحرة المستديرة.

- «مش هتلعب تانى يابا؟».

- «خلاص يا بكر.. زمن اللعب راح».