بينها إسرائيل وأمريكا.. دول لا تقبل اختصاص "الجنائية الدولية" بجرائم الحرب
أثار إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، اهتمام العالم بعد طلبه منها إصدار مذكرات اعتقال بحق قادة الاحتلال الإسرائيلي وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة ووزير دفاعه يوآف جالانت.
و المحكمة الجنائية الدولية تأسست في عام 1998 بموجب اتفاقية دولية تسمى نظام روما الأساسي، بهدف محاكمة أي شخص مسؤول عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم أوالانتهاكات ضد الإنسانية.
آليات عمل المحكمة الجنائية الدولية
السيناريو الرئيسي الذي تعمل فيه المحكمة الجنائية الدولية هو عندما تكون الحكومة، مع أو بدون نظام قضائي، غير راغبة أو غير قادرة على محاكمة المجرمين في بلدانها.
في هذا الإطار تدعي المحكمة الجنائية أن لها ولاية قضائية على مواطني جميع البلدان، حتى لو لم تكن دولة عضو في المحكمة. ويمكنها إجبار الدول غير الأعضاء على التعاون معها إذا أحال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القضية إليها، وفق منظمة CFR المتخصصة في العلاقات الدولية.
وتعرضت المحكمة الجنائية الدولية التي لا تمتلك قوة مسلحة أو قوة شرطة أو هيئة تنفيذية، لانتقادات بسبب عدم فعاليتها وتحيزها، مما دفع بعض الدول الأعضاء السابقة إلى اتخاذ قرار بوقف التعاون مع المحكمة.
دول لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية
في هذا السياق تسلط "الدستور" الضوء على الدول المترددة في المشاركة أوغير الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، منذ نشأتها، مما جعلها حسب اعتقاد البعض أن سلطتها محدودة في محاكمة مجرمي الحرب، حسب موقع "نوماد كابيتاليست".
الولايات المتحدة
وقعت الولايات المتحدة على المعاهدة خلال رئاسة بيل كلينتون، ولكن تم إلغاء هذه الخطوة لاحقًا من قبل جورج دبليو بوش، بسبب مخاوف من أن يكون للمدعي العام سلطة غير مقيدة، ويمكن أن يعرض الجنود والمسؤولين الأمريكيين المتورطين في أعمال مثيرة للجدل في الخارج للمحاكمات.
وكان الخوف الرئيسي هو أن تقوم المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة الجنود الأمريكيين العاملين في مناطق القتال مثل أفغانستان.
وفي عام 2013، خلال جلسة إحاطة للكونجرس حول حقوق الإنسان، أوضح المتحدث الرئيسي هو ستيفن راب، أن قرار بلاده بالابتعاد عن المحكمة الجنائية الدولية هو مسألة تقليد فلسفي.
ووفقا لـ "راب"، يعتقد الأمريكيون أنهم قادرون على مساعدة الآخرين بشكل أفضل من المجتمع الدولي. وهذا يعني ضمنًا أن الولايات المتحدة إذا أصبحت عضوًا في منظمة مثل المحكمة الجنائية الدولية، فإن هويتها سوف تتعرض للخطر، لأنها سوف تكون ملزمة بالالتزام بمجموعة من الأنظمة والقوانين الخارجية.
ومنذ انسحابها تبرر الولايات المتحدة عدم تعاونها مع المحكمة الجنائية الدولية بالادعاء بأنها تعمل بشكل متواصل وبجد لمساعدة ضحايا الجرائم الدولية ومنع ارتكاب المزيد من الأعمال ضد الإنسانية.
روسيا
كانت روسيا واحدة من القوى العظمى التي دعمت المحكمة الجنائية الدولية منذ إنشائها في عام 1998، وتعاملت مع المحكمة لأول مرة في عام 2000 ومع ذلك، في عام 2016، قرر الرئيس بوتين الانسحاب من المنظمة، وكانت هذه خطوة رمزية لأن روسيا لم توافق فعليًا على المعاهدة، لقد تعاونت روسيا مع المحكمة بينما ظلت خارج نطاق اختصاصها.
وفي الفترة التي سبقت انسحاب روسيا مباشرة، علق المدعي العام الرئيسي للمحكمة الجنائية الدولية بأن الصراع بين روسيا وأوكرانيا تطور إلى صراع مسلح دولي.
وفي أعقاب فك الارتباط الروسي مباشرة، أعلن وزير الخارجية سيرجي لافروف، أن "المحكمة لم ترقى إلى مستوى الآمال المرتبطة بها ولم تصبح مستقلة حقًا"، واصفًا إياها بأنها "أحادية الجانب وغير فعالة".
