مثقفون يكشفون لـ"الدستور" مستقبل الكتاب الورقى بين منافسيه
مع تعدد وسائط تلقي الكتاب في العديد من الصيغ بعيدا عن الشكل الورقي الكلاسيكي، كالكتاب الإلكتروني والصوتي، يثار الجدل حول اختفاء الكتاب الورقي، والمفاضلة بينه وبين الأشكال الأخرى.
وفي هذا التحقيق يستطلع “الدستور” آراء بعض من الكتاب والمثقفين.
ريما بالي
بداية تقول الكاتبة الروائية السورية ريما بالي: أنا شخصيًا أفضل الكتاب بكل انحياز، وأحب شكل الكتب المكدسة على الرفوف، ومتعة قلب الصفحة أثناء القراءة، لكنني أحترم أيضًا ذائقة مَنْ يفضل القراءة الإلكترونية.
بالنسبة لمستقبل الكتاب الورقي، فلا تقلقني كثيرًا هذه المسألة، أنا أعرف أن ثمة الملايين مثلى ما زالوا يعشقون ملمس ورائحة الورق، وأثق أنه طالما أنا وهم هنا، فالكتاب باقٍ، أما بالنسبة للمستقبل، حين لن نكون بعد موجودين، فلن أصادر رؤية الأجيال القادمة واختيارها شكل وطبيعة كتبها، الحياة تتغير، ودائمًا التغير يحدث لسبب وجيه مقنع يفرضه الواقع الجديد والجيل الجديد، وقد يرفضه المتشددون دون أن يستطيعوا الوقوف في وجهه، في نهاية الأمر لكل زمن أدواته وناسه، المهم عندي أن تستمر الأجيال في القراءة، في بناء الفكر وتجديده وتغذيته، بغض النظر عن الطريقة التي يتم بها ذلك.
كريم قنديل
من جانبه يقول صانع المحتوي الأشهر “كريم قنديل”: لا أتصور هذا ممكنًا، فحينما بدأ جهاز التليفزيون يغزو البيوت في كل أنحاء الأرض، كان متوقعًا أن يحتل عرش الإذاعة، أو الوسيط الصوتي للأبد، لكن لم يحدث هذا، ربما فقد الوسيط الصوتي جزءًا من حصته لفترة، لكن ها نحن الآن بصدد ازدهار ملحوظ في مجال المدونات الصوتية والإقبال عليها، رغم ما وصل إليه التليفزيون كصناعة من تطور.
لذا ربما سيتراجع الإقبال على الكتاب الورقي لفترة، أو سيفقد جزءًا من حصته، وأعتقد أن هذا يرجع لزيادة أسعار الورق والطباعة وصعوبات النشر، أكثر مما يرجع لاجتياح الوسائط الصوتية، كما أن الكتاب الورقي متعة مختلفة عن متعة الكتب الصوتية و«البودكاست»، ومن الممكن الاحتفاظ بالمتعتين، لكن لا أعتقد أن هناك وسيطًا يتمتع بالقوة الكافية كى يحل محل الكتاب الورقي.
حسام المقدم
وبدوره قال الكاتب حسام المقدم: لن أكون رومانسيا وأدَّعي التمسُّك بالكتاب الورقي، سواء بدافع التعوُّد الطويل، أو الحنين إلى جلسة حميمة مع كتاب وفنجان قهوة، يُمكنني أن أعيش ذلك كله مع كتاب إلكتروني على تليفوني أو أمامي على شاشة اللاب. الكتاب الورقي في زمنه الأخير، وكل ما هو ورقي مثل الجرائد والمجلات يمشي إلى نفس المصير. يبقى الكتاب الورقي طالما كان مُتاحا وفي إمكاناتي المادية، أما الإلكتروني فهو متاح دائما، وهنا ينبغي الكلام عن جانب الحقوق المادية للمؤلف ودار النشر، لأن معظم عمليات التحميل تكون على سبيل القرصنة الجميلة بالنسبة لنا كقُرّاء، والضارة جدا بحقوق الكاتب وجهة النشر، لذلك لا بد من تنظيم الأمر بأي شكل قانوني، إلى يأتي الزمن القريب جدا، والذي سيكون فيه الكتاب الإلكتروني هو الموجود فقط دون وسيط ورقي.
ربيعة جلطي
وعما إذا كانت الوسائط الحديثة قد سحبت البساط من الكتاب الورقي، تري الكاتبة الروائية الجزائرية “ربيعة جلطي”: أنا مع الشاعر مالارميه حين قال: وُجد الكون لكي يصبح كتابا، وأضيف: لا يهم شكل الكتاب ولا طبيعته. ورقيّ؟ مسموع؟ مقروء في وسائط محدثة؟.. هي الحياة تتغير، ولن تنتظر من يتخلف عن الركب. أديب لا يتقن لغة التكنولوجيا قد تزداد غربته. الكتاب الإلكتروني جزء من ثقافة العصر، بعد أن تجاوز حاملُ الكتابة الشفهيةَ وتجاوزت الطباعةَ الرقمنةُ.
أمين الزاوي
وبدوره يذهب مواطنها الروائي الجزائري أمين الزاوي إلي: علينا أن نستعد للدخول إلى العالم الرقمي، وألّا نخاف منه، فهو قدر الثقافة والفن والإعلام والاتصال في العالم، علينا أن نفكر في تغيير عادات القراءة عندنا، من الكتاب الورقي إلى الكتاب الرقمي، من الورقة إلى الشاشة أو اللوحة، فـ«النوستالجيا» لا تكفي ولا تنفع، والبكاء على الكتاب الورقي، رائحة الورق والحبر وحفيف الأوراق، يبدو أنه أصبح من الماضي.
صحيح لن تكون نهاية الكتاب الورقي غدًا لكنها ستأتي، ستحل هذه الساعة قريبًا أو بعد قريب، وستصبح ذات يوم هذه المكتبات التقليدية الممتلئة رفوفها بآلاف المجلدات والكتب والمجلات الورقية عبارة عن متاحف، تزورها الأجيال القادمة، وتستغرب ما كنا عليه من حال.
عيسى ناصري
من جانبه قال الكاتب المغربي عيسى ناصري: “الكتاب الورقي لا يتزحزح عن عرشه مهما تعددت الوسائط الإلكترونية، التي أراها تخدم الكتاب أكثر مما تضرّ به، فهي تروّج الكتاب الورقي أكثر مما تزاحمه، وتسهم في التعريف به ونشره على نطاق واسع، وتشجّع على تداوله، حتى مواقع القراءة وتطبيقاتها، ومنصات التواصل الاجتماعي، تُسهم في تكريس عادة القراءة، وإعطاء الأولوية للكتاب الورقي”.