في ذكرى ميلاده.. أنيس منصور رائد الربيع العربي أم متحول سياسي
"السياسى كالبدائي يستخدم أسهم رقيقة ناعمة.. لكنها سامة"، إحدى عبارات الأديب المصري الشهير أنيس منصور، والذي يبدو أنه قد قالها عن تجربة خاضها في عالم السياسية.
فمنصور كان صديقًا للرئيس المصري الراحل "محمد أنور السادات"، وكان ملازمًا له أثناء رحلته إلى تل أبيب للتوقيع على اتفاقية كامب ديفيد "السلام" مع إسرائيل.
فهل يقصد منصور باستخدام الأسهم الرقيقة الناعمة – الدعابة والسخرية- التي كان يستخدمها لتطبيع آرائه وفقًا لآراء النظام الحاكم، والتي كانت ماده سامة يضعها في أمعاء الوطن العربي. أم أنها مجرد مقولة عبارة لا يقصد بها شيء!! كلا الاحتمالين صحيح، ولكن بالفعل قد اختلفت حوله الآراء ما بين متقلب ومتحول سياسي وبين رائد الربيع العربي.
فمن خلال البحث حول ما كُتب عن منصور، كانت الآراء تدينه بشدة وتوصفه بالمتحول السياسي الذي يعمل للنظام السياسي الحاكم، ولكن رغم إدانة هؤلاء له إلا أنهم يرون فيه أديبًا كبيرًا له قوة في التعبير وله قدرة على استعمال الكلمة في موضعها.
فكان رأي الكاتب الصحفي "شاكر فريد حسن"، على صحيفة "الحوار المتمدن" الإلكترونية، من خلال مقالة له بعنوان تأملات في سيرة ومواقف الراحل أنيس منصور، قائلًا:"هو من أبرز الأدباء والصحفيين المصريين، الذين بزغ نجمهم في سماء مصر، وطبعوا الحياة الثقافية والإعلامية المصرية والعربية، وأثروا الفكر العربي الحديث والمعاصر، بمؤلفاتهم وكتبهم ومنجزاتهم الأدبية ومقالاتهم اليومية، التي لا تعد ولا تحصى.
وهو من الكتاب القلائل على مستوى العالم العربي، الذي امتلك ناصية الكلمة وملكة الكتابة وكان مقروءًا من الصغار والكبار على حد سواء"، رغم ذلك إلا أن الكاتب الصحفي يرى في منصور أنه شكل مدرسة في الانتهازية السياسية، ويعتبر من كتاب القصر والبلاط ومثقفي السلطة، وكان يأكل من صحنها ويضرب بسيفها. اتصف بالجبن السياسي وممالأة النظام الحاكم والتقرب منه، ولم يتجرأ على انتقاد الرئيس الحاكم إلا بعد افوله عن المسرح السياسي ورحيله عن الحياة.
ومن أشد الهجوم الذي شن على منصور، هو ما قام به الموقع الإلكتروني الرسمي لحزب التجمع الديمقراطي الجنوبي، والذي وقف بالمرصاد لكتابات ومواقف منصور في عالم السياسة ليثبت بأنه متحول سياسي فكتب "أنيس منصور يدافع عن تهديدات وزير خارجية إسرائيل بنسف السد العالي ويقول لصحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية: سئمنا الاحتفال سنويًا بنصر أكتوبر ويجب إيقافه نهائيًا".
في حين أنه وصف في كتابه القديم "الحائط والدموع" الإسرائيليين" بالكلاب" واللصوص ويدعو إلى مقاطعتهم وطردهم من كل فلسطين "بالقوة" ويقول: اليهود يقدمون للناس الدعارة والمؤامرات وليس صحيحًا أن "الإسرائيليين" يريدون سلامًا ولن يتوقفوا عن التوسع. ثم يسافر مع السادات ويشهد اتفاقية السلام مع اسرائيل!!
وبعد وفاة السادات .. يقول: "اتفاقية السلام التي وقعها السادات مع "إسرائيل" لم تحقق السلام وإنما ضاعفت سوء الظن بين الجميع .!, كما وصف العرب بالجرب والسادات بالمتآمر".
ولم يكتف منصور بذلك، بل طالب "حماس" بعد فوزها بالانتخابات بالاعتراف بـ"إسرائيل"، ففور إعلان فوز حماس في الانتخابات التي جرت في 26/1/2006 وراقبها الأوروبيون والأمريكان وشهدوا بنزاهتها . . فور إعلان فوز حماس، سارع أنيس منصور قبل غيره من الأبواق، بترديد إملاءات وتهديدات "إسرائيل" لحماس بالحصار والمقاطعة . . وبدلاً من أن يطالب منصور باحترام إرادة الناخب الفلسطيني، وعدم معاقبته على اختياراته بالحصار والتجويع، كتب على صفحات جريدة الأهرام في السبت 18/2/2006 قائلاً: "مطلوب من حماس أن تقول نعم ثلاث مرات . . نعم للاعتراف بإسرائيل . . ونعم لوقف العنف . . ونعم لاحترام كل الاتفاقيات الدولية . . وإلا فسوف تقوم "إسرائيل" بالتضييق على فلسطين وحصارها، وسوف تجمد أموال الفلسطينيين، وتضغط أمريكا والدول الأوروبية على الفلسطينيين، وسيجد الرئيس محمود عباس نفسه مضطرًا إلى حل حكومة حماس أو إقالتها" وهو ما حدث بالفعل.