وفي ذلك الوقت، كانت روسيا متهمة بارتكاب جرائم حرب خلال تدخلها العسكري في سوريا، وأشار بعض المراقبين الدوليين إلى هذه المزاعم باعتبارها الدافع وراء قرار روسيا النهائي بعدم المشاركة في المحكمة.
وفي الآونة الأخيرة، تدهورت العلاقة بين روسيا والمحكمة الجنائية الدولية بشكل أكب،. وفي مارس 2023، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للاشتباه في قيامه بترحيل أطفال بشكل غير قانوني ونقل أشخاص من أوكرانيا إلى روسيا.
وردت روسيا بإعلان عدم اعترافها بقرار المحكمة الجنائية الدولية أو اختصاصها، معلنة أن "أي قرارات من هذا النوع تعتبر لاغية وباطلة بالنسبة للاتحاد الروسي من وجهة نظر القانون".
وردًا على مذكرة الاعتقال الصادرة بحق بوتين، أصدرت روسيا مذكرات اعتقال بحق العديد من مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك رئيس المحكمة الجنائية الدولية ونائبه.
الصين
إغفال الصين من المحكمة الجنائية الدولية يعد أمرا مثيرا للاهتمام بشكل خاص لأن قلقها لا يتعلق بالملاحقة القضائية المحتملة من قبل المحكمة لمواطنيها أو جيشها فقط، بل أيضًا تعرضها للنفوذ والتدخل السياسي.
تعترض الصين على حقيقة أن المحكمة تتمتع بسلطة الحكم على ما إذا كانت الدولة قادرة أو راغبة في محاكمة مواطنيها.
إسرائيل
دعمت الدولة الصهيونية المحكمة في بدايتها، إلا أنها في النهاية لم تصدق على المعاهدة. وبعد عقود من العدوان على الفلسطينيين وعشرات الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، أصبح من الواضح سبب عدم انضمام إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ويقدم الممثلون الفلسطينيون، الذين هم أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2015، أدلة على جرائم حرب ارتكبها الجيش الإسرائيلي إلى المحكمة منذ عدة سنوات.
ومع ذلك، لم يكن هناك الكثير من الإجراءات من جانب المنظمة إلى جانب الاعتراف بالقضايا والحاجة إلى معالجتها. كما اتهمت إسرائيل الفلسطينيين بارتكاب جرائم حرب.
ليبيا
ليبيا الغنية بالنفط، وغير المستقرة اجتماعيا وسياسيا في ظل حرب أهلية منذ عام 2011، غائب آخر عن المحكمة الجنائية الدولية.
لكن هذا لا يعني أنها بعيدة عن متناول المحكمة الجنائية الدولية، حيث يمكن للمحكمة، وفقًا لميثاقها، التعامل مع القضايا التي يحيلها إليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة نيابة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي ظل هذه الظروف فإن ليبيا، باعتبارها دولة غير عضو، ملزمة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.
وفي عام 2017، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرائد بالجيش الليبي محمود مصطفى بوسيف الورفلي، بتهم ارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك عمليات الإعدام العنيفة.
ومن بين مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة ضد ليبيين بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، صدر أمر بإلقاء القبض على الزعيم الليبي معمر القذافي ونجله سيف الإسلام القذافي.
قطر
لم تنضم قطر لمحكمة الجنائية الدولية حتى الان، وتشير تقارير إلى أن قطر قد تتحرك للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية في ظل استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وخلال الصراع المستمر في غزة منذ أكثر من سبعة أشهر، لعبت الدوحة دورا حاسما، إلى جانب مصر والولايات المتحدة، في محاولة التوسط للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
وتمكن المسؤولون القطريون من التفاوض على إطلاق سراح العديد من "المحتجزين" الإسرائيليين، بما في ذلك بعض المواطنين الأمريكيين، ومواصلة العمل من أجل إطلاق سراح المزيد منهم.
جامبيا وجنوب إفريقيا وبوروندي
كان 2016 عامًا صعبًا على كافة المستويات بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية، ففي الفترة من سبتمبر إلى نوفمبر، انسحبت جامبيا وجنوب أفريقيا وبوروندي من المنظمة، بسبب استيائها من حقيقة أن تسعة من التحقيقات الجارية في ذلك الوقت كانت في القارة السمراء.
ووصف وزير الإعلام في جامبيا شريف بوجانج حينها، المحكمة الجنائية الدولية بأنها "محكمة قوقازية دولية لاضطهاد وإذلال الشعوب الملونة خاصة الأفارقة".
ويظل التحيز المزعوم ضد أفريقيا في كيفية اختيار القضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية أحد الانتقادات الرئيسية التي يوجهها المجتمع الدولي نحو المحكمة الجنائية الدولية.