رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"شاهد شاف كل حاجة".. عادل إمام نيجاتيف أصلى للساخر المصرى

عادل إمام
عادل إمام

عادل إمام، رئيس جمهورية الضحك، رحلة طويلة خاضها عقب تخرجه فى كلية الزراعة، وظهوره في مسرحية "السكرتير الفني"، حتى وصل إلى قمة مجده وتألقه الفني وصار علامة مسجلة للكوميديا.. وفي ذكري ميلاده تحتفي الــ"الدستور" بالزعيم في عيون المثقفين. 

عادل إمام نيجاتيف أصلى للساخر المصرى

وحول موقع وموضع الزعيم في خريطة الفن المصري، قال الكاتب أيمن السميري: "كثيرًا ما لازمت صفة السخرية الشخصية المصرية عبر السنين، كنوع من الإزاحة النفسية الإيجابية Displacement وكآلية دفاعية ضد مرارة الواقع، وقهر الغزاة الذين توالت أسواطهم على الأكتاف، يبقى عادل إمام المُضحك الجدلي، فنانًا فريدا في عقد المضحكين العظماء، تكمن فرادة عادل إمام في كونه النيجاتيف الأصلي لشخصية المصري الساخر من نفسه ومن آلامه، ومن حكامه، بل ومن أقداره، النيجاتيف في عالم السينما هو النسخة الخام للصورة بكل جودتها ووضوح صورتها، لهذا فعادل إمام هو الصورة الخام للمصري الساخر صانع الإفيه والنكتة الخاطفة غير المتوقعة، وتعبيرات الوجه والجسد الأكثر قسوة على الواقع بتهكمها واستخفافها به".

وتابع السميري: "الذين هاجموا عادل إمام في بدايات ظهوره وتوهجه السبعيناتي، لم يصمدوا أمام كوميديا خاصة صنعها بنفسه لنفسه، والذين حمّلوه كل التُهم الجاهزة، عن استدراج أجيال إلى كوميديا الناس والشارع والمقهى، تناسوا أنه كان مجرد سفير للبهجة، نقل السخرية من ألسنتهم ليبلغها بلسانه وبطريقته ومبالغاته، من على خشبة عريضة، أو شاشة نابضة، تحول معها عادل إلى حالة تلبسها، تجاوزت مصر إلى محيطها العربي، يتداولها الناس في يومياتهم طلبًا للبهجة، باستعارة أداء وحركات هذا الشاب المطبوع بملامح تشريحية ووجه يبدو كأبطال أفلام التحريك Animation قبل ظهور أفلام التحريك، فهو كاركتر يمكنك تمثله وتخيله ورسمه بقلم رصاص على ورقة، نحن أمام صفات للقوة الناعمة قوية التأثير، سريعة الانتشار".
 

تجاوز الكوميديان حالة الإضحاك إلى حالة الفعل
 

واستكمل "السميري" حديثه عن عادل إمام، مشددا على: "في سياق آخر تجاوز الكوميديان حالة الإضحاك إلى حالة الفعل، والتماهي مع قضايا القومية، والوعي والتنوير، فهو المبادر برحلة إضحاك في معاقل الجماعات المتأسلمة في صعيد مصر، وكأنما يتحدى بروح البهجة وحب الحياة، في مواجهة ثقافة الموت والكراهية، وهو المتوحد مع قضايا التنوير بعد اغتيال صديقه فرج فودة، وهو المساند للحق الفلسطيني في سياقات الدعم والحشد، نحن إذن أمام حالة مدهشة يتجاوز فيها المضحك الساخر منصة البهجة إلى منصة الزعيم سيد الفعل والتأثير".

واستطرد: "تبددت كل الاتهامات في الهواء لبهجت الأباصيري ورفاقه، وأثبت الزمن أنهم كانوا الضحايا لتحولات عميقة سبعيناتية غرسها السادات ونهجه الانفتاحي، تعزز صك البراءة بأنه إذا كانت مسرحية كوميدية قادرة على إفساد جيل، فلماذا لم تصلحه عشرات المسرحيات والأفلام ومكلمات التدين الوعظية؟. استمرت ظاهرة عادل إمام لأنها خرجت من رحم الجماهير، وعاشت لأنها كانت صدى بديلًا لضحكات الناس، تلك الضحكات التي قهرت آلام واقعهم وانكسار أحلامهم".

وتابع: "عاش عادل إمام لأطول وقت ممكن قابضًا على وجدان جماهيرة، لأنه كان شاهدًا على بؤس المرحلة ومثالبها وتهاوي الأحلام الكبرى، فاختار طواعية أن يصبح سجلًا ساخرًا لها، ومخزن بهجة يؤرخ لواقع مذرٍ، هكذا سارت الأمور دون فلسفة وتقعر، ناب الشاب ذو الملامح الكاريكاتورية عن الملايين، فأضحك بلسانها، وسخر بلسانها، وتمرد بلسانها، فكان الشاهد (اللي شاف كل حاجة)".

واختتم السميري: "نحتفل بعادل إمام لأننا نحتفل بأنفسنا، نحتفل بالجزء اللين المبهج في ذواتنا، نحتفل بشوارعنا ومقاهينا، وأصوات الباعة، وصوت كمسري الحافلة طلبًا لتذاكر الرحلة، نحن نحتفل بذكرياتنا عندما روضنا الألم بالضحكات النابعة من القلب على لسان الشاب الخارج من فيلم تحريك لمجتمع كاريكاتوري بطبيعته".