إضافة إلى مواقف أنيس أنه بعد اغتيال السادات في السادس من أكتوبر عام 1981 تنكر له منصور، وكتب بمجلة "أكتوبر" في نفس الأسبوع بأنه "المتآمر" . . وقال في المقال ذاته "إنه هدده هو الآخر قائلاً: "يا أنيس . . أنا رئيس مصر، وأستطيع أن أضع في جيبك قطعة حشيش وأدخلك السجن بالقانون".
وحينما مات عبد الناصر فجأة في 28 سبتمبر عام 1970 كتب منصور بعد يومين فقط من وفاة عبد الناصر، الذي هاجمة بشدة ووصفه بأنه يريد ان ينفرد بالحكم على مصلحة الوطن".
من أول السطر: يومها،" أي يوم وفاة عبد الناصر، وتحديدًا، بعد يومين فقط من الوفاة، سارع أنيس منصور بالبكاء على صفحات جريدة "الأخبار" وكتب مقالًا شهيرًا، راح يولول فيه قائلاً بالحرف: "المصاب مصابنا، وكلنا أهل الفقيد، ويوم ندفن جمال عبد الناصر سندفن معه أعز وأغلى سنوات مصر والأمة العربية.
كيف الحياة بعدك يا جمال، سوف تجف الدموع، ولكن لن نشعر بخسارتك إلا في ما بعد، عندما تتلبد السحب ونبحث عن الذي يواجه ويوجه فلا نجده . . الله معنا يعوضنا عن هذا المشعل الذي أضاء كثيرًا وبشدة، فانطفأ فجأة، وبسرعة".
كما دارت الكثير من المعارك بين أنيس منصور والإسلاميين كان أشهرها مع الشيخ عبدالحميد كشك، فقد بدأت المعركة مع توجيه منصور النقد لشركة مصر للطيران بعد منعها تقديم الخمور على متن طائرتها، ورد الشيخ كشك فى إحدى خطبه مهاجما منصور مطلقًا عليه اسم "أستاذ إبليس مسطول" قائلًا "إن البرية حارت فى أنيس منصور الذى يكتب فى رمضان عن عمر بن الخطاب ويكتب بعد رمضان عن صوفيا لورين ومارلين مونرو، مضيفًا "أنت اللى حارت فيك البرية، مش عارفينك حاج ولا معتمر ولا بتدافع عن الخمر ولا حوستك سودة".
على الصعيد الآخر يراه البعض بأنه رائد الربيع العربي، وهذا ما قاله عنه الباحث والأديب اليهودي الإسرائلي من أصل عراقي واحد المستشرقين في إسرائيل" شموئيل مورية" من خلال مقاله له على موقع ايلاف بعنوان "أنيس منصور رائد الربيع العربي" قائلًا" الأستاذ أنيس منصور يفضل وسائل الاتصال الجماهيرية المباشرة بالإضافة إلى الفن الروائي، ليلعب الدور الرئيسي في نشر الفكر العلماني وحرية التعبير وتحرير المرأة والديمقراطية والفلسفات الغربية والفلسفة الوجودية بصورة خاصة، وذلك عن طريق مقالاته المتنوعة في الصحف والمجلات الواسعة الانتشار وأحاديثه الواضحة المبسطة للأفكار والفلسفات والعلوم الحديثة في الراديو والتلفزيون بحيث تغلغلت آراؤه الإصلاحية والحرة في وعي أوسع الطبقات الشعبية وبين الشباب العربي خاصة" وهذا ما أكدته الإذاعة الرسمية الإسرائيلية أثناء وفاته بأنه أحد رواد الربيع العربي.
وفي الختام يمكن القول، على الرغم من الخلاف مع مواقف أنيس منصور السياسية ونهجه وسلوكه الانتهازي، وانتمائه إلى مثقفي النظام، يبقى نموذجًا للكاتب والأديب المسكون باللغة والكلمة الجميلة والجماهير والريف والتاريخ المصري، ويبقى إرثه الفكري والأدبي واعماله وكتاباته الصحفية شاهدًا على مساهمته ودوره في الحياة الأدبية والثقافية والفكرية والسياسية والإعلامية المصرية والعربية.