حاتم مرعي: العامية ليست ظلا لقصيدة الفصحى والحركة النقدية لا تلاحقه
ينتظر الشاعر الناقد حاتم مرعي كتابه النقدي الأحدث والذي يصدر خلال أيام عن دار الأدهم للنشر تحت عنوان "تاريخ الهامش: قراءات في شعر العامية المصرية"، والذي يعرض خلاله لتجارب في قصيدة النثر، بنصوصها المتحررة من قيود الموسيقي والوزن، كما يحتوي الكتاب أيضا علي قراءات في مشهد العامية بمنطقة القناة وسيناء.
حاتم مرعي العامية ليست ظلًّا لقصيدة الفصحى
وفي تصريحات خاصة لـ “الدستور”، كشف حاتم تفاصيل كتابه مشيرا إلي أنه: يتناول تجارب شِعرية، كُتبت بالعامية المصرية في حقبة محددة، تُظهر التنوع في أشكال الإبداع بالعامية المصرية من خلال مجموعة دواوين صدرت منذ التسعينيات وحتى الآن.
محاوِلةً رصد حركة تطور شِعر العامية المصرية من الشِّعر الشَّعبي بكل ما يحمله من القيم الشفاهية، وحتى مرحلة التدوين وظهور قصيدة العامية التي تعتمد تقنيات القصيدة الفصيحة، بكل طموحاتها في التجدد، عبر لهجة محلية وُلدت من رحم العربية الأم، وترعرعت على ضفاف النيل؛ لتعبر عن طموح الإنسان المصري والعربي في مجتمع أفضل تسوده قيم الحق والخير والجمال والحرية.
ولفت مرعي إلي العامية ليست ظلًّا لقصيدة الفصحى؛ فالعامية كما ذكر الشاعر أحمد فؤاد نجم: "هي أكبر من أن تكون لهجة، وأكبر من أن تكون لغة".
كما يعترض الشاعر فؤاد قاعود على تسمية اللغة العامية فيقول: "لقد آن لنا أن نتخلص من هذا الخطأ الشائع والوهم الباطل، فليس هناك شيء بهذا الاسم، هناك لغة واحدة هي العربية، وليست لهجتنا إلا قراءة مصرية للعربية".
وأوضح “مرعي”: ولا يزال بعضهم ينظر إلى العامية من أبراج عاجية؛ هي في الأصل أبراج الوهم والتجمد، بتجاهلهم لإبداع العامية المصرية الثري والمتنوع. يقول الشاعر عبد الرحمن الأبنودي: "نحن الذين اخترنا السباحة في العامية، لنكون الواسطة بين الفكر وأهالينا البسطاء، ولم نفرط في قِيَم الشِّعر العُليا، وتنبهنا إلى كل شعراء العالم الغربيين والشرقيين، وقرأنا أجدادنا الشعراء العرب على مر القرون، وخلقنا صرحًا حقيقيًّا نفخر به. وقد أثبت الشِّعر العامي في مصر أنه ابنٌ أكثر إِخلاصًا لعروبته لأنه نقل العربية للبسطاء، ولم يفرط في إرثها العظيم".
هذا ما فعله الشعراء الروَّاد، بدايةً من عبد الله النديم ويونس القاضي وبيرم التونسي، حتى ظهور فؤاد حداد وصلاح جاهين، وانفتاح الشِّعر العامي على آفاق ورؤى أرحب، وتحوله من الزجل إلى الشِّعر الحر أو شِعر التفعيلة، وصولًا إلى قصيدة نثر العامية، التي ظهرت في منتصف التسعينيات؛ لتنتج شاعريةً خاصةً تتجاور مع أطروحات القوالب والأشكال الأخرى التي تزخر بها العامية المصرية.
لا توجد حركة نقدية تُلاحق السيل الإبداعي
وشدد مرعي على ولسوء الحظ لا توجد حركة نقدية تُلاحق هذا السيل الإبداعي في شتى ربوع مصر؛ فالإبداع يسبق النقد بسرعة صاروخ لسلحفاة، فمثلًا عندما اكتملت تجربة بيرم التونسي وأصبحت حجر زاوية في حركة تطور الشِّعر العامي، كان انتقاد معاصريه لإبداعه انفعاليًّا غير مدروس، أقرب إلى رد فعل نتج عن صدمة مرعبة مثل مقولة (يا خفي الألطاف، نجنا مما نخاف) التي رددها أهل مصر في أثناء دك نابليون حصون القاهرة بالقنابل والأسلحة الحديثة.
واختتم حاتم مرعي مؤكدا علي: لكن يظل المبدع المهموم بقصيدته وإنسانيته في اتجاهه نحو تطوير القصيدة وكسر نمطيتها. وهناك كثير من الشعراء الذين يمتلكون من الخبرات الثقافية والمعرفية ما يجعلهم يكتبون الفصحى، واختيارهم العامية والانحياز لها كان سببًا في إضافة جزء هام لتاريخ الإبداع العامي، وفي الوقت نفسه تعرية الواقع النقدي؛ فنقاد العامية هم غالبًا شعراؤها أيضًا، كما أكد ذلك الشاعر محمود الحلواني في كتابه (خيال الضرورة ومرجعياته). في حين أن بعض النقاد لا يلتفتون إليها إلا لمهاجمتها، وأذكر اعتراض بعضهم على وجود كائن غريب يُسمَّى قصيدة النثر العامية، وهو اعتراض يشبه الاعتراض على وجود التنين والشاطر حسن وسبايدر مان في خيال الأطفال، فيظل التراكم الإبداعي -في ظنهم- مجموعة من التجارب غير الواعية وغير المسؤولة؛ لأنها تمردت على الشكل السابق، لكن يظل بحر العامية هادرًا خلَّاقًا مُشبعًا بكل طاقات الشِّعر